خلال انعقاد إحدى ورش الرسم بمكتبة الإسكندرية، تصادف مرور الشاب محمد عبدالحميد، الملقب بـ«مادو» من أمام قاعة الفنون، فوقف يدقق النظر بما يجرى داخلها، إذ رأى فنانين يأخذون أماكنهم على طاولات الرسم المنتشرة بالقاعة، يجلس كل منهم على كرسى خشبى طويل، يحمل بين أصابعه أقلامًا مختلفة الألوان. كان «مادو» وقتها فى عمر 16 عاما، ومن شدة اندماجه مع ما يحدث داخل القاعة لاحظ أحد الفنانين نظراته، فصاح فيه «ادخل اقعد معانا بدل ما أنت واقف عندك»، ليبدأ من هنا طريقا جديدا فى حياته اكتشف معه أنه وجد أخيرا ضالته التى ستفجر موهبته. لم يترك «مادو» ورشة لتعليم الرسم إلا وانضم لها بحثًا عن تعلم شىء جديد، مشيرا إلى أنه «بمجرد ما تكتشف موهبتك لازم تنميها وتحارب عشان توصل رسالتك للدنيا». يؤكد «مادو» فى حديثه لـ«المصرى لايت» أنه يجنى الآن ثمار مثابرته فى احتراف الرسم، فلم يعد يستعصى عليه أى من أنواعه، البورتريهات، التصوير الزيتى، وتصميم الجداريات باختلاف مساحاتها، ورغم أن مجموعه فى الثانوية العامة لم يؤهله لدخول كلية الفنون الجميلة، إلا أنه لم يتخل عن موهبته. التحق الشاب السكندرى بكلية التجارة، جامعة الإسكندرية، واستمر من هناك فى تقديم موهبته للجميع، واشترك فى عدد من الورش الفنية والمسابقات، وحصل على العديد من الجوائز التشجيعية والتقديرية عن بعض أعماله، إلا أن التكريم الأقرب لقلبه يتمثل فى احتفاء مكتبة الإسكندرية به كأفضل فنان بمسابقة العلوم والفنون عام 2013، وتعليق إحدى لوحاته فى البهو الرئيسى للمكتبة، قائلا: «كنت فخور جدًا إنى ما استسلمتش للأمر الواقع اللى التنسيق فرضه عليا». شارك «مادو» بأعماله فى العديد من المعارض الفنية، إلا أن معظم التعليقات على لوحاته كانت تدور حول قرب رسوماته للفن الرومانى القديم، وهو الأمر الذى جعله يستشير العديد من القريبين منه الذين شددوا على صحة ما تلقى من تعليقات، ليقرر عقب ذلك أخذ خطوة بتحويل مسار دراسته إلى الأدب اليونانى بعد أن أمضى ثلاث سنوات بكلية التجارة، ويعقب «مادو»: «دراسة الحضارة اليونانية ساعدتنى جدًا وفهّمتنى المعنى الفلسفى للفن». تعرف «مادو» على الحضارة اليونانية بشكل أكبر بعدما تخصص بدراسة أدبها أكاديميًا، بالإضافة لخوضه تحديا آخر يخدم شغفه بالفن، حيث بدأ تعلم فن النحت ليمارسه بالتزامن مع الرسم، ولم يحتج الفنان السكندرى لأكثر من عام لكى يخرج عمله الأول للنور، وعلى الرغم من حداثة عهده بالنحت، إلا أن أعماله الفنية التى نفذها بعد ذلك أهلته للمشاركة فى تصميم النصب التذكارى للقوى العاملة الموجودة بمحطة الرمل فى الإسكندرية، مشيرا إلى أن «الدكتور أحمد بركات، الأستاذ بكلية الفنون الجميلة، هو من رشحنى للعمل معه لثقته فى موهبتى»، على حد قوله. صمم «مادو» أيضا العديد من الجداريات فى بعض القرى السياحية، كما شارك فى تصميم ديكورات العديد من الأعمال المسرحية التى تنظم فى مختلف مسارح الإسكندرية، لتحظى أعماله بردود أفعال إيجابية سواء من جانب رواد تلك الأماكن أو المتابعين لصفحاته عبر مواقع التواصل الاجتماعى، ورغم ذلك لا يفضل أن يكتفى بتحقيق شهرة عبر «السوشيال ميديا». وأكد فى حديثه لـ«المصرى لايت» أن «أى حد بيقدم شغل أى كلام بيعمل صفحة على مواقع التواصل، وبيجيب آلاف المعجبين على الرغم من ضعف ما يقدمه فنيا»، على حد تعبيره الذى يبرر به موقفه، مشيرا إلى أن «الفنان الحقيقى من المستحيل أن يرتضى بما يحصل عليه من إشادات على مواقع التواصل الاجتماعى فقط، بينما الإشادة الحقيقية التى أبحث عنها من المتخصصين وأصحاب الرؤية الفنية». فى نفس الوقت، يتمنى «مادو» خلال الفترة القادمة أن تمنحه الظروف فرصة تولى تصميم تمثال فى أحد الميادين أو الأماكن العامة بمفرده دون أن يتشارك فيه مع مجموعة، قائلا: «أنا صحيح شاركت ضمن فرق عملت حاجات فى ميادين عامة لكن نفسى يبقى ليا عمل فنى خاص بيا»، ويضيف: «لو قالولى هتشتغل؟ هوافق لأنه فخر لأى فنان»، إذ يشدد على أن رسالة الفن الحقيقى تكمن فى التأكيد على قيمة ما، أو تصحيح أخرى بمنظور ومفهوم جديد، بغض النظر عن الماديات.
مشاركة :