أعرب الدكتور عبدالله حمدوك، رئيس الحكومة الانتقالية في الجمهورية السودانية الشقيقة، عن تقديره وامتنانه للمواقف الأصيلة لدولة الإمارات الداعمة لبلاده، وهي تمر بهذه المرحلة الانتقالية، مشيداً بالعلاقات التاريخية التي تربط البلدين الشقيقين. وقال في حوار مع «الاتحاد» إن لقاءه والفريق أول عبدالفتاح البرهان، رئيس المجلس السيادي في السودان، مع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، خلال الزيارة، يؤسس لشراكة استراتيجية بين البلدين، مؤكداً التزام بلاده بدورها في التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية الشقيقة، وتعزيز الأمن في البحر الأحمر، والمنطقة إجمالاً. وقال إن رفع اسم بلاده من قائمة الدول الراعية للإرهاب يعد أولوية للحكومة السودانية باعتباره مفتاحاً لمواجهة العديد من التحديات الداخلية والخارجية، واستعرض خلال الحوار حجم التركة الثقيلة التي ورثتها الحكومة الانتقالية بعد الثورة التي أطاحت نظام البشير بعد 30 عاماً في الحكم، والذي تسبب في تدمير مقدرات البلاد. كما تحدث عن أولويات المرحلة لعبور سلس للفترة الانتقالية، مؤكداً الاعتزاز بالشراكة بين العسكريين والمدنيين، بما يضمن وضع الأسس لبناء السودان الجديد، ووضع «مصلحة الوطن» فوق أي اعتبار. وفي ما يلي نص الحوار: * تزورون الإمارات في مرحلة دقيقة من تاريخ السودان، كيف تنظرون لطبيعة هذه الزيارة التي تقومون بها مع الفريق أول عبدالفتاح البرهان، رئيس المجلس السيادي في السودان، والنتائج المتوخاة منها؟ - زيارتنا للأشقاء في دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة جاءت تدعيماً لأواصر الصداقة والتاريخ المشترك الذي يجمعنا. وعندما نتحدث عن هذه العلاقات، فهي ضاربة الجذور في التاريخ، وضع أساسها المتين المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه. وقد قامت على الود والاحترام العميق، والتعاون بين الشعبين الشقيقين. نحن ننظر لدولة الإمارات بوصفها دولة متفردة في العالم العربي، نجحت في بناء دولة حديثة في زمن قياسي، وذلك بفضل ما حباها الله به من قيادة رشيدة، استطاعت بناء هذه الدولة الحديثة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وننظر لتجربة الإمارات في بناء الدولة بكل احترام وإعجاب. في زيارتنا الحالية، أتيح لنا لقاء صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وكانت فرصة لإطلاع سموه على أولويات الفترة الانتقالية التي تمر بها بلادنا، والتحديات التي نواجهها، والتفاهم حولها، وتطلعاتنا لدعم الأشقاء في القضايا الداخلية والتحديات الخارجية المحيطة بنا. وقد وجدنا الاستجابة الكريمة والعون الصادق. وهذه الزيارة سوف تؤسس لشراكة استراتيجية بين بلدينا، تتكامل فيها الأدوار، والسودان بلد غني بالموارد، وينتظر الاستثمارات الإماراتية الحكومية والخاصة، والتي ستساعدنا على بناء البلاد، وقد وجدنا في هذا الجانب أيضاً كل الترحيب. الأمن العربي * للسودان دور مهم في أمن البحر الأحمر، وكذلك الأمن العربي، من خلال دوره اليوم في التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، آفاق هذا الدور مع التغييرات التي شهدها السودان بعد الثورة؟ - نحن ننظر لدورنا في اليمن والمساهمة في التحالف العربي، وأمن البحر الأحمر، باعتباره دوراً محورياً وأساسياً لاستقرار المنطقة، والمحافظة على هذا الاستقرار، وبكل تأكيد لن ندخر أي جهد في الاستمرار والمساهمة في ذلك، سننفذ كل الاتفاقات بيننا في هذا المجال، بما يساعد على تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، لأنه في مصلحة الجميع. وفي هذه السانحة، نجدد إدانتنا، بأشد العبارات، الاعتداءات والهجمات التي تعرضت لها المملكة العربية السعودية، واستهداف المنشآت النفطية لشركة «أرامكو»، وسنظل في خط الدفاع الأول مع أشقائنا في هذا المجال. قائمة الإرهاب * إلى أين وصلت جهودكم التي تحظى بدعم سعودي إماراتي لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب؟ - رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب يشكل أكبر تحدٍ لنا، وأولى أولوياتنا، وهو مفتاح لحل كل الأزمات، فلن نستطيع خلق بيئة للاستثمار واجتذاب الاستثمارات مع وجود هذا العائق، كما لا تستطيع الدولة أن تحقق تقدماً في ملف الديون وفي ملفات أخرى عديدة. وستظل جهودنا في هذا الاتجاه متواصلة حتى يتحقق هدفنا برفع اسم بلادنا من هذه القائمة. وهنا نحيي جهود الأشقاء في الإمارات والمملكة العربية السعودية الذين لم يدخروا جهداً في مساعدتنا في هذا الملف، وعلى تواصل مع الإدارة الأميركية، وتلقينا وعوداً صادقة بذلك. شعبنا السوداني لم يكن في يوم من الأيام داعماً للإرهاب، وإنما ارتبط ذلك بالنظام السابق الذي ثار عليه شعبنا. رفع اسم بلادنا من هذه القائمة واجب وأمر مستحق. الدولة العميقة * ظهر في الشارع السوداني خلال ثورته مصطلح الدولة العميقة، هل النظام السابق كان بهذا العمق الذي يتحدثون عنه؟ - نعم الدولة العميقة، ولكن التعبير الأدق، هو دولة التمكين، على امتداد الثلاثين عاماً الماضية، كان النظام السابق «يُمكِّن» لتيار وتفكير وفكر واحد، لذلك جاء مسمى الدولة العميقة، 30 عاماً والنظام يوظف إمكانات الدولة السودانية، أموالها، بنوكها، شركاتها، ومؤسساتها، لمصلحة تيار واحد، لذلك فإن تصفية هذه التركة لا يمكن أن تتم خلال فترة قصيرة. ونحن على طريق تفكيك «هذه الدولة العميقة»، بدأنا في تغيير قيادات الخدمة المدنية، وتشكيل مجلس الوزراء والمجلس السيادي، ولاحقاً الجهاز التشريعي ووكلاء الوزارات. كما قمنا بتغيير مديري الجامعات، 35 جامعة جرى تغيير مديريها، ونحن ما زلنا في البدايات، لذلك فإن الأمر بحاجة لوقت ليس بالقصير. لا خلاف * كيف تنظرون لهذه الشراكة مع العسكريين خلال الفترة الانتقالية؟ - نحن متفائلون بهذه الشراكة، ولا يوجد خلاف بيننا، فنحن نعمل معاً من أجل إنجاح هذه الفترة، ونعتقد أن الطرفين يعملان معاً لأجل ذلك في تناغم وانسجام، لأننا متفقون على مصلحة السودان. العلاج * السودان مثقل بالأزمات من الخبز إلى الوقود، فكيف تتعاملون مع كل هذه الاستحقاقات اليومية والتركة الثقيلة كما قلتم؟ - نحن بدأنا معالجة الأزمة الاقتصادية من خلال محاربة التضخم وغلاء الأسعار، وذلك يتم عن طريق توفير السلع الضرورية مثل القمح والدقيق والوقود والأدوية، لأن توفير ذلك يساعدنا على امتصاص غلاء الأسعار، ومعالجة سعر صرف الجنيه السوداني، وباستعادة الثقة في القطاع المصرفي الذي هو على حافة الانهيار، ويتم كل ذلك عبر حزمة من الإجراءات، منها وجود تمويل للواردات، وكذلك العمل على استعادة عافية الاقتصاد السوداني في القطاع الإنتاجي والزراعة والصناعة، وعندما يتحقق ذلك، ونبدأ التصدير، نستطيع خلق احتياطي من العملات الأجنبية الذي يساهم بدوره في استعادة العملة الوطنية لعافيتها. المغتربون * تحتضن الإمارات جالية سودانية كبيرة لها حضورها، وتتطلع لاهتمام القيادة السودانية الجديدة بوصفهم شركاء في بناء السودان الجديد، وتقديم تسهيلات لهم بعد معاناة «جهاز المغتربين» ومشاكل تأشيرة الخروج؟ - لقد كان لي لقاء مع الجالية، مساء أمس الأول، وهي ليست متميزة فحسب، بل من أميز جالياتنا في الخارج، لأنها جالية نوعية تضم بين فئاتها أطباء ومهندسين وفنيين وخبراء، وهي تحظى بسمعة طيبة وتقدير كبير هنا. وذات مرة كنت أتحدث مع الأمين العام للأمم المتحدة، انطونيو غوتيريس، عندما قلت له ممازحاً «سيجيء يوم وأستعيد الخبراء السودانيين الذين يعملون في المنظمة الدولية، فرد علي بالقول إن الصفوة موجودة في دول الخليج». جاليتنا مميزة، وللأسف فقد فشلنا في السابق في خلق المناخ الذي يسمح للمغترب بأن يساهم في بناء وطنه. كان النظام السابق يتعامل معهم بعقلية «الجباية» من دون أن يقدم لهم أية خدمات أو تسهيلات تحفز المغترب ليشارك في تعمير بلاده. لذلك حرصت على الالتقاء بهم لخلق المناخ المطلوب، وطلبنا منهم رفدنا بالمقترحات لعلاج الخلل لمدة 10 سنوات. واستشهدنا بالتجربة الناجحة لأشقائنا في مصر التي يرفد مغتربوها اقتصاد بلادهم بما لا يقل عن 25 مليار دولار. للأسف عندنا في السابق لم يلتفت النظام السابق لهذا المورد المهم، ولم يهيئ له المناخ الملائم للاستفادة منه، نحن سنعمل على الاستفادة من التجربة، وهذا المورد المهم، فقد سئمنا من حقبة القروض والمنح والهبات، بهم وبمساهماتهم سنبني السودان الجديد، ونعمل على أن نقدم لهم ما هو أكبر من مجرد إلغاء جهاز أو ختم تأشيرة الخروج. تركة ثقيلة * أنت رجل معروف خارج السودان وذو خبرة دولية واسعة في معالجة قضايا اقتصادية وإدارية مهمة، كيف تنظر للوضع في السودان؟ - منذ اليوم الأول لتحمل المسؤولية، تلبية لنداء الوطن، صارحنا شعبنا بأن التركة ثقيلة جراء 30 عاماً من الخراب والدمار، وأن الإصلاح لا يمكن أن يكون بين يوم وليلة، لأننا لا نملك عصا سحرية، والحل أن نكون معاً للتغيير، وقد كنا واضحين وصريحين مع شعبنا بأن التحديات كثيرة. وقد أنجزنا ثورة عظيمة، شاركت فيها مختلف قطاعات الشعب السوداني، ولكن أعود وأقول إن التحديات كبيرة، ولا يمكن معالجتها في وقت قصير. أملنا وضع اللبنات الأولى ووضع الأساس الصلب الذي نبني عليه. ولو استطعنا إنجاز الأولويات التي حددناها خلال الفترة الانتقالية (39 شهراً)، نكون قد مهدنا ووضعنا الأساس لبناء السودان الجديد.
مشاركة :