«غير راضٍ تماماً عن عملي، مهنتي مهمة؛ لكن الدور الذي أقوم فيه ليس مهما، أقضي 8 ساعات في العمل، تبدأ وتنتهي بالبصمة، قمع الحماس للتعلم والتطوير وعدم وجود ضوابط أمن وسلامة ووجود المهندسين لساعات طويلة من غير عمالهم، كل ذلك يجعلني أرغب في تغيير العمل، تطوير الفكر التقليدي القديم يكون أساس كل تطوير»، كانت هذه إجابة مهندس عمره 25 عاماً، يعمل في القطاع الخاص،على هذه الأسئلة:هل تشعر أنك تقدم شيئاً مفيدا في وظيفتك؟إلى أي مدى تشعر أن عملك ذو قيمة؟هل يمكن أن تصنف وظيفتك ضمن «هراء الوظائف»؟هل تجد آثاراً نفسية واجتماعية أثناء ممارسة وظيفتك؟ وهل هي سلبية أم إيجابية؟أعتقد عزيزي القارئ أن هذه الأسئلة بالنسبة للمجتمع الكويتي أهم بكثير من سؤال:كيف يمكن لنا القضاء على بائعي «الرقي» في الشوارع؟أذكر أنني قرأت دراسة للبنك الدولي نشرت في جريدة «الراي»، أخبرت الحكومة الكويتية أنه يمكن لها أن تستغني عن 90 في المئة من الوظائف الإدارية، وأن 10 في المئة فقط من الموظفين يمكن لهم أن يحملوا البلد ويسيروا به إلى الأمام، أما الباقي فيمكن لهم النوم مبكراً على أنغام الكورال الحكومي بوعود التنمية والذهاب إلى المطار صباحاً من أجل السفر، وهم يحملون معهم كل قناعاتهم بأن وجودهم وعدمه سواء... لا فرق سواء كانوا داخل البلد أو خارجه، فقط يمكن لنا أن نستثني من ذلك قطاع النفط وأجهزة الكوارث والأمن.أستاذ الأنثروبولوجيا في كلية لندن للاقتصاد ديفيد جريبر يقدم لنا كتاباً بعنوان «هراء الوظائف» وآثارها النفسية والاجتماعية على الأفراد، يوضح فيه أن الاقتصاد الرأسمالي - وعلى غير عادته - أصبح يولد جملة من الوظائف التي تنعدم جدواها مثل التسويق عبر الهاتف وجماعات الضغط والعلاقات العامة ولجان تقصي الحقائق ومديري الإدارات ورؤساء الأقسام، الذين يكلفون غيرهم بالعمل ويقتصر دورهم على إسناد الأعمال التي لا طائل منها إلى الآخرين، والوظائف التي تتطلب زيّاً رسمياً مع مهام محدودة جداً، مما يشعر من يوظفهم بالعظمة والأهمية والحراسة.وفي مجتمع يعتقد أن «البصمة» ستحل كل مشاكل العالم، يتساءل جريبر عن التداعيات المحتملة لظاهرة هراء الوظائف وتداعياتها الاجتماعية حول ضرورة العمل في الأوقات كافة، حتى لو لم يكن هناك شيء للقيام به لملء الوقت سوى مهام يعلم الجميع أن وجودها وعدمه سواء، تماماً مثل من يقومون بها، وقد أسماه المؤلف بالعنف الروحي للعمل الحديث والصدام المباشر بين أخلاقيات صاحب العمل والحس السليم للموظف، وهو ما ينعكس بدوره على الصحة البدنية للموظفين وانتشار الإجهاد والبؤس، وانعدام الهدف والضمور العقلي والجسدي.يصبح التظاهر بالإنتاج وتقديم النفع للمجتمع والوطن والبشرية غير مجدٍ في ظل تزايد حالات القلق والاكتئاب والكراهية والاستياء من المحاصرين بهراء الوظائف، وفي الختام وصل المؤلف إلى قناعة يطالب فيها بما أسماه «الدخل الأساسي العالمي»، وهو دخل يعطى للجميع وإن كانوا من دون مؤهلات مما يسمح لهم بالعمل في أوقات فراغهم، وأن يكون الحكم على أهمية الإنتاجية وليس الوظائف، وذلك بدلاً من ساعات العمل، ويطالب بتوجيه الوقت الذي يذهب من دون طائل في وظائف لا جدوى منها إلى أنشطة إبداعية.وأنا اتفق مع كل ما قاله السيد جريبر عدا الاستنتاج الذي وصل إليه، من أن الدخل الأساسي سيقضي على الوظائف الهرائية، فيبدو أن أستاذ الإنثروبولوجيا لم يزر الكويت ليعلم أنها توفر أكثر من الدخل الأساسي للجميع، ورغم ذلك فهي مليئة بما قال عنه، ولا يستغل الناس أوقات فراغهم من أجل الأنشطة الإبداعية.أعتقد أن البحث في نشوء وتطور الوحدات الاجتماعية، وأولها الاسرة، التي ترعى الفرد وتقوم بنشأته وإلى أي مدى أصبح عملها مصنفا ضمن «الهراء الوظيفي»، والنظام السياسي الذي ينظم أمور الجماعة، ويضبط العلاقات والأفعال وكمية الهدر في اعتقاده بأن التوظيف شكل من أشكال توزيع الثروة، والنظام الديني ودوره في وضع وتعزيز المعايير والقيم وكيف تحول كل ذلك إلى ما يطلبه المتابعون، وغير ذلك من المؤسسات والنظم الاجتماعية... كل ذلك هو ما يجب البحث فيه والانطلاق منه هنا في الكويت.لماذا نجحت الفاشينستا وفشل الموظفون؟لا أدري... أنتم أبخص! @moh1alatwan
مشاركة :