الانتخابات الإسرائيلية و«مستقبل الصراع الفلسطيني الصهيوني»

  • 10/5/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

استشرافا لمستقبل الصراع الفلسطيني والعربي من جهة والإسرائيلي من جهة أخرى، وإمكانية استئناف الحوار لتحقيق السلام من خلال معادلة إقامة الدولتين وخصوصا بعد نجاح حزب «أزرق أبيض» في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، يطرح «ناثان ستوك» -في تقرير صادر له عن معهد الشرق الأوسط- تحليلا لدوافع استمرار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والأسباب التي يراها سببا في إطالة أمد عدم قيام الدولة الفلسطينية، وأسباب نمو الاتجاه الصهيوني المتشدد في إسرائيل المعيق لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي. ومرد هذا الطرح التحليلي لدى «ستوك» يكمن في المعطيات التي أفرزتها الانتخابات الإسرائيلية والتفاؤل غير الدقيق المصاحب لها الذي ساور بعض المحللين بخصوص عملية السلام؛ فبعد نجاح حزب «أزرق أبيض» بزعامة «بيني غانتس»، الذي تفوق على حزب الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو بحصوله على 33 مقعدا مقابل 31، سارع بعض المحللين إلى وصف هذا الحدث بأنه لحظة تحول محتملة في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني؛ لأن التحالف الذي يرأسه حزب «أزرق أبيض» سوف يتجنب العديد من المبادرات الصهيونية المتشددة، وسيعمل على بدء عملية سلام بناءة مع السلطة الفلسطينية. هذا التفاؤل يراه «ستوك» مجرد تفكير بالتمني؛ لأن غانتس والكثيرين في حزبه هم مثل نتنياهو من الصهاينة المتعصبين الذين سوف يتبعون العديد من سياسات الاستبعاد ذاتها التي تتبعها الحكومة الحالية، كما أن كل من يتولى السلطة في إسرائيل في النهاية سيحافظ على الوضع القائم، والذي يرغب في ضم المزيد من الأراضي، ما سيجعل إقامة دولة فلسطينية مستقبلية مستحيلة. وتدعيما وتأكيدا لهذه الحقيقة قام «ستوك» بتحليل الاحتمالات الحالية لحل النزاع؛ فهو يرى أن ثمة عوامل تستمر في دفع الطرفين إلى مواصلة التصعيد والقتال، ومن غير المرجح أن تخف حدتها، كما أن الصراع سيأخذ مسارا مرتفعا في المستقبل القريب، وقد اعتمد في منهجية تناوله لهذا التقرير على المواد الأساسية والمصادر التي تم جمعها من المقابلات مع مجموعة من الإسرائيليين والفلسطينيين ذوي الأهمية السياسية والاجتماعية، ليقدم نظرة شاملة واسعة الإدراك للصراع، وإن كانت تفتقر إلى العديد من العناصر؛ لأنه يسلط الضوء على الصراع من منظور أمريكي غربي ضيق. يبحث التقرير في أسباب استمرار النزاع، ولعل اهتمام «ستوك» بهذه القضية ينبع من كونه متابعا لقضايا الشرق الأوسط ومشكلات المنطقة، إلا أنه تجاهل ما يجري من صراع على الأرض لا يزال يودي بحياة العديد من الجانبين، فهناك تدهور وتقويض للحقوق الإنسانية والوطنية للفلسطينيين كل يوم؛ إذ إن خطورة استمرار هذا النزاع تكمن في أنه يقلل من شأن خطورة الوضع على النحو الوارد في الإحصاءات الحديثة، فهو يقلل من أهمية حقيقة أن 2285 فلسطينيا قُتلوا، وجُرح 17125 شخصا خلال الحرب بين إسرائيل وحماس في عام 2014؛ علاوة على ذلك، فإن «ستوك» يتجاهل حقيقة أن 10 إسرائيليين و100 فلسطيني قد قتلوا هذا العام فقط بسبب الاضطرابات والهجمات التي ارتكبها كلا الجانبين في كل من الأراضي الإسرائيلية والفلسطينية، وهذا التجاهل لـ«ستوك» يجعله يقع ضحية أفكار وتصورات عفا عليها الزمن، وهذا التجاهل لتلك الإحصاءات يُبين حقيقة يدركها المستشرقون، هي أن قيمة حياة العرب الذين يعيشون في إسرائيل وفلسطين أقل من المصالح الجيوسياسية الأمريكية. يعتبر «ستوك» مسألة حل النزاع ذات أهمية كبرى؛ لأنها ستساعد في كبح جماح منظومة الإرهاب المحلي والدولي والعالمي، الذي يستند في عملياته ودوافعه على القضية الفلسطينية، وحل النزاع -في نظره- سيساعد الجهود الغربية والإقليمية على مواجهة الجماعات الجهادية العابرة للحدود، التي كانت منذ هجمات 11 سبتمبر مصدر قلق أمني رئيسيا للدول الأوروبية والأمريكية، فهذه الجماعات الجهادية تستمر في استغلال المعاناة الفلسطينية تحت الاحتلال الإسرائيلي كذريعة لشرعنة هجماتها ضد الغرب، ما يزيد محنة الفلسطينيين؛ لأنها بمثابة داعم للنشاط الإسرائيلي، وأداة تجنيد في تطرف الشباب المسلم في الغرب والشرق الأوسط، ومن هنا فإن التوصل إلى حل عادل للنزاع، يتألف من دولة فلسطينية مستقلة، سوف يلغي هذا القضية باعتبارها ذات أهمية رمزية تسهم في نمو الجماعات السلفية الجهادية. ويدلل «ستوك» على وجهة نظره بأن هذا النزاع قد حال على مدى سنوات دون تقارب مُثمر بين الحلفاء الغربيين الرئيسيين في المنطقة؛ وبين إسرائيل والخليج؛ حيث ظلت دول الخليج سنوات غير راغبة في إقامة أي علاقات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو أمنية مع إسرائيل تضامنا مع الفلسطينيين، كما أن هذا النزاع أعاق جهود الولايات المتحدة لبناء تحالف فعال ضد عدوهم المشترك إيران، ويفترض أن حل النزاع من شأنه أن يقضي على هذه العقبة، ويعزز بشكل متبادل التعاون مع هؤلاء الحلفاء من خلال ما سينشأ من تفاعلات اقتصادية ودبلوماسية. علاوة على ذلك، يرى «ستوك» أن السلام بين إسرائيل وفلسطين سيُحسب «نصرا» للمجتمع الدولي في الشرق الأوسط، لأن منظمات المجتمع الدولي ممثلة في الأمم المتحدة لها إخفاقات تاريخية في العراق وليبيا وسوريا وغير ذلك من النزاعات في المنطقة، وحل هذا النزاع من شأنه إضفاء الشرعية على استخدام العمل الدولي المنسق، الذي ترأسه الأمم المتحدة، كوسيلة لإرساء السلام وإعادة شرعية ومكانة المجتمع الدولي في المستقبل بقيادة الجهود الدولية لإحباط أي جهود أحادية من جانب بعض الدول، والتي غالبا ما تكون لتأمين أهداف ذات تأثير مُدمر. ورغم استمرار اشتعال النزاع وانتشار تأثيره في الشرق الأوسط وخارجه بحث «ستوك» في أسبابه وتقديمه لحلول له فإن احتمالات التوصل إلى حل تبقى قليلة وتتناقص باستمرار حسبما يراه «ستوك»؛ إذ يستعرض أسباب استمرار هذا النزاع من خلال تحليل العوامل المغذية له لدى كلا الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، ويعتبرها دوافع لا تعمل على رأب الصدع؛ منها: أن مُشاركة إسرائيل المستمرة في الصراع نابعة من فكر إيديولوجي، كما أنها تنبع من ثقافة سياسية مهيمنة متأصلة بعمق في قلوب وعقول شعبها، ومن ثم يصعُب تغييرها. ويستمر «ستوك» في رصد الأسباب التي تعوق حل الدولتين بتأكيد أنه لا يوجد استعداد من قبل الحكومة الإسرائيلية للقيام بذلك؛ فقد تحولت السياسة والمجتمع الإسرائيلي نحو اليمين بسرعة على مدى أكثر من عقدين، كما أن الأفكار الصهيونية تزداد توغلا داخل المجتمع؛ فأصغر اليهود الإسرائيليين يعتقد أن قيام دولة فلسطينية ذات سيادة إلى جانب إسرائيل أمر غير قابل للتنفيذ، ويرصد «ستوك» مجموعة من التشريعات والقوانين الإسرائيلية التي تعمل على تهويد الدولة وتحول دون حل النزاع؛ إذ ظهرت في السنوات الأخيرة سلسلة من التشريعات التي أقرتها حكومة نتنياهو، منها: «قانون التنظيم» لعام 2017، الذي يسمح لإسرائيل بمصادرة الأراضي الفلسطينية الخاصة التي بنيت عليها المستوطنات بأثر رجعي، كما أقر الكنيست في 2018 إصلاحات في القانون الأساسي؛ الذي كرّس اللغة العبرية كلغة رسمية، واعتبار اللغة العربية لغة رديفة وليست اللغة الرسمية، وأعلن أن إسرائيل دولة يهودية؛ ما يعني القضاء على صورة البلد كمنظومة ديمقراطية شاملة. ويشير «ستوك» إلى أن ازدياد تأثير الصهيونية المحافظة وعدم توافقها مع مطالب الفلسطينيين في إقامة دولتهم نظرًا إلى أن القوى الداعمة لهذا الاتجاه لا تزال تفرض نفسها بقوة داخل السياسة والمجتمع الإسرائيلي، ويدلل «ستوك» على معالم هذا الاتجاه الرافض لمبادرات السلام بزيادة نسبة التدين في إسرائيل خلال السنوات الأخيرة؛ وبخاصة في النمو السكاني للحريديم الأرثوذكس المتطرفين، وقد عبر جول كاليف رئيس رابطة الصداقة الأمريكية الإسرائيلية في افتتاحية مجلة (فورين بوليسي) عن هذه المسألة، فقال: «الحريديون الإسرائيليون مؤيديون لليمين بأغلبية ساحقة، وأحزاب الحريديم التي ينتخبونها تقدم باستمرار دعمها لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحزب الليكود... ويستعين الحريديون بالكتاب المقدس لتأكيد قدسية أرض إسرائيل»، ومن ثم أصبحوا معادين لحل دولة فلسطينية، ومع توقع ازدياد تمثيلهم بين السكان الإسرائيليين من 11% في عام 2015 إلى 27% بحلول عام 2030، فمن المرجح أن يزداد تأثيرهم على السياسة الإسرائيلية. ويسلط «ستوك» الضوء على سبب آخر لنمو الصهيونية المحافظة؛ هو نجاح الحكومات المتعاقبة في إثبات أن الفلسطينيين إرهابيين، نتيجة للاشتباكات الإسرائيلية الفلسطينية الواسعة النطاق التي اندلعت في فترة ما بعد أوسلو، واعتبارها دليلا على أن الفصائل الفلسطينية ستواصل ترويع إسرائيل بغض النظر عن وضع عملية السلام؛ إذ يعتمد المشرعون والحكومة على هذا النهج لحشد الأصوات من شعب يسيطر عليه الخوف، واللعب على نغمة انعدام الأمن، التي لها تأثير كبير داخل المجتمع اليهودي. ويبدو أن «ستوك» تجاهل نمو مستوى التشدد الديني وجنون العظمة والارتياب في خطابات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ودوره في إدامة الصراع، إلا أنه أكد أن سياساته قد أضرت باحتمالات إقامة دولة فلسطينية مستقلة؛ إذ «إن الرئيس ترامب في أول عامين من توليه الرئاسة قام بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وبسيادة إسرائيل على هضبة الجولان السورية، وهو ما زاد من تجرؤ شريحة من الإسرائيليين على ضم أجزاء من الضفة الغربية»، ويرى «ستوك» أن هذه التنازلات التي قدمها ترامب جعلت تل أبيب لا تسعى للسلام. ويلقي «ستوك» الضوء على سبب آخر من أسباب الصراع وعدم حل النزاع يتمثل في هذه الفوضى السياسية التي يعاني منها الفلسطينيون والمتمثلة في الانقسام وإدامة الصراع، فالانقسام الفلسطيني الممتد بين قادة فتح وحماس منذ 2006 يقف عائقا في مسألة حل النزاع؛ إذ فازت حماس بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني، وأشعلت نتائج الانتخابات حربًا أهلية للاستحواذ على السلطة، ومنذ ذلك الحين انقسم الفلسطينيون، وانعدمت القدرة لدى الفصيلين المتعارضين على تشكيل جبهة موحدة ضد إسرائيل، ولا أحد ينكر أهمية المصالحة بينهما في الداخل الفلسطيني. ويرى «ستوك» أنه مع تمتع كل من فتح وحماس بوضع أشبه بالحكم الذاتي داخل الضفة الغربية وقطاع غزة سيظل هناك مجال للتباعد والاختلاف من الناحية الآيديولوجية والسياسية؛ كما أن وجود حماس في غزة له تأثير آخر تمثل في فقدان تعاطف الكثير من الدول الغربية حيال المعاناة التي يذوق مرارتها الشعب الفلسطيني، ويؤكد ستوك هذا الأمر قائلاً: «يكمن جزء من التحدي في أنه على مدى العقد الماضي كان موقف الحكومات الغربية لا يزال معارضًا تمامًا لدعم أي قضية أو اتفاق يشارك فيه فصيل سياسي تعتبره جماعة إرهابية». وثمة عامل آخر يراه «ستوك» يضاف إلى مجموعة عوائق حل النزاع يكمن في عدم فعالية السلطة الفلسطينية برئاسة فتح، التي يعتبرها المجتمع الدولي وإسرائيل الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، فمنذ وفاة الرئيس السابق ياسر عرفات وصعود الرئيس محمود عباس في عام 2004 أصبحت السلطة الفلسطينية سلطوية بشكل متزايد، من خلال كسر شوكة المعارضة وتمرير التدابير القمعية، بدلاً من مقاومة الإسرائيليين. وإجمالا يبدو من خلال تقرير «ستوك» أن الوضع الراهن للصراع الإسرائيلي الفلسطيني سيستمر لنمو الأفكار الصهيونية المتشددة داخل إسرائيل مع ديمومة الإخفاق الفلسطيني في رأب الصدع بين فصائله، وهذا يضمن استمرار إسرائيل في حرمان الفلسطينيين من حقوقهم السياسية، وتعتبر طريقة دراسة وعرض المؤلف لهذه الحقائق وإن بدت قاتمة إلا أنها في الوقت ذاته دقيقة وشاملة، وتقدم للقارئ فهمًا جيدًا للصراع.

مشاركة :