لم تكد الأضواء تنير صالة السينما في معهد الفيلم الايرلندي معلنة اختتام عرض الفيلم الفلسطيني «التقارير حول سارة وسليم» للمخرج مؤيد عليان، حتى عمت الصالة موجة تصفيق حارة، بدت أشبه بتحية، وتهنئة لإدارة مهرجان دبلن للفيلم العربي، على اختياراته من السينما العربية، وسرعان ما لعبت قصة الفيلم وأحداثه دور البطولة، بين عموم ضيوف النسخة السادسة من المهرجان الذين أثنوا على العمل، وفكرته، ليذهب البعض إلى أبعد من ذلك، عبر مناقشاتهم حول المجتمع الفلسطيني وإرهاصات الاحتلال وتأثيره على الأرض. موجة التصفيق تلك، لم تكن أقل حدة في وقعها من مشهد سجادة المهرجان الحمراء التي مدت أمام عدد من سفراء وقناصل الدول العربية، ونجوم المهرجان وضيوفه الذين حطوا رحالهم في معهد الفيلم الايرلندي، والذي خلع أول من أمس، عن نفسه حلة الهدوء التي اعتاد ارتداءها في أيامه العادية. كثر هم الذين ساروا، أول من أمس، على سجادة المهرجان الحمراء، والذين مثلوا أطياف المجتمع الأيرلندي، والمقيمين العرب في دبلن، إلى جانب سفراء الإمارات والمغرب، وشنيد آل سيبي نائب الرئيس التنفيذي الأول لقسم التسويق في سوق دبي الحرة، وروس كين، مدير معهد الفيلم الإيرلندي الذين كان في استقبالهم المخرج الإيرلندي المرشح لجائزة الأوسكار، جيم شيريدان، رئيس المهرجان، والمخرجة المغربية زهرة مفيد، مديرة المهرجان، في وقت احتفت إدارة المهرجان الذي يقام تحت رعاية سوق دبي الحرة، بالممثل الايرلندي ليام كونينغهام، والمنتجة المغربية خديجة العلمي، وثلة من صناع السينما الإيرلندية. طبيعة رئيس المهرجان، المخرج الايرلندي جيم شيريدان، أكد في حديثه لـ «البيان» على أهمية احتضان دبلن لمهرجان للفيلم العربي. وقال: «فكرة وجود مهرجان يحتفل بالأفلام العربية في دبلن جميلة، وذلك لقدرتها على منحنا نظرة عميقة على الثقافات العربية، وأن نلمس اختلافاتها وتفاعلها، خاصة وأنه لا يوجد هناك الكثير من العروض الخاصة بالسينما العربية في دبلن، ولذلك تظل حاجتنا عالية لهذا النوع من الأفلام التي تقدم لنا قصصاً واقعية، وتعكس لنا طبيعة المجتمعات القادمة منها»، مشيراً إلى أن وجود مثل هذا المهرجان، يساهم في تعميق العلاقة بين ايرلندا والبلدان العربية. وقال: «أعتقد أنه لم يكن لنا أن نمضي بالمهرجان إلى الأمام من دون دعم سوق دبي الحرة، وكذلك سفراء وقناصل الدول العربية، وهو ما يمكن أن يقوي جسور الثقافة بين بلداننا». وأضاف: «لقد حظينا خلال دورات المهرجان الماضية، بعدد من النجوم العرب، على رأسهم الراحل عمر الشريف، والذي دشن معنا نسخة المهرجان الأولى، وهو ما يؤكد على أهمية وجود هذا المهرجان». حكاية شائكة حكاية شائكة أطل بها المخرج مؤيد عليان في فيلمه الثاني «التقارير حول سارة وسليم»، جمع فيها بين خيوط الخيانة والسرقة وأشياء أخرى، في وقت لم تغب فيه صورة الاحتلال الإسرائيلي عن المشهد العام للفيلم، الذي يحكي قصة سليم الفلسطيني، العامل في توصيل المخبوزات إلى المقاهي والمحال التجارية، ويقيم علاقة مع «سارة» اليهودية، صاحبة مقهى يتخذ من القدس مقراً له، لتبدو هذه العلاقة خيانة لعلاقة سليم مع زوجته بيسان، الحامل بطفلهما الأول، لتبدأ خيوط الحكاية بالتشابك، بعد أن تقرر «سارة» أن تمضي مع «سليم» في نزهة قصيرة تزور فيها مدينة بيت لحم، من اجل إيصال بعض الطلبات إلى أصحابها. زيارة تلك الزيارة التي بدت عادية بالنسبة لسليم وسارة، لم تكن عادية بالنسبة للأجهزة الأمنية الفلسطينية، والتي يبادر ضباطها إلى فتح ملفاتهم، وتسجيل قضية أبطالها سليم وسارة، ليشار في المحاضر إلى أن سليم يحاول تجنيد سارة للعمل مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وذلك من أجل إخراج سليم من «ورطة» وقع فيها نتيجة شجاره مع أحد رواد المقاهي في بيت لحم، ولكن هذه المحاضر، سرعان ما تشكل «وجبة دسمة» للأجهزة الأمنية الإسرائيلية التي تسطو على المكان، وتصادر كل مافيه، لتأخذ الحكاية بعداً أمنياً آخر، يعكس طبيعة العلاقة الشائكة بين الفلسطيني والاحتلال، لا سيما وأن زوج ساره، يعمل ضابطاً في إحدى الوحدات الخاصة والتي تتولى عملية السطو على الملفات الفلسطينية. تأثير فيلم «التقارير حول سارة وسليم»، وهو التجربة الثانية لمؤيد عليان بعد فيلمه الأول «حب وسرقة ومشاكل أخرى» (2015)، لم يكن أقل وقعاً مقارنة مع فيلم «عمر» للمخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد، فقد بدت قصته ملتهبة، ومشدودة الحبكة، التي كلما وصلت إلى نقطة الذروة حتى يعيد المخرج تشكيلها مرة أخرى، مستنداً في ذلك على طبيعة «العلاقة العضوية» بين شخصيات الفيلم، والتي حظيت كل واحدة منها بمساحة جيدة، وكانت قادرة على إثارة التعاطف معها، فيما يبدو أن مؤيد استطاع أن يحدث توازناً بين عموم الشخصيات والحكاية التي تقدم الفلسطيني والاحتلال الإسرائيلي بكامل صورتهما، من دون أي رتوش.طباعةEmailفيسبوكتويترلينكدينPin InterestWhats App
مشاركة :