في الوقت الذي يسيطر فيه الضباب على مستقبل الحكم في إسرائيل، جراء تكليف بنيامين نتنياهو بتشكيل الحكومة المقبلة، والشعور السائد بأنه سيعجز عن ذلك وسيعيد كتاب التكليف إلى رئيس الدولة، رؤوبين رفلين، الذي يفترض أن يمنحه إلى بيني غانتس، رئيس حزب «كحول لفان» (أزرق أبيض)، تطرح أسئلة كثيرة في الشارع الإسرائيلي؛ ليس فقط حول قدرته على النجاح في المهمة وحسب، بل أيضاً حول شكل ومضمون سياسة هذه الحكومة.ومن هذه الأسئلة: هل سيدير غانتس سياسة مغايرة عن سياسة نتنياهو الإقليمية؟ كيف سيتعاطى مع التحدي الإيراني؟ أي علاقات سيقيم مع الرئيس الأميركي، دونالد ترمب؟ ومع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؟ ماذا سيفعل إزاء التحالفات الإقليمية؟ هل سيحتاج إلى حرب ليثبت لـ«أعداء إسرائيل» أنه ليس أقل حزماً من نتنياهو؟ هل سيواصل سياسة «التفاهمات» مع «حماس»؟ كيف سيتعاطى مع «صفقة القرن»؟وليس سراً أن هذه الأسئلة وغيرها تم طرحها على غانتس من طرف الأحزاب التي يدير معها مفاوضات لتشكيل تحالفاته في الساحة الحزبية الإسرائيلية، بما في ذلك الأسئلة التي طرحها عليه رئيس القائمة العربية المشتركة، أيمن عودة، ونواب عرب آخرون اجتمعوا به في الشهور الأخيرة، وكذلك مندوبون التقوه بمبادرته أو بمبادرتهم من السلطة الفلسطينية ودبلوماسيون أردنيون ومصريون وعرب آخرون. وليس مفاجئاً أبداً، أن من وراء تلك الأسئلة توجد شكوك كبيرة حول غانتس وكثير من رفاقه في الحزب الذين أطلقوا خلال الحملتين الانتخابيتين في أبريل (نيسان) وفي سبتمبر (أيلول) تصريحات مثيرة للإحباط؛ مثل التنافس مع نتنياهو حول عدد القتلى العرب الذين أسقطهم خلال قيادته الجيش الإسرائيلي، ومهاجمتهم نتنياهو لأنه لا يشن حرباً تقضي على ظاهرة الصواريخ التي يطلقها الفلسطينيون من قطاع غزة على البلدات الإسرائيلية المحيطة، وشكوك أخرى من وجود شخصيات يمينية كثيرة في قيادة هذا الحزب، مثل موشيه يعلون، قائد الحرب على الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة من سنة 2002 وحتى مقتل الرئيس ياسر عرفات في سنة 2004، ومثل غابي اشكنازي، الذي ينتقد حكومات إسرائيل السابقة على أنها أنهت الحروب الأخيرة من دون حسم واضح لمسألة الغالب والمغلوب وإصراره على إنهاء كل حرب بانتصار كاسح، ومجموعة من رجالات نتنياهو السابقين، مثل تسفي هاوزر وبوعز هندل وغيرهما.ويؤكد أشخاص التقوا غانتس أن الرجل يؤمن بأنه سيحدث تغييراً كبيراً من شأنه أن يحدث انقلاباً في مكانة إسرائيل في المنطقة والعالم، وأنه سينتهز «الفرصة التاريخية السانحة أمام إسرائيل لتحقيق سلام شامل مع الفلسطينيين والدول العربية بأسرها». وعندما كان أحدهم يطرح تساؤلات موشحة بالتشاؤم والشكوك، ويقولون له إن هناك شخصيات يمينية متطرفة معه، كان غانتس يحيلهم جميعاً إلى برنامج حزبه السياسي الرسمي، ويؤكد بشكل خاص أن من أعد هذا البرنامج هما موشيه يعلون وبوعز هندل. وكان يستل البرنامج من درج مكتبه ويبدأ في قراءة عدة فقرات منه في شتى المواضيع، ثم يضيف: «سنفعل كذا وكذا، وليس مثل نتنياهو»، بحسب ما يقول أشخاص التقوا به.ويشدد غانتس أيضاً على أنه سيعمق العلاقات الجيدة القائمة مع الولايات المتحدة، ويعزز التحالف الاستراتيجي معها، لكنه لا يتحدث عن معاهدة حلف عسكري، كما يطرح نتنياهو ودونالد ترمب. يقول إن في البيت الأبيض يوجد رئيس صديق كبير لإسرائيل (يقصد ترمب)، ثم يشير إلى الإدارة السابقة أيضاً، تحت رئاسة باراك أوباما، ثم ينتقد الرئيسين على سياسة الانسحاب من الشرق الأوسط؛ وهي سياسة بدأها أوباما ويريد ترمب أن ينفذها بقوة أكبر، بحسب بعض تصريحاته في الفترة الماضية. يتحدث غانتس أيضاً عن «الإصرار على أن يكون لإسرائيل دور في حسم الصراع في سوريا» وفي المفاوضات التي تديرها دول العالم مع إيران، من أجل التوصل إلى اتفاق نووي جديد أفضل من السابق، لكنه يضع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مستوى واحد مع الرئيسين الإيراني والتركي، ويقول إن «إسرائيل لا تؤثر اليوم كما يجب على الطريقة التي يدير فيها دفة الأمور الثلاثي إردوغان (الرئيس التركي) وروحاني (الرئيس الإيراني) وبوتين (الرئيس الروسي)».ومن يقارن بين هذا البرنامج وبرنامج حزب «يوجد مستقبل» بقيادة يائير لبيد، الذي يعتبر العمود الفقري لتحالف «كحول لفان»، يجد أنه مأخوذ كلمة كلمة عنه تقريباً. ولكن هناك تغييرات واضحة فاضحة. ففي برنامج تحالف غانتس شطبت كلمة «دولتان للشعبين» ولم يتم التطرق إلى مبادرة السلام العربية (مع أن غانتس اعتبرها مرات عدة أساساً متيناً للسلام الشامل في المنطقة). لكن لبيد يرى أن البرنامج هو نفسه في الجوهر. ويؤكد أن هناك فقرات واضحة تتحدث عن مبادرة إسرائيلية لعقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط وعن تعاون مع العالم العربي في مواجهة خطر إيران والميليشيات التابعة لها وإقامة سلام إقليمي يتضمن تسوية القضية الفلسطينية و«انفصال إسرائيل عن الفلسطينيين». ويشير إلى تصريحات غانتس الإيجابية حول مبادرة السلام العربية.والأهم من ذلك؛ هو أن حزب «كحول لفان» يعرف كـ«حزب جنرالات». والسبب في ذلك ليس وجود الجنرالات فيه. إنما وجود 4 رؤساء أركان سابقين في قيادته، ومعهم 6 جنرالات آخرين في الجيش والشرطة والمخابرات، هو بمثابة بطاقة هوية. فهذا الحزب يعبّر عن موقف القيادة العسكرية الأمنية في إسرائيل، التي وصلت إلى قناعة بأن نتنياهو بات يهدد المصلحة الاستراتيجية للدولة العبرية في مختلف الجبهات والميادين، ولا بد من تغييره.وليس صدفة أن اليمين الإسرائيلي الذي يتمسك بنتنياهو يعتبر هذا التوجه «انقلاباً عسكرياً» ضده، بينما يراه الليبراليون «انقلاباً أبيض» قرره الشعب في صناديق الاقتراع.
مشاركة :