كان توتنهام هوتسبير يلعب بعشرة لاعبين أمام ساوثهامبتون في الدوري الإنجليزي الممتاز، يوم السبت الماضي، بينما كانت النتيجة تشير إلى التعادل بهدف لكل فريق، لكن لاعبي السبيرز انتفضوا وقاتلوا بكل شراسة، وتمكنوا من تسجيل الهدف الثاني عن طريق نجم الفريق هاري كين، وانتهت المباراة بفوز كين ورفاقه بهدفين مقابل هدف وحيد. ورغم أن كثيراً من المحللين قد أشاروا بعد المباراة إلى أن لاعبي ساوثهامبتون قد أضاعوا كثيراً من الفرص المحققة التي كان من شأنها أن تغير نتيجة المباراة، فإن خروج توتنهام هوتسبير بهذه النتيجة، وهو يلعب بعشرة لاعبين، تُحسب للاعبين ولمديرهم الفني الأرجنتيني ماوريسيو بوكيتينو. لكن هذه الصورة تغيرت تماماً، مساء الثلاثاء الماضي، عندما تعرض الفريق لهزيمة مذلة أمام بايرن ميونيخ الألماني في عقر داره بسبعة أهداف مقابل هدفين، في إطار دور المجموعات بدوري أبطال أوروبا. لقد استسلم الفريق الإنجليزي بشكل واضح تماماً خلال شوط المباراة الثاني، وهو الأمر الذي يثير قلقاً عميقاً بين محبي وعشاق الفريق. والغريب أن توتنهام هوتسبير كان يسيطر على مقاليد الأمور في شوط المباراة الأول، وعندما كانت النتيجة تشير إلى التعادل بهدف لكل فريق، كان توتنهام هو الفريق الأفضل، فما الذي حدث؟ وتمكّن المهاجم البولندي روبرت لواندوفسكي من إحراز الهدف الثاني للعملاق البافاري في الدقيقة 45 من عمر اللقاء، لينتهي الشوط الأول بهزيمة السبيرز بهدفين مقابل هدف ويدخل الفريق الإنجليزي غرفة خلع الملابس بين شوطي المباراة، وهو يشعر بالأسف والإحباط، بسبب الهدف الذي دخل مرماه في اللحظات الأخيرة من الشوط الأول. ولم يتمكن توتنهام هوتسبير من العودة في النتيجة، لكن ما الحافز الذي كان لدى اللاعبين في مباراة ساوثهامبتون، الذي غاب عنهم أمام بايرن ميونيخ؟ لقد تكرر الأمر مرتين في سبتمبر (أيلول) الماضي، أمام آرسنال في البداية ثم أمام أولمبياكوس، فأمام آرسنال كان توتنهام هوتسبير متقدماً بهدفين دون رد، قبل أن تهتز شباك الفريق بهدفين متتاليين، الأول عن طريق ألكسندر لاكازيت في الدقيقة 45، والثاني في الشوط الثاني، لتنتهي المباراة بالتعادل بهدفين لكل فريق، لكن هذا التعادل كان بطعم الخسارة بالنسبة لتوتنهام. وأمام أولمبياكوس، تقدم توتنهام هوتسبير بهدفين دون ردّ أيضاً، واهتزّت شباك الفريق في اللحظات الأخيرة من الشوط الأول أيضاً، وبالتحديد في الدقيقة 44 من عمر المباراة. ومرة أخرى، هبط أداء الفريق وأحرز الفريق اليوناني الهدف الثاني لتصبح النتيجة هدفين لكل فريق. وغالباً ما يُقال إن أسوأ لحظات يمكن أن تستقبل فيها هدفاً هي تلك اللحظات التي تسبق نهاية الشوط الأول. لقد أشار المدير الفني لتوتنهام هوتسبير ماوريسيو بوكيتيو وبعض لاعبي الفريق إلى أن اهتزاز شباك الفريق بهدف قبيل نهاية الشوط الأول يجعلهم يشعرون وكأنهم تلقوا ضربة قوية للغاية، وكأنهم يقولون للفرق المنافسة. إن ذلك الأمر يؤثر كثيراً على تركيزهم خلال الشوط الثاني! إن ما فعله لاعبو توتنهام هوتسبير هو تسليط الضوء على نقاط ضعفهم وشعورهم بعدم الأمان، وكان من الصعب للغاية عدم ربط هذا الإخفاق بالأجواء السائدة بين لاعبي الفريق، حيث اعترف بوكيتينو بنفسه بأنه كان هناك شعور بالأنانية من جانب اللاعبين حتى إغلاق فترة الانتقالات الصيفية في الدوريات الأوروبية في الثاني من سبتمبر (أيلول) الماضي. لقد أكد المدير الفني الأرجنتيني، خلال الأسبوع الماضي، على أن العودة إلى المسار الصحيح يتطلب بعض الوقت، وأن ذلك لن يحدث بين عشية وضحاها. فهل المجموعة الحالية من اللاعبين قادرة حقّاً على العودة إلى المسار الصحيح؟ وكما يعلم الجميع، فإن بوكيتينو يركز دائماً على مساعدة اللاعبين على تقديم أفضل ما لديهم داخل المستطيل الأخضر وعلى اللعب الجماعي، وهي العوامل التي كان لها الدور الأبرز في وصول الفريق للمباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا، الموسم الماضي. وعندما يتخلى الفريق عن هذه المقومات، فإنه لا يكون قادراً على الاستمرار في تحقيق النتائج الإيجابية، وهو الأمر الذي ظهر جليّاً في الآونة الأخيرة. لقد قدم توتنهام هوتسبر أفضل مستوياته هذا الموسم في أول نصف ساعة أمام بايرن ميونيخ، قبل أن ينهار تماماً، ويتلقى سبعة أهداف على ملعبه وبين جمهوره، في أكبر هزيمة للنادي عبر تاريخه الممتد منذ 137 عاماً! وكان بوكيتينو قد طلب من اللاعبين العودة إلى الضغط العالي على حامل الكرة، وهي السمة التي تميز بها النادي في معظم الفترة التي تولى خلالها بوكيتينو قيادة الفريق، وبالفعل طبّق اللاعبون ذلك في النصف ساعة الأولى أمام الفريق الألماني، لكن لاعبي توتنهام هوتسبير لا يمكنهم الاستمرار في اللعب بهذا النسق على مدار التسعين دقيقة طوال الموسم، وعندما انخفض أداء الفريق، تحوّلت الأمور بشكل حاد، فظهر الفريق مفككاً ومهلهلاً من الناحية البدنية والنفسية، خصوصاً في الدقائق الأخيرة من عمر المباراة، وهي الفترة التي شهدت تسجيل الفريق الألماني لثلاثة أهداف، وتحويل الهزيمة إلى فوز ساحق ومذلّ. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا فقد توتنهام هوتسبير قدرته على الضغط على الفريق المنافس طوال المباراة؟ قد يقول بوكيتينو إن الأمر يعود إلى الإرهاق الناجم عن خوض المجموعة نفسها من اللاعبين لعدد كبير من المباريات المتتالية. ومن بين التعاقدات الجديدة التي أبرمها النادي كان تانغاي ندومبيلي هو الوحيد الذي يشارك في المباريات. لقد عبر المدير الفني الأرجنتيني عن أسفه لاستخدام كلمة «أجندات» في التصريحات التي أشار فيها إلى أن تراجع نتائج الفريق يعود إلى وجود «أجندات مختلفة في الفريق»، حيث شعر بأن الكلمة في اللغة الإنجليزية ربما تكون أكثر قوة منها في لغته الأصلية، وهي الإسبانية. لكن على أي حال ما زال هذا الوصف يبدو دقيقاً، بالنظر إلى أن هناك ستة لاعبين على الأقل من القائمة الأساسية للفريق كانوا يرغبون في الرحيل عن النادي في فترة الانتقالات الصيفية الأخيرة. وشارك أربعة لاعبين من هؤلاء اللاعبين الستة في خط الدفاع أمام بايرن ميونيخ. وقد تم تسريب مقطع فيديو لسيرج أوريه وهو يقول إنه «قرر الرحيل» عن النادي، كما أن الظهير الأيسر داني روز لم يلتحق بالفريق في جولته الآسيوية استعداداً للموسم الجديد، نظراً لأنه كان مشغولاً بالبحث عن نادٍ جديد. وعلاوة على ذلك، فإن عقود كلٍّ من توبي ألديرفيرلد ويان فيرتونخين قد دخلت عامها الأخير، وهو ما يعني أنه يحق لكل منهما التوقيع لأي نادٍ مجاناً في فترة الانتقالات الشتوية المقبلة، وبالتالي لم يعد هناك حافز لدى هؤلاء اللاعبين لتقديم أفضل ما لديهم داخل الملعب. وفي النهاية، يجب التأكيد على أن بوكيتينو يتقاضى راتباً من النادي لكي يقود هذا الفريق، لكن في بعض الأحيان بدأ الأمر كما لو أنه قد «صبّ الزيت على النار» عندما تحدث بكل صراحة عن صعوبة وضع النادي في ظل المواقف المختلفة للاعبين. وبطريقة أخرى، فإن بوكيتينو من نوعية المديرين الفنيين الذين يتحدثون بكل صراحة عن المشاكل التي يواجهونها، من أجل العمل على إيجاد حلول لها من خلال تكاتف وتضافر الجميع. وخلال الموسم الماضي، على سبيل المثال، اشتكى المدير الفني الأرجنتيني أكثر من مرة بسبب لعب الفريق لمبارياته خارج ملعبه بسبب بناء الملعب الجديد، كما اشتكى مراراً من عدم تدعيم صفوف الفريق بلاعبين جدد. وهذه المرة، أصبحت المشاكل التي تواجهه «داخلية»، أو بمعنى آخر أصبحت تتمثل في اللاعبين، وبالتالي أصبح الوضع أكثر خطورة وتسبب في حدوث انقسامات داخل الفريق. ربما شعر بوكيتينو بعد كل ما فعله للنادي أنه وصل لمكانة تجعل من الصعب المساس به، وأنه قادر على التعبير عن رأيه بكل صراحة، ومن دون خوف من رد فعل مالك النادي، دانييل ليفي. لكن بوكيتينو وليفي دخلا في خلافات في السابق بسبب تصريحات المدير الفني الأرجنتيني، التي قال فيها إنه كان على استعداد للرحيل عن النادي لو كان الفريق قد فاز بلقب دوري أبطال أوروبا الموسم الماضي. لقد كان الأمر يبدو في بعض الأوقات، وكأن المدير الفني الأرجنتيني «يُناور» من أجل تحقيق أهدافه، لكن في الوقت الراهن أصبحت هناك حاجة ملحّة لإعادة الفريق إلى الطريق الصحيح، خصوصاً أن الإحصائيات تشير إلى أن النادي لم يحقق الفوز سوى تسع مرات في آخر 28 مباراة لعبها في جميع المسابقات. ويتعين علينا أن ننتظر الآن لنرى ما الذي سيفعله الفريق عندما يستأنف رحلته بمواجهة برايتون اليوم. وبعد الفوز الساحق لبايرن ميونيخ على توتنهام هوتسبير بسبعة أهداف مقابل هدفين، أشادت الصحف الألمانية بلاعبي العملاق البافاري، فكان العنوان الرئيسي بصحيفة «بيلد» الألمانية يقول: «انتصار تاريخي في لندن»، مشيرة إلى أن هذه النتيجة التاريخية قد أعادت للأذهان فوز المنتخب الألماني على نظيره البرازيلي بسبعة أهداف مقابل هدف وحيد في كأس العالم 2014 بالبرازيل. وأشارت الصحيفة إلى أن العملاق البافاري قد سحق النادي الإنجليزي «بلا رحمة»، مؤكدة على أن النصر قد «أصاب أوروبا بالصدمة». وأشار الكاتب ماتياس بروغلمان إلى أن بايرن ميونيخ يضم قادة مثل جوشوا كيميتش وروبرت لوفاندوفسكي، يريدون أن يفوزا بكل شيء، على غرار الرغبة التي أظهرها لاعبو ليفربول عندما فازوا بلقب دوري أبطال أوروبا الموسم الماضي. وكتب: «إنهم يريدون أن يفوزوا بالكأس الكبيرة، وهذا هو السبب الذي يجعلهم يقدمون أقصى ما في وسعهم داخل المستطيل الأخضر، وهذا هو السبب الذي يجعلهم أيضاً لا يهتمون بما إذا كان ما يقومون به قد يزعج كبار المسولين في النادي، أو المدير الفني، أو حتى زملائهم في الفريق». كما ألقت صحيفة «بيلد» أيضاً الضوء على تصريحات المدير التنفيذي لنادي بايرن ميونيخ، كارل هاينز رومينيغه، بعد المباراة، التي وصف فيها الأداء والنتيجة بأنهما «لا يُنسيان»، مؤكداً على أن الفريق قد «صنع التاريخ». ووجه رومينيغه شكراً خاصّاً للمدير الفني للفريق، نيكو كوفاتش، الذي واجه صعوبات كبيرة منذ قدومه إلى بايرن ميونيخ في بداية الموسم الماضي، قائلاً إنه رأى شيئاً «لا يُصدق» على ملعب توتنهام هوتسبير. وقال رومينيغه أيضاً إن بايرن ميونيخ قد أثبت أن أندية الدوري الألماني الممتاز قادرة على تحقيق الفوز على أفضل أندية الدوري الإنجليزي الممتاز، مؤكداً على أن ذلك يجعله يشعر بالسعادة. أما مجلة «كيكر» الألمانية، المعروفة بأنها «بخيلة» في منح الدرجات في تصنيف اللاعبين، فقد منحت العلامة الكاملة لثلاثة لاعبين في الفريق البافاري، وهم مانويل نوير، وسيرج غنابري، وروبرت ليفاندوفسكي. وكان اللاعب الوحيد في توتنهام هوتسبير الذي منحته المجلة درجات جيدة هو الكوري الجنوبي سون هيونغ مين. أما صحيفة «أبيند تسايتونج» المحلية في ميونيخ، فقد أشارت إلى أن بايرن ميونيخ قد فاز «بطريقة مثيرة للإعجاب»، وأشادت على وجه التحديد بغنابري، الذي سجل أربعة أهداف بمفرده في هذه المباراة. وتساءل بتاريك ستراسر في الصحيفة نفسها عن المكافأة التي يجب أن يحصل عليها غنابري بعد هذا الأداء الاستثنائي، قائلاً: «بدا أن المكافأة التي حصل عليها تتمثل في الانزلاق القوي نحوه من جانب زميله في الفريق نيكلاس سوليه، وهو الأمر الذي جعل غنابري يطير خارج الملعب أثناء احتفال اللاعبين بأحد الأهداف، ثم كانت النكسة التالية تتمثل في قيام خافي مارتينيز بتسديد كرة المباراة في المدرجات باتجاه جمهور بايرن ميونيخ. وفي الحقيقة، كل لاعب من هذين اللاعبين يستحق الحصول على البطاقة الصفراء بسبب ما فعله!».
مشاركة :