أصبح تنظيم «الإخوان» المسلمين السري كياناً هشاً ومقسماً، وهو الذي زعم ذات يوم أنه الكيان الأكثر نفوذاً بين دول العالم دون أن تكون لديه دولة؛ إذ تمكن لفترة من تطوير شبكة دولية لجماعات إرهابية. وذكرت «فايننشال تايمز» البريطانية في تقرير لها، أن الدولة المصرية وجهت ضربات قاضية للتنظيم فاقمت تناقضاته وأزماته. فقد زجت السلطات في مصر بالآلاف من أعضاء التنظيم الإرهابي في السجون، وصادرت الشركات والأصول المرتبطة به، وتم القضاء على هياكله التنظيمية.وأشار التقرير إلى أن أول اختبار جدي لقوة التنظيم في الشارع أثبت فشله الذريع وفقدانه لأي تأثير. فبعد حملة شحن واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية الموالية ل«الإخوان» والتي تمولها دول تستخدمهم لتنفيذ أجنداتها السياسية مثل تركيا وقطر، لم تسفر الحملة عن إثارة الشعب المصري وماتت في مهدها من دون أي مردود.وأشار التقرير إلى أن جماعة «الإخوان» أدرجت كتنظيم إرهابي في مصر منذ عام 2013. وتتبنى الجماعة خطاباً مزدوجاً متناقضاً، فهي تدعي أنها تنبذ العنف علناً، ولكن تنظيمها المسلح وخلاياها السرية تشن هجمات ضد قوات الجيش والأمن المصرية.وأشار التقرير إلى أن جماعة «الإخوان» تمتاز بانتهازية لا تحسد عليها، وتجيد ركوب الموجة. فثورة 26 يناير 2011 لم تكن بينها صلة واضحة مع تنظيم «الإخوان»؛ بل كانت الثورة موجة غضب عفوية وشعبية من مظالم اقتصادية وسياسية، ثم ركبت الجماعة الموجة واستخدمت أسلوب الحشد الديني والعاطفي ليصل مرشحها إلى رئاسة الجمهورية بفارق أصوات قليل. بيد أن الجماعة فشلت فشلاً ذريعاً في إدارة الحكم وسياسة الدولة ما أدى إلى اندلاع ثورة 30 يونيو/حزيران التي أطاحت النظام الذي حاول التنظيم التأسيس له.وقد حاول التنظيم المهيض الجناح استنساخ تجربتي السودان والجزائر في الثورة، فشن سلسلة من الهجمات الممنهجة عبر وسائل التواصل الاجتماعي بمزاعم فساد من خلال الإشارة إلى عدد من المشروعات والمنشآت التي نشرها مقاول بناء وممثل مغمور يدعى محمد علي. وسعت القنوات التلفزيونية التابعة ل«الإخوان» في تركيا وحسابات وسائل التواصل الاجتماعي إلى محاولة انتهاز الفرصة وتأجيج الأوضاع في مصر مؤخراً. وبحسب آراء المحللين والخبراء، فإن تأثير تنظيم «الإخوان» كان محدوداً للغاية.ونقلت الصحيفة البريطانية عن «الإخواني» وضاح خنفر، مؤسس مركز أبحاث منتدى الشرق، أن هناك جدلاً حول ما إذا كان ينبغي على الحركات الإسلامية أن تتبنى «نهجاً يركز على القيم» على غرار الديمقراطية المسيحية في أوروبا، بدلاً من النهج الديني،واشار الى ان «هناك ملايين الأسئلة، ولكن لا توجد إجابات حول نظرية الإسلام السياسي نفسه.وفيما يعد اعترافاً بفشل تجربة «الإخوان» وحالة اليأس بين كوادرها الشبابية، يقول خنفر إن المناقشات المماثلة حول مستقبل الإسلام السياسي «تحدث في كل مكان. إن الأعضاء في كل حركة إسلامية يجلسون معاً ويتم طرح مثل هذا النوع من الأسئلة بين الشباب بشكل قوي».ومع وجود معظم قياداته في السجن، يعتمد تنظيم «الإخوان» حالياً على قيادات قديمة في المنفى، من بينهم إبراهيم منير نائب المرشد ،المقيم في ضاحية شمال غربي لندن، ومحمود حسين الأمين العام للتنظيم الإرهابي، الذي لاذ بالفرار إلى إسطنبول. وفي حديث له قبل الدعوة الأخيرة لتحريك الشارع المصري، أصر منير على أن تنظيم «الإخوان» لا يزال هو الوحيد الذي يمتلك «القوة اللازمة للوقوف والمشاركة في النشاط السياسي» في مصر. ولكن، وعلى حد قول «فايننشال تايمز»، فإن الشيخ الثمانيني الذي يعيش في بريطانيا منذ عام 1979، يعترف بأن التركيز الرئيسي ل«الإخوان» الآن هو مجرد «إبقاء الفكرة حية». بلا رؤية ولا استراتيجية ونقلت الصحيفة عن فيكتور ويلي، باحث أكاديمي من المقرر أن ينشر في العام القادم كتابه «المحنة الرابعة.. تاريخ مجتمع الإخوان في مصر»، أن القيادة المنفية ل«الإخوان» ليست لديها سيطرة تذكر على أعضاء التنظيم في الداخل بمصر. ويتابع: «ما لمسته هو أن التنظيم يعاني اضطراباً شديداً، ويفتقر بشدة إلى أنشطة منظمة أو تسلسل قيادة حقيقي. إن هناك نقصاً في التنظيم، وانعداماً للرؤية والاستراتيجية في ظل غياب أي أجندة سياسية حقيقية». انتقادات الشباب لقيادات التنظيم وفي إسطنبول، حيث يعيش الآن مئات من أنصار «الإخوان» وأعضاء ومسؤولون سابقون في حكومة مرسي في المنفى، تتعالى أصوات ناقدة قيادات التنظيم متهمة إياهم بأنهم عقائديون غير راغبين في التعلم من الأخطاء السابقة. ويقول يحيى حامد، وزير استثمار سابق من فترة رئاسة مرسي، إنه «أحياناً يحاول البعض تزييف الحقائق بادعاء أن جماعة «الإخوان» قوية للغاية ولا تزال قادرة على تحقيق أهدافها». ويعارض حامد هذه الادعاءات المزيفة قائلاً: «لا بد أن تكونوا واقعيين مع أنفسكم. لقد تم إضعاف قوتنا». ويقترح حامد أن يستفيد تنظيم «الإخوان» من تجربة النهضة في تونس، التي قامت بتقديم تنازلات وأدخلت تغييرات على منهجها من أجل الاندماج بشكل طبيعي في الحياة السياسية في تونس. تناقض الأقوال سمة غالبة فيما يقول عمرو دراج، مسؤول سابق أيضاً في حكومة مرسي، إنه «قطع علاقته بجماعة «الإخوان» كمنظمة» بسبب طريقة إدارتها. وبينما يرى البعض أن دراج أصبح من أبرز النقاد لتنظيم «الإخوان» في إسطنبول، إلا أن الرجل نفسه، وفي تناقض غريب، يضيف قائلاً: «إنه بدلاً من انتظار التغيير، يجب أن يكون «الإخوان» أكثر نشاطاً في التحضير» للاستعداد «للانتفاضة القادمة»، مشيراً إلى أن «عدم استعدادهم (الإخوان) في عام 2011 كان «خطأ كبيراً».
مشاركة :