اختلاف نتائج تآكل الاحتياطيات باختلاف اقتصادياتها

  • 10/3/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

في نظام الربط، فإن الاحتياطيات الأجنبية، وإن كانت نقدية ومالية محضة، إلا أنها تعمل كمصدة لتدفقات السلع والخدمات والنقد. فمثلاً، في اقتصاد النفط، خلال فترات ارتفاع الطلب العالمي على النفط، نرى الاحتياطيات الأجنبية تمتص دولارات فوائض النفط، كما نراها في الاقتصادات الصناعية، تمتص دولارات الهجمات على عملاتها من المضاربين المتأملين لرفع قيمة العملة المحلية، في فترات النمو القوي. والعكس، يحدث في حال النقصان الشديد لتدفقات دولارات النفط عند دول النفط، وفي حال الانحسار الاقتصادي للدول الناشئة. اللهم إنه في حال نقص تدفقات دولار النفط، فإن الاحتياطيات الأجنبية قد تنفد وهي تستبدل العملة المحلية بالأجنبية، من أجل تلبية الاستيراد العمالي والسلعي والخدمي، وفي الاقتصادات الصناعية، قد تنفد احتياطياتها من أجل استخدام نقودها لشراء العملة المحلية في حالة المضاربة ضدها أو حال فقدان الثقة بها. ومتى استُنفدت الاحتياطيات انهارت العملة، بل وانهار الاقتصاد، والبلاد أحياناً، وقد يكون ذلك هو الحل أحياناً أخرى. فالحالات تختلف، فقد يكون كسر الربط وتخفيض العملة هو الحل الأمثل لتحقيق نمو اقتصادي، كحالة بريطانيا عام 1992م. بينما قد يسبب انكسار العملة وانخفاض قيمتها الدولية، أزمة اقتصادية، كما حدث لنمور آسيا عام 1997م. وقد يؤدي انكسار العملة إلى انهيارها هي واقتصادها وسيادتها ووحدتها، كما سيحدث لأي دولة نفطية في حالة انكسار عملتها. ففي عام 1992 فقدت فرنسا في يوم واحد 34 مليار دولار والذي يشكِّل تقريباً كامل احتياطاتها من العملات الأجنبية، وهي تدافع عن قيمة عملتها بعد أن دخلت في آلية سعر الصرف الأوروبي ERM التي اقتضت ربط دول النظام النقدي الأوروبي EMS بالمارك الألماني. وفي 16 سبتمبر 1992 أجبرت بريطانيا في ذلك اليوم الذي أسموه بالأربعاء الأسود، على الخروج من آلية سعر الصرف الأوروبي ERM بكسر ربطها بالمارك الألماني بعد أن خسرت أكثر من ثلاثة مليارات جنيه في دفاعها عن سعر الصرف المربوط بالمارك الألماني. وبريطانيا لم تكن تتبنى الانضمام لليورو، لكنها دخلت للتجربة والتعلّم، لذا كانت احتمالية خروجها هي الأكبر عند تعرضها لضغط المضاربين. ولهذا اختارها سوارس هدفاً لهجومه عليها الذي أكسبه 1.1 مليار دولار في يوم واحد. والهجوم على العملة لا يمكن أن يحدث إلا باقتراض للعملة المحلية، ثم بيعها -أي استبدالها- بالعملة المربوط بها. فهذا هو هجوم المضاربين الذي يكسر العملة ويستنزف الاحتياطيات. فعندما راهن جورج سوارس على انكسار ربط الجنيه البريطاني بالمارك الألماني في 16 سبتمبر عام 1992م، قام بعملية ببيع الجنيه البريطاني على المكشوف، أي أنه قام باقتراض مليارات الجنيهات البريطانية من السوق النقدية البريطانية، ثم باعها بالمارك. فهكذا يستنهك المضاربون العملة المربوطة، حتى تُستنزف الاحتياطيات الأجنبية للبنك المركزي للعملة المُهاجمة فتنكسر العملة، وحينها وبعد انخفاض قيمتها، يقومون بإعادة شراء ما باعوه ليسددوا دينهم، ويبقى الفارق لهم. وقد كان التلاعب بطبخ الحسابات للاحتياطيات الأجنبية، هو من أشعل فتيل أزمة دول شرق آسيا المالية عام 1997م. حين قامت بعض البنوك المركزية في دول شرق آسيا، وتحت الضغط من السياسيين، استخدمت دولارات الاحتياطيات الأجنبية لإقراض شركاتها الواعدة. وبما أن القرض على الشركات الوطنية كان بالدولار، فموجودات الاحتياطيات الأجنبية لم يتغيّر مجموعها، وإن كان قد تغيّرت سيولتها. فالبنك المركزي، كان يقدم للشركة سندات الحكومة الأمريكية القصيرة الأجل، ويضع مكانها سندات بالدولار على الشركات المحلية. فهذا أفسد الغرض من الاحتياطيات الأجنبية، لأنها فقدت سيولتها الفورية، ومهمة الاحتياطيات ليست استثمارية، بل دفاعية كالجيوش، عالية الكلفة، كلما زادت نقصت الحاجة لها. فلما شمَّ المضاربون رائحة الطبخة قاموا بالهجوم عليها، على غرار الهجوم على الجنيه البريطاني، حتى نفدت من هذه البنوك الاحتياطيات الأجنبية القابلة للتسييل، فانهارت العملة ما سبب أزمة اقتصادية بسبب اختلال توازن ديون البنوك الأجنبية مقابل موجوداتها المحلية. أما اقتصادات النفط فانكسار الربط أو تخفيض قيمة العملة فيُسبب انهياراً اقتصادياً وسياسياً، بسبب اعتمادهم الكلي، المباشر أو غير المباشر، على الاستيراد. فانكسار الربط أو تخفيض قيمة صرفها، يعني نهايتها كعملة، فتنشل معاملات الناس، فلا ترى قارورة ماء تُباع في بقالة، إلا أن تدفع قيمتها بعملة أجنبية.

مشاركة :