مرجعية النجف ليست طرفا محايدا، حان وقت الإصلاح لم يكن الحدث كسابقاته، من التظاهرات والاحتجاجات التي تشدها عادة ساحة التّحرير وسط بغداد، تلك الساحة المُزينة بنصب الحرية منذ سنة 1961، وهو العام الذي توفي فيه نحاته جواد سليم. كانت هذه الساحة تحتفي بالتظاهرات التي تُقيمها الدَّولة. ومنذ 2003 تحولت إلى مكان لاحتجاجات المعارضة الشعبية.كانت أشدها احتجاجات 2011، والتي اغتيل إثرها أبرز المتظاهرين هادي المهدي. وكانت آخر مكالمة تلقاها المهدي مِن أحد أصهار نوري المالكي، لكن احتُفظ بالتليفون من قِبل الجهات المختصة ولم يظهر للتحقيق نتيجة. حينها ظهر على شاشة تلفزيون البغدادية والإصابات والأورام بائنة على وجهه نتيجة التعذيب عند اعتقاله. وقال بالحرف الواحد: أنا أُقلد المرجع آية الله السيستاني وأريده أن يتدخل وينصفني، لكنه اغتيل بعد فترة قصيرة جدا.هذه المناجاة من قبل المتظاهر المذكور، وكان سابقا في المعارضة قريبا إلى الإسلاميين، من أن المرجعيَّة تملك كل شيء، من التبة العباسية والعتبة الحسينية، وهي بمثابة العتبة الرَّضوية التي يشرف على أموالها الولي الفقيه علي خامنئي، وهي تمسك بزمام البلاد اقتصاديا بينما يمسك بزمام البلاد أمنيا الحرس الثوري. لم تظهر المرجعية حينها استنكارا لهذا الاغتيال، وللاعتقالات التي طالت الشباب المتظاهرين.يصعب اعتبار المرجعيَّة الدينية طرفا محايدا بين مطالب الناس وحاجاتهم والسلطة، التي كانت سببا لترسيخها على أساس المحاصصة الطَّائفية، عندما دعمت بقوة (2005) القائمة الشيعية، والتي أفرزت الانتخابات حينها عن محاصصة، ما زالت البلاد تتحمل المساوئ بسببها، وتنحدر عاما بعد عام في مجالات الحياة كافة.عجلت المرجعية الدينية بالانتخابات، خشية البقاء لفترة انتقالية سيفرق الجمهور الطائفي. ولم تظهر حكومة شيعية موالية لها. وعجّلت بكتابة الدستور والاستفتاء عليه، وهو الآن المشكل الأكبر. ومنذ ذلك التاريخ صار للمرجعية الدينية بالنجف خطيبان: خطيب العتبة العباسية أحمد الصَّافي، وخطيب العتبة الحسينية عبدالمهدي الكربلائي. يبثان ما تفكر فيه المرجعية الدينية. وعندما نقول المرجعية الدينية المقصود أولا نجل المرجع محمد رضا السيستاني، قبل أبيه، فهو لسان حال الأب ومدير مكتبه، والمصدر لتوجيهاته. أما وكلاء المرجع الكبار فهم أصهاره بقمّ ولندن.منذ بدأت المرجعية الدينية تبث آراءها عبر الخطيبين المذكورين، وحتى آخر خطاب، ليس فيها غير النصائح والتطمين، وكأنها تريد تبرير وجودها لمُقلديها مِن العراقيين، بينما تريد اطمئنان إيران على مصالحها بالعراق، فهي عندما وجهت بفتوى الجهاد الكفائي (2014) كانت نتيجته عسكرة البلاد، وتأسيس الحشد الشعبي. لكنها لا تريد الإعلان عن اعتراضها على هذا الحشد، الذي لم يتأسس بالفتوى المذكورة. بينما هي تدعي أن الفتوى كانت واضحة وتقصد الانخراط تطوعا في القوات المسلحة، وأن لا تُشكل قوات خارجها. لكن كان بالإمكان للمرجعية أن تكون واضحة وتفتي بإلغاء ما تأسس خارج منطوق فتواها، فما الذي عطلها عن ذلك، غير الرضا بما حصل.شيدت المرجعية الدينية إدارة اقتصادية عبر العتبتين، الحُسينية والعباسية. ولما كشفت قناة “الحرة” عن الفساد في العتبتين، واستغلال التعيين والدولة، والمنافع الاقتصادية، والثروة التي جناها وكلاؤها، ثارت ثورتها، وادعت كذب ذلك التقرير، أما السلطة ممثلة في الإعلام فاتخذت موقفا ضد تلك القناة وعطلتها عن العمل في بغداد، وطالبتها بالاعتذار، لأن التقرير مس المال المقدس، الذي تتلاعب به إدارة العتبتين، كدولة داخل دولة. لهذا سقوط هذا النظام وكشف فساد الحيتان الكبيرة سيمسان المرجعية، وإدارة العتبتين أولا، وثانيا لربما جاء نظام يحرمها من الهيمنة على الدَّولة، ولا تستشار ويؤخذ برأيها في الصغيرة والكبيرة.على الرغم من الكارثة، وتزايد عدد القتلى حتى وصل إلى المئة في آخر الأخبار، والمئات من المعتقلين، والمطاردين، ترى خطبة المرجعية في يوم الجمعة الرابع من أكتوبر، والتظاهرات مستمرة، تتحدث عن العنف والعنف المضاد، أي عنف القوات الأمنية، وقالت “الاعتداءات مرفوضة على المتظاهرين وعلى القوات الأمنية”، دون أن تتحقق من أيهما بدأ العنف، ومَن المعتدي ومن المدافع عن نفسه.
مشاركة :