غريتا ثونبرغ (Greta Thunberg)، العمر 16 سنة، فتاة سويدية في عمر الزهور، ناشطة مجاهدة مثابرة في مجال حماية البيئة، لقد هالها أن ترى أن قادة الدول، وخاصة الدول الكبرى وهي غنية، لا تبالي بما يحدق من مخاطر كارثية بالطبيعة، لا رجعة فيها، نتيجة للتغير المناخي الذي أحدثته ومازالت تحدثه على وتيرة متصاعدة، عجلة الصناعة في منظومة الانتاج الرأسمالي التي تأبى التخطيط، وتصر على اعتماد آلية استهلاك الموارد الطبيعية وطاقات العمل من أجل تكديس المخازن والأسواق المحلية والعالمية بالبضائع الاستهلاكية أساسًا، من صغير وكبير، يعلم ويشعر أن الكرة الأرضية، وهي البيت الوحيد للبشرية، تعاني من أمراض التلوث، بمختلف أنواعه ومصادره وأسبابه، وأن حالة المرض لا علاج لها بالمطلق إذا استمر النهج الانتاجي السائد. لقد تدهورت صحة الطبيعة -الكرة الأرضية برمتها- إلى درجة أن أضحى هواء التنفس نتنًا، مع تراكم فعل التلوث، تزكم الأنوف وتكثر من الأمراض في المنظومة البيولوجية كلها من إنسان وحيوان وحشرات، ويهلك الزرع، وهذا الأمر ليس بجديد ولا هو موضع خلاف؛ فالكل يقر بهذه الحقيقة الكارثية، إلاّ أن كبار الكبار من قادة العالم، سياسيون وأثرياء، يصرون على انتهاك حرمات الحياة.عجز الآباء والأجداد من فعل أي شيء لانقاذ الحياة على الكرة الأرضية، فتحرك الأبناء والأحفاد لاستلام المهمة من أجل انقاذ مستقبلهم في الحياة؛ لأنه لا أمل في الكبار. فتاة في السادسة عشر من عمرها، من أقصى الشمال من السويد، مع ثلة ناعمة من جيلها شعروا بضرورة النضال من أجل مستقبلهم الذي يعبث به الكبار؛ الآنسة الصغيرة غريتا ثونبرغ، مازالت طالبة في المدرسة، أخذت إجازة عام من المدرسة، وضحّت بعامها الدراسي كي تواصل نضالها من أجل حماية البيئة على المستوى المحلي والعالمي. تحدّثت إلى الصحافة وطرقت أبواب القنوات التلفزيونية لتوصل رسالتها إلى العالم، وكان أحدث جهد لها هو طرق أبواب الردهات المتعددة في منظمة الأمم المتحدة. وما كان بمقدور أي باب أن يوصد أمام رسالتها، فرسالتها المحمولة على يد ناعمة بريئة كانت من القوة بمكان إن انفتحت لها الأبواب طوعاً واحترامًا وتقديرًا وحتى أملاً. في الدورة الأخيرة لاجتماعات دول العالم في منظمة الأمم المتحدة، وقفت بكل ثقة وكبرياء أمام قادة العالم، الذين يتحكمون في مصير العالم، وابتدأت خطابها، وهي رافعة الرأس والغضب يرسم خطوطه على وجهها، بهذه الكلمات النضالية الثاقبة: «إننا نراقبكم !!!»؛ كانت هذه افتتاحية خطابها عندما سألتها السيدة التي قدمتها للحضور قائلة: «ما هي رسالتك؟». وتابعت القول بأننا في بداية انقراض جماعي وأن الحديث الذي يستهوي قادة العالم هو المال والروايات الخيالية عن النمو الاقتصادي الدائم. وشعرت وهي تخاطب قادة العالم، بأن هؤلاء السادة في واد آخر -واد غير ذي زرع-، فقالت بألم وحرقة وغضب عبرت عنها دموع لم تستطع حبسها: «لقد سرقتم أحلامي وطفولتي بكلماتكم الفارغة، ومع ذلك فأنا واحدة من المحظوظين. الناس يعانون، الناس يموتون». ليس هناك ما يضاهي صدق البراءة. فشل الكبار الناضجون في حماية أم الحياة -الطبيعة-، فانبرى الصغار الابرياء لنزع المهمة -مهمة انقاذ الطبيعة- من يد الكبار المهووسون بالثروة والجاه والسلطة والتسلط، والذين بهذا الجمع من حماقة الهوس ينتحرون ويقتلون الطبيعة بفعل حماقتهم ويحرمون الأبناء والأحفاد من رؤية المستقبل، فانتزع الصغار المهمة وبادروا لانقاذ مستقبلهم بأنفسهم؛ لأنهم يئسوا من الكبار، كبار قادة العالم الذين ضربوا نصائح العلماء عرض الحائط؛ البحوث العلمية، ولأكثر من ثلاثين عامًا، تكشف بوضوح لا يطاله أدنى شك بأن البشرية في خطر، ولكن لا حياة لمن تنادي، فما أوقح القادة الكبار، وقد صدقت كلمات الناشطة الصغيرة عندما صرخت في وجه القادة في الأمم المتحدة قائلة (how you dare continue to look away?)، ولم أجد فهمًا لهذه الصرخة النابعة من براءة تنزف جرحًا أفضل من هذه الترجمة: «ما أوقح جرأتكم وأنتم تصرّون على غض الطرف!!!». وذكّرت زعماء العالم بما توصلت إليه البحوث العلمية منذ ثلاثين عامًا وهي تحذر بأن الكرة الأرضية برمتها تواجه كارثة انقراض الحياة عليها، فكيف تتجرؤون وأنتم تعلمون أنكم ظالمون وقحون في حق أمنا الطبيعة. وأضافت «إذا كان خياركم الفشل، أقول إننا لن نسامحكم أبدًا»، و بهذه الكلمات المعبرة عن فقدان الأمل في الكبار، فإن الطبيعة من جانبها تنظر إلى الأطفال بعين الأمل.
مشاركة :