رسم الفنان عبدالله جابر كاريكاتيرا بسيطا لكوب بجواره فتلة الشاي المستعملة، واستبدل ماركة الشاي بكلمة (متقاعد) فكان المعنى عميقا في وجدان المتلقي، فالمتقاعد كفتلة الشاي المستعملة يندر استخدامها مرة أخرى، وقليل منهم ينطلق إلى حياة جديدة وينشغل بملفات مؤجلة نافعة، وكثيرون يبتلعهم شبح الفراغ فيعيشون وأسرهم حياة مأساوية. سأبدأ سلسلتي حول المتقاعدين من الخدمات التي تقدمها وزارة التنمية الاجتماعية التي تستثني بعض خدماتها متجاوزي الستين، وإن كنا نعاتب القطاع الخاص (التأمينات والبنوك)، فبأي لسان نعاتب الوزارة في هذا، أليس المتقاعد مواطنا؟ وبالنظر إلى 58 خدمة تقدمها (التنمية الاجتماعية) على موقعها الالكتروني فليست منها واحدة موجهة إلى فئة المتقاعدين! أما على مستوى الجمعية السعودية للمتقاعدين، فمجهولة وموقعها الاكتروني معطل، وأول نتائج البحث عنها كانت شكوى مديرها عام 2015 من عدم استجابة وزارة التنمية الاجتماعية لمطالب الجمعية، ثم عنوان سلبي نشرته صحيفة تواصل الالكترونية يوم 7 يناير 2019 على لسان عضو الجمعية اللواء متقاعد صالح القرشي عبر لقائه على قناة روتانا، شخّص فيه تواضع إمكانات الجمعية قياسا بالأهداف والطموحات، واعترف بضعف حضورها، وفشلها في تسويق ذاتها. وعلى موقع تويتر حسابات متواضعة للجمعية وبعض فروعها، محتواها إخباري في مجمله، لا يعدو حضور احتفالات أو زيارات لأعداد قليلة من المتقاعدين لمناطق أخرى، أو عناوين ندوات صغيرة، مما يوحي بالضعف الحقيقي للجمعية التي لم يسمع بها أغلب المتقاعدين! أما المؤسسة العامة للتقاعد، فلم أستطع بداية تصفح أو تحميل التقرير الإحصائي 2017 على قِدمه، ولم أحظ بمعلومة عن خدمات المؤسسة أو برامجها لما قبل التقاعد أو بعده، عدا عروض وخصومات تقدمها مؤسسات تجارية ومراكز صحية وتجميلية وتعليمية ليست مقصدا لكثير من المتقاعدين متدنيي الدخل، وحتى العرض التمويلي لبرنامج مساكن ليس مفصلا، ونسبة المرابحة ليست موضحة، ولم أجد لدى المؤسسة برامج تمويلية للمتقاعدين كالقروض الأسرية الميسرة وما يشاكلها، إذا علمنا الربكة المالية التي تعتري حياة بعض المتقاعدين، خاصة من القطاعات العسكرية، وعلى هذا فموقع المؤسسة متفوق قياسا بموقع التأمينات الاجتماعية! في نظري يجب أن تعمل الجهات المذكورة سابقا على صناعة قناة مشتركة لتيسير حياة المتقاعدين في القطاعين العام والخاص، والعمل على اجتثاث الثقافة التي عطلت كثيرا من الطاقات والخبرات، فهل تستطيع هذه المؤسسات الوطنية مجتمعة تيسير حياة المتقاعد، ومحو تعبير (مت قاعد) الشائع في أوساط المتقاعدين، واستبداله بثقافة إيجابية تعد ما بعد التقاعد حياة جديدة تتطلب عطاء جديدا؟
مشاركة :