الهجوم التركي على أكراد سوريا ينذر بإعادة الحياة لداعش

  • 10/9/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

بيروت - تعتبر العملية العسكرية التي تعتزم تركيا تنفيذها في شرق الفرات مخاطرة ومجازفة غير محسوبة العواقب رغم محاولات أنقرة طمأنة الأطراف الدولية المتوجسة من تداعيات الهجوم المرتقب خاصة على قدرة الأكراد الذين كانوا إلى وقت قريب رأس الحربة في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والذين يحتجزون المئات من عناصر التنظيم المتطرف وزوجاتهم وأبنائهم ومعظمهم من الأجانب في معتقلات ومخيمات. وأثار الضوء الأخضر الذي منحته الولايات المتحدة لتركيا من أجل شنّ هجوم واسع لطالما لوحت به في السابق لضرب الأكراد في شمال سوريا، مخاوف كردية وأوروبية من أن يؤدي ذلك إلى انتعاش التنظيم المتطرف، وفق محللين رغم تأكيد أنقرة التزامها بالحيلولة دون ذلك. والتقطت تركيا الإشارة الأميركية سريعا وبدأت بالفعل في حشد تعزيزات عسكرية على حدود سوريا تمهيدا لشنّ عملية واسعة لكبح نفوذ وحدات حماية الشعب الكردية التي تصنفها أنقرة إرهابية فيما تخشى في الوقت ذاته نجاح أكراد سوريا في إقامة كيان كردي قد يشكل حافزا للأكراد في شرق تركيا للمطالبة بالانفصال وقد يمثل شوكة في خاصرة أنقرة بامتداده الجغرافي على حدودها. وبدأت واشنطن الاثنين بسحب قواتها من مناطق الشريط الحدودي مع تركيا في شمال سوريا على وقع تهديد أنقرة بهجوم وشيك ضد المقاتلين الأكراد الذين كانوا الشريك الرئيسي لواشنطن في قتال التنظيم المتطرف على مدى سنوات. وأعلنت تركيا الثلاثاء "استكمال" الاستعدادات لشن العملية العسكرية. وحذّرت قوات سوريا الديمقراطية وهي تحالف فصائل كردية وعربية تدعمه واشنطن، الاثنين من أن من شأن أي هجوم أن يقوّض الجهود الناجحة التي بذلتها لدحر التنظيم، وسيسمح بعودة قادته المتوارين عن الأنظار. وعكست سلسلة تصريحات على لسان مسؤولين أوروبيين الخشية من أن يمهد أي هجوم محتمل لعودة ظهور داعش الذي ما زال يشكل "تهديدا كبيرا". ويرى الباحث في مجموعة الأزمات الدولية سام هيلر أن من "مصلحة" قوات سوريا الديمقراطية التحذير من خطر التنظيم في حال اندلاع أي مواجهة مفتوحة مع تركيا. إلا أنه يشير في الوقت ذاته إلى أن "الواقع هو أن التنظيم لا يزال يشكل تهديدا وعلى الأرجح سينتشر في حال حوّلت قوات سوريا الديمقراطية اهتمامها ومواردها لصالح معركة دفاعية ضد تركيا". ورغم تمكّن قوات سوريا الديمقراطية بدعم من التحالف الدولي بقيادة واشنطن من دحر التنظيم من مناطق واسعة في شمال وشرق سوريا، إلا أنه لا يزال قادرا على التحرّك عبر خلايا نائمة خاصة في البادية السورية، حيث يشنّ بين الحين والآخر هجمات دامية ضد قوات النظام السوري. كما أن الهجوم التركي المرتقب قد يضعف القبضة الحديدة للإدارة الكردية على المعتقلات التي تضم مئات المقاتلين الأسرى من تنظيم داعش بمن فيهم الجهاديون الأجانب الذين ترفض دولهم الأصلية استعادتهم ومحاكمتهم. ويقول رئيس هيئة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية الكردية عبدالكريم عمر "هذه المعركة لم تنته وهناك المئات من الخلايا النائمة في المناطق التي تم تحريرها مؤخرا". وخاضت قوات سوريا الديمقراطية عدة معارك ضد التنظيم المتطرف آخرها في شرق سوريا، حيث أعلنت القضاء على "دولة الخلافة" المزعومة التي كان التنظيم أعلنها على مناطق سيطرته في سوريا والعراق المجاور في العام 2014. وتحتجز هذه القوات عشرات الآلاف من مقاتلي التنظيم وأفراد عائلاتهم وبينهم عدد كبير من الأجانب. وتخشى اليوم أن ينعكس انصرافها إلى قتال القوات التركية سلبا على جهودها في حفظ أمن مراكز الاعتقال والمخيمات. ويقول عمر "ليست لدينا معتقلات مضبوطة أمنيا. هي مجرد أبنية تم وضع هؤلاء الدواعش داخلها"، محذرا من أن "أي حالة فراغ أو فوضى يمكن أن تشكل فرصة لفرار هؤلاء المجرمين". ويبدي خشيته تحديدا في شأن مصير مخيم الهول وهو أكبر المخيمات الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية ولو أنه يقع في شمال شرق سوريا على بعد عشرات الكيلومترات من المنطقة العازلة التي ترغب تركيا بإقامتها. ويصف عبدالكريم عمر المخيم بأنه "قنبلة موقوتة"، بعدما شهد مؤخرا حوادث اعتداء وفوضى خصوصا في القسم المخصص لعائلات مقاتلي التنظيم الأجانب. ويؤوي المخيم المكتظ أكثر من ثلاثة آلاف عائلة من عائلات مقاتلي التنظيم من إجمالي أكثر من 70 ألف شخص، وفق الإدارة الذاتية الكردية. وحذرت الإدارة الذاتية في تقرير الأحد من أن "المهاجرات"، وهي تسمية تُطلق على زوجات الجهاديين الأجنبيات "لسن أقلّ خطورة من آلاف مقاتلي التنظيم في مراكز التوقيف". وبحسب تقرير صدر الأسبوع الماضي عن معهد دراسات الحرب وهي مؤسسة بحثية مقرها واشنطن، فإن مقاتلي التنظيم يقدمون على رشوة حراس السجن وجمع الأموال لتهريب النساء خارج المخيمات وبينها الهول. ويرجّح المعهد أن يكون التنظيم "بصدد الإعداد على الأرجح لعمليات أكثر تنظيما وتنسيقا لإطلاق سراح عناصره المعتقلين". ويشكل هذا السيناريو هاجسا لعدة دول أوروبية منضوية في التحالف الدولي بينها فرنسا. وحذّرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية أنييس فون در مول في بيان الاثنين من "أن تنظيم داعش الذي انتقل إلى العمل السري منذ هزيمته على الأرض، يبقى تهديدا كبيرا لأمننا الوطني". وشددت متحدثة باسم الحكومة الألمانية أولريكه ديمر على أنه "لا ينبغي إضعاف النصر الذي حققه أكراد سوريا بدعم من التحالف" ضد التنظيم. في مواجهة هذه المخاوف، سارعت تركيا الاثنين على لسان المتحدث باسم الرئاسة إبراهيم كالين إلى التأكيد على أنها "ستواصل معركتها ضد داعش ولن تسمح له بالعودة بشكل أو بآخر"، غير أن محللين يرجّحون أن أنقرة ستساهم من دون تعمّد في إنعاش التنظيم. ويوضح هيلر "ما يُرجّح حصوله هو أن هذه المنشآت التي تشهد حالات فوضى ومحاولات فرار، ستصبح أكثر هشاشة في ما لو أعادت قوات سوريا الديمقراطية نشر عناصرها الذين يتولون الحراسة لقتال تركيا". وأضاف "إذا فرّت كوادر التنظيم وسط الفوضى فباستطاعتهم تحفيز عمليات التنظيم محليا. وفي حال تمكنوا من الهرب من الساحة السورية، فبمقدورهم زيادة حجم المجموعات المسلحة دوليا". ولطالما حذر مسؤولون أميركيون من أن التنظيم رغم خسائره الميدانية ما زال يعمل على تعزيز قدراته. ويعتبر تشارلز ليستر مدير معهد الشرق الأوسط ومقره الولايات المتحدة، أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عبر بدء سحب القوات الأميركية من الشريط الحدودي، "منح التنظيم هدية ولادة جديدة".

مشاركة :