تطوير مفهوم إدارة الأزمات والكوارث ضرورة استراتيجية تفرضها المستجدات الراهنة

  • 10/7/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

كثيرة هي الدراسات التي تناولت مفهوم الأزمات والكوارث والتي اتفق معظمها على أن الاختلاف الأساسي بين المفهومين يكمن في كون الأزمة على اختلاف مستوياتها وتقسيماتها وهي عديدة للغاية يكون لها مقدمات أو بالأحرى مؤشرات بينما تكون الكارثة بلا مقدمات وهي عديدة مثل الفيضانات والزلازل والتسربات الإشعاعية وغيرها، ومع أهمية تلك الدراسات والتي كانت بمثابة تراكما علميا مهما فإن ما يعنينا ليس تلك التقسيمات بحد ذاتها وإنما كيفية إدارة الأزمات والكوارث من خلال مؤسسات تم إنشاؤها لهذا الغرض والتي أسست على أساليب ومناهج علمية، فعلم الأزمات ليس جديدا بل يضرب بجذوره في التاريخ، والذي انتقل من مجال إلى آخر مع تطور البشرية، فالأزمة في بداية الاهتمام بها كانت ضمن مجال الطب ثم انتقلت إلى مجال الاقتصاد ثم إلى المجالات الاستراتيجية والعسكرية وخاصة منذ الأزمة الأشهر في العالم وهي أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962 التي وضعت العالم على شفا مواجهة نووية. دول الخليج ربما لا تصنف كدول يمكن أن تواجه كوارث طبيعية باستثناء إمكانية حدوث تسربات إشعاعية من المفاعلات النووية الإيرانية والتي تقع ضمن منطقة زلازل حتمية، إلا أن حالة الاضطراب الإقليمي الراهنة تجعل من اهتمام دول الخليج بمسألة إدارة الأزمات أمرا استراتيجيا، صحيح أنه ليس بمقدور أي دولة أن تحول دون وقوع أزمة إقليمية حتى لو كان لها مقدمات إلا أن وجود خطط شاملة للتعامل مع تلك الأزمات من شأنه الحد من تداعياتها في ظل تعريف الأزمة وهي أنها «موقف مفاجئ يحتاج إلى قرار حاسم في وقت محدود للغاية في ظل تضارب أو نقص المعلومات»، وهنا أتوقف قليلا لتأكيد أنه من دون وجود آليات لإدارة الأزمات فإن حالة الارتباك والتخبط ستكون هي سمة الموقف، بمعنى آخر أنه حال وجود وعي بتطورات أزمة ما فإن ذلك سوف يحد من عنصر المفاجأة، صحيح أن هناك مراكز لرصد الأزمات ومتابعتها إلا أن الأهم في رأيي تجاوز فكرة رصد تطور الأزمة نحو أمرين الأول: تصميم سيناريوهات وهمية لتطور تلك الأزمات نحو موقف محتدم مستقبلا وهي مهمة توليها المؤسسات الغربية الكثير من الاهتمام ليس أقلها ما يتعلق بسيناريو إمكانية إغلاق مضيق هرمز أو على الأقل عرقلة الملاحة فيه، والثاني: التدريب على تلك السيناريوهات من خلال التكامل بين الأجهزة المعنية في الدولة والتي تديرها ما يسمى بخلية إدارة الأزمة لاختبار الجاهزية وسد الثغرات إن وُجدت، من ناحية أخرى واتصالا بالتعريف ذاته فإن اتخاذ قرار هو أمر حتمي بل هو جوهر إدارة الأزمة لأنه إما أن يسفر عن انفراج الأزمة أو تحولها إلى السيناريو الأسوأ وهو «الكارثة»، وهنا أود تأكيد أن بعض الدول لديها بالفعل لجان لإدارة الأزمات عابرة لكل مؤسسات الدولة بما يضمن استمرار عمل تلك المؤسسات إبان الأزمات، وبعض الدول الأخرى تقوم بتشكيل فرق عمل نوعية للتعامل مع أزمة ما، وسواء انتهجت الدولة هذا الخيار أو ذاك فإن الأمر يظل مرتبطاً بما يسمى مبادئ إدارة الأزمات وهي عديدة إلا أن أهمها ثلاثة وهي تحديد الأولويات ثم الموارد المتاحة ثم الخطط التي تتضمن خيارات، وقد يرى البعض أن تلك عملية مطولة ربما لا تتناسب مع طبيعة الأزمة التي تحتاج إلى قرار سريع وحاسم ولكن هذا الأمر مردود عليه بأن هناك نماذج ناجحة شهدت تكوين فرق عمل استطاعت صياغة خيارات فاعلة لصانع القرار وكان من شأنها التعامل مع الأزمات على نحو صحيح، المهم ممن يتكون الفريق وكيف يعمل وما هي الصلاحيات الممنوحة له وما هو الوقت المتاح له؟ وصولا إلى العنصر الثالث المتمثل في المعلومات والذي يعد أحد أضلاع المثلث في تعريف الأزمة، فالاعتماد على معلومات مضللة يعني قرارا خاطئا، ولعل المثال الأبرز هنا هو تقديرات وكالة الاستخبارات الأمريكية حول تحركات الاتحاد السوفيتي تجاه كوبا قبيل اندلاع أزمة الصواريخ الكوبية المشار إليها، حيث كان رأى كاتبي التقرير أن السفن السوفيتية كانت تنقل أخشابا لكوبا وهي في حقيقة الأمر كانت صواريخ بعيدة المدى إذ لم يكن في حسبان من قاموا بعمل ذلك التقرير أن كوبا دولة استوائية وليست بحاجة إلى استيراد أخشاب من الخارج، ولذلك فإن وجود مراكز معلومات متخصصة بشأن الأزمات وتطوراتها يعد أحد متطلبات إدارة الأزمات لصياغة خيارات صحيحة، من ناحية ثانية واتصالا بمسألة المعلومات فإن التعامل الإعلامي يؤدي دورا محوريا في الأزمات في خضم ثورة الاتصالات الحديثة وما يمكن أن تتيحه من حرب شائعات من شأنها إحداث توترات على مختلف الصعد الأمر الذي يتطلب تفعيل ما يسمى بإعلام الأزمة وله متطلبات عديدة. دول الخليج كانت – ولا تزال - تقع ضمن إقليم يشهد تأزيما مزمناً ابتداءً بالحرب العراقية الإيرانية ومرورا بأزمة الغزو العراقي لدولة الكويت وصولا إلى الغزو الأمريكي للعراق، لم ترغب دول الخليج في اندلاع تلك الأزمات بيد أنها وجدت ذاتها في بؤرتها، الأمر على انعكس على اهتمام دول الخليج بمسألة إدارة الأزمات والكوارث سواء من خلال تأسيس آليات خليجية أو وطنية معنية بهذا الأمر ومنها اللجنة الوطنية لمواجهة الكوارث بمملكة البحرين، فضلا عن أن العديد من الكليات المعنية بالدراسات الأمنية بدأت في تضمين إدارة الأزمات ضمن مناهجها الدراسية وجميعها خطوات مهمة للغاية إلا أنني مازلت على قناعة بأن هناك خمسة متطلبات لاستكمال تلك الجهود من منظور استراتيجي أولها: دراسة الأزمات الإقليمية السابقة بعيدا عن الغوص في السرد التاريخي وإنما كيفية التعامل معها بغرض الاستفادة مستقبلا حال اندلاع أزمات مشابهة، وثانيها: تحديد المخاطر المتوقعة من جراء التطورات الإقليمية الراهنة والتي لم تعد أمرا نظريا بحتا بل شهدناه بالفعل من خلال الاعتداء على منشآت وناقلات النفط الخليجية ومن ثم اتخاذ المزيد من الإجراءات الاحترازية ضمن تنسيق عالي المستوى بين دول الخليج، وثالثها: إيلاء مسألة السيناريوهات أهمية بالغة، صحيح أن هناك جهودا وطنية ملموسة داخل كل دولة خليجية ولكن تبقى الحاجة إلى خطة استراتيجية خليجية للتعامل مع أي تطورات طارئة في المنطقة على كافة الصعد الأمنية والبيئية بل والإعلامية، ورابعها: ترسيخ الوعي المجتمعي بمفهوم الأزمات والكوارث من خلال كل مؤسسات المجتمع سواء الأسرة أو المدرسة أو النوادي الرياضية والاجتماعية، وتقدم كارثة اليابان الثلاثية في عام 2011 «التسونامي – الزلازل - التسرب النووي» دروسا مستفادة في هذا الشأن إذ وصف دور المجتمع المدني بالبطولي، وخامسها: دراسة التجارب المتميزة للدول الأخرى في مجال إدارة الأزمات. ‭}‬ مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية والدولية بمركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة

مشاركة :