تعيش بعض بلدان المنطقة العربية تحت نوع من التواطؤ الإيراني التركي الإخواني، حيث يلعب الأخير دور حصان طروادة لتمرير المشروعات الإقليمية بحجة واهية تقوم في أساسها على فكر الإخوان المنحرف، بالتوازي مع مشروع الدولة العثمانية الجديد والذي روج له الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وفكرة تصدير الثورة الإيرانية التي جاء بها الخميني منذ وصول الملالي إلى سدة الحكم 1979، وبين المشروعين تبدو أدواراً وظيفية لبعض الدول تقوم بمهمة السوق السوداء عبر دبلوماسية الشيكات لتمرير هذا المشروع. وفي هذا السياق أكد الخبير الاستراتيجي أستاذ القانون الدولي ورئيس التيار العربي السوري المعارض د. محمد خالد الشاكر لـ "الرياض" أن الغاية في نهاية المطاف ضرب كل مشروع عربي، والنيل من حملة رسالة الإسلام، في الوقت الذي تعمل فيه القوى الإقليمية سواء تركيا وإيران على تمتين بيتها الداخلي والدفاع عن قوميتها وأمنها القومي وتقويته من خلال تحويل المنطقة العربية إلى ساحة لنشر الفوضى ومنطقة لتقاسم النفوذ، كسيرورة تاريخية لاقتسام المنطقة منذ الصراع العثماني، ولهذا ليس غريباً أن يجري استهداف المحور العربي بدءاً من المملكة العربية السعودية، وذلك باستثمار أي ملف من شأنه يعيد حالة الصراع والاختلاف فيها، والإبقاء على العربي في حالة من اليأس والشلل والانفصال عن تاريخه، وزرع الوهن في العقل الجمعي العربي، كمحاولة لنسيان معنى التاريخ وخلق حالة من القطيعة مع مكوننا الثقافي، ومنذ اختيار الخالق عز وجل للعرب كحملة للدين الإسلامي، فحملت مكة ودمشق وبغداد والقاهرة راية الإسلام انطلاقاً من اختيار الخالق عز وجل لهذه الأمة كحافظة ومدافعة عن دينها الحنيف. وأضاف الشاكر، هذه الحقيقة التي ما زالت تعمل ضدها كل من تركيا وإيران عبر دعم جميع أشكال وتفريخات حركات الإسلام السياسي، والتي أصبحت أكبر خطر يواجه الإسلام نفسه، فمحاولتها ضرب فكرة الوطنية والعروبة، إنما تعني الخروج عن الاختيار الإلهي لحمل الرسالة، والتي تشكل أساساً لوجودنا عبر جناحي العروبة والإسلام كاختيار رباني لا بشري، وبعد كل هذا الدمار الذي كان وراءه ثالوث الشر الإيراني التركي الإخواني، ما زالت أدواتهم القديمة الجديدة تحاول النيل من أية حادثة، حتى ولو أصبحت في الماضي، ولعل آخر محاولات هذه القوى ابتداع ما يسمى بــ "الذكرى السنوية لمصرع خاشقجي" في تسيس يائس لملف القضية مرة أخرى، بعد أن تناسى العالم هذه القضية التي تثبت بالدليل القاطع وحسب فقه القانون الدولي والأعراف الدبلوماسية بأنها مجرد جريمة جنائية محضة ارتكبت على أرض سعودية "القنصلية السعودية في تركيا"، والعودة من جديد للتشكيك بنزاهة القضاء السعودي، لا سيما بعد الحديث الشفاف لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع للقناة الأميركية قبل أيام، الذي قطع من خلاله الطريق على كل هذه المحاولات، بقوله إنه "المسؤول عن الحادثة كقائد"، وبالتالي تأكيده على حسم ملف القضية ومحاسبة المتورطين. وقال الشاكر: "إذا كانت بعض الأسماء المحسوبة على تركيا والإخوان وإيران قد انبرت مؤخراً لاستغلال القضية وتسيسها أمام الرأي العام للنيل من موقع المملكة، وبالأخص استغلال اسم الحاصلة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان، التي أصبحت اسماً يُختزل بالولاء للثلاثي تركيا إيران الإخوان، وإذا كانت المرتزقة توكل كرمان تتحضر الآن للقيام بالكثير من الوقفات أمام سفارات المملكة في العالم، فيحق لنا القول إنّ الإنسانية وحقوق الإنسان لا تتجزأ، وإذا تجزأت فهي محض انتهاك وتسيس، وفي معرض ذلك تثور الكثير من الأسئلة ومنها: لماذا لا تنادي الحاصلة على جائزة نوبل بمحاسبة إيران التي انقلبت على الشرعية في اليمن، ولماذا لا تنادي بمحاسبة استغلال ميليشيا الحوثي الانقلابية المدعومة من إيران للأطفال في الحروب، ولماذا لا تثير قضية ضد أردوغان الذي فتح الحدود لمئات الآلاف من الإرهابيين القادمين من كل أصقاع المعمورة، ويشكلون أقوى الأوراق التي يفاوض بها أردوغان أمام العالم، بل ويهددهم بتدمير إدلب وفتح الطريق لأكثر من ثلاثة ملايين سوري كلاجئين إلى أوروبا، ولماذا لا تثير توكل كرمان قضية العشرة آلاف إرهابي الذين أدخلهم أردوغان إلى مدينة حلب وسرقوها وباعوا معاملها في تركيا، ولماذا لا تقيم وقفات احتجاجية أمام السفارات الإيرانية في العالم لإدانة المجازر التي ارتكبتها الميليشيات الإيرانية بحق الشعب السوري، وعمليات التطهير والقتل للهوية العراقية، واعتقال أكثر من 4000 عالم وأستاذ جامعي عراقي في ربيع 2006 من قبل قوات الموت الإيرانية، بينما تختصر إنسانيتها على تثوير الرأي العام في قضية شخص "خاشقجي" التي أصبحت وباعتراف العالم أنها مجرد قضية جنائية سعودية ومن اختصاص القضاء السعودي وبإشراف القيادة السعودية. مبيناً أن الحقيقة التي يجب أن تقال إن الموضوع تعدى مسألة جريمة جنائية، ليتحول إلى حملة إعلامية غايتها تسييس هذه القضية في إطار عملية ممنهجة تحاك من تركيا وإيران والإخوان ضد كل ما هو عربي بدءاً بالمملكة العربية السعودية، وغايتها العمل على ديدن إعادة الفوضى داخل بيت كل عربي، وشُلّ تفكير الإنسان العربي وقدراته، وذلك من خلال صناعة الإقلاق وتفكيك الدولة العربية الوطنية، وضرب معنى التاريخ في الضمير العربي منذ انطلاق راية الإسلام من مكة إلى بغداد ودمشق والقاهرة فالعالم، وهو الإسلام الحنيف الذي قام على فكرة الدعوة بالتسامح والسلام والحرية إلى كل الأقطار التي دخلها الإسلام، وليس بنشر الفوضى والدمار والتشرد كثالوث تركي إيراني إخواني. واختتم الخبير الاستراتيجي أستاذ القانون الدولي ورئيس التيار العربي السوري المعارض د. محمد خالد الشاكر حديثه لـ "الرياض" بالقول: "التاريخ ليس مجرد واقعة، ولكنه حدس ومعنى فهو يعيد نفسه اليوم، فما أحدثه الأتراك من استغلال للإسلام كوسيلة للنفوذ والسيطرة والقهر الذي فرض على البلاد العربية، وفرض العزلة الثقافية على العرب بسبب عدم اتصالهم بالعالم الخارجي لما يزيد على أربعة قرون، هو ذاته الذي يحاول أردوغان استنساخه عبر الإسلام السياسي، في شهوة توسعية ظهرت جلية في أهدافه وتطلّعه لزعامة العالم الإسلامي في المنطقة دون غيرها، وشعوره بأن نفوذه لن يتمّ إلا بالسيطرة على العرب والإطاحة بدولهم ليكون هو خليفتهم، في غاية مرادها الدفاع عن مصالح الأمن القومي التركي ليس إلا، وعلى حساب الأمن القومي العربي واستقراره، سبيله في ذلك حالة الفوضى التي تعيشها دول الانتفاضات العربية، التي اشتغل فيها على ركوب موجة جميع حركات الإسلام السياسي التي تأسست تاريخياً على فكرة " العدو القريب" " أي تكفير المجتمع الذي توجد فيه"، وهي الفكرة التي تعود في جذورها لأفكار سيد قطب، والتي تحولت منذ وصول الخميني إلى السلطة في إيران، إلى نموذج زاد من وهج حركات الإسلام السياسي وقدرتها في الإرهاب المستمر لتأسيس دولة الخلافة، كقناعات دافع عنها الخميني بشدة، حين اعتبر أن ثورته ثورة عالمية في مواجهة الأنظمة في الدول العربية، فتلاقت أفكار الخميني في الخلافة والجهاد المستمر مع حركات الإسلام السياسي، التي طرحت فكرة الحاكمية ذاتها، وفي استنساخ جديد لفكرة " الولي الفقيه"، التي تأسست عليها الثورة الإيرانية، والتي باركها الإخوان، بالمقابل أطلقت إيران على أكبر شوارعها في طهران أسماء لقيادات الإخوانية كشارع سيد قطب، وشارع خالد اسلامبولي، وترويج الخميني لصناعة الفوضى في الدول العربية من خلال شعاره الشهير "الطريق إلى القدس يمر من بغداد"، وهذه الفكرة ذاتها استقاها أيمن الظواهري أبان قيادته لتنظيم الجهاد المصري، في مقالة له عنوانها "الطريق إلى القدس تمر من القاهرة"، في محاكاة لفكرة تصدير الثورة التي أطلقها الخميني بالتأسيس لصناعة الفوضى والعنف في الدول العربي، على الرغم من سقوط المشروع التركي الإيراني الإخواني في مصر وتونس وملامح سقوطه في اليمن والعراق، يبدو أن ثلاثي الفوضى والدمار بدأ يتراجع في تحقيق هدفه الاستراتيجي القائم على توظيف التقارب بين جماعة الإخوان وكل من تركيا وإيران لتهديد استقرار دول الخليج العربي بدءاً من المملكة، دون أن يتخلى عن محاولاته اليائسة عن طريق توظيف أسماء تواليها ودعمها لوجستياً ورصد المبالغ المالية الضخمة لها، دون أن تكون منتسبة إليها، بالاستفادة من مواقعها سواء أكاديمياً أو إعلامياً، وهو ما يظهر بشكل جلي بظاهرة ما يعرف بـ "المتعاطفين مع الإخوان" كأجيال جديدة من الإخوان، الذين ما زالوا في خندق واحد مع حلفائهم في تركيا وإيران". د. محمد خالد الشاكر
مشاركة :