في جو من النقد الساخر واللاذع معا، يتناول الفيلم الكويتي “اطلع من مزاجي” للمخرج عبدالله السلمان ظاهرة ما انفكت تتفشّى في مجتمعاتنا العربية، تلك المتمثلة في الربح السريع الذي يحقّقه بعض الشباب عبر ترويجهم لمواد تتّسم في معظمها بالسطحية على وسائل التواصل الاجتماعي، ومع ذلك تحظى بالقبول والتثمين، ممّا يرسّخ عقلية استسهال النجاح. يلتقط الفيلم الكويتي “اطلع من مزاجي” ولع الكثير من أبناء الكويت والخليج عامة بوسائل التواصل الاجتماعي، فالإطار العام للفيلم يدور حول طبيعة النجومية على وسائل التواصل الاجتماعي في قالب كوميدي لا يخلو من الإثارة. أمامنا رجل يعاني من البطالة هو غانم ولد بوغانم الذي يلعب دوره الفنان أحمد العونان، وهو يكافح من أجل إعالة أسرته الصغيرة المكونة من زوجته وأمه وابنه الوحيد. لا ييأس من الدخول في مشاريع سرعان ما تفشل لأسباب مختلفة. فيقرّر في النهاية العمل كسائق تاكسي لنقل الركاب من المطار. وللشخصية المحورية التي يمثلها غانم ولد أبوغانم صديقان مقربان هما محسن (خالد العجيرب) وجابر (نايف البشايرة). ومحسن شخص كسول ومغرم بوسائل التواصل الاجتماعي، يسجل يومياته على موقع سناب شات منذ الصباح وحتى خلوده إلى النوم، لا يترك تفصيلة إلاّ ويسجلها على موقعه، لكنه في نفس الوقت يعاني من قلة عدد متابعيه. ويحدث أن يلتقط الصديق الكسول مشهدا يجمع بينه وبين غانم في حوار مرح وهما يستقلان التاكسي كعادتهما، فينتشر المشهد بسرعة البرق على مواقع التواصل الاجتماعي على نحو لافت ويحصل على إعجاب الآلاف من المتابعين. هذه هي النقطة المفصلية في الفيلم، إذ تنقلب حياة غانم وصديقيه رأسا على عقب بداية من هذه اللحظة. الربح السريع تُسلط الأحداث اللاحقة لفيلم “اطلع من مزاجي” الضوء على طبيعة المواد التي يتم ترويجها على وسائل التواصل من محتوى قد يتسم في أحيان كثيرة بالسطحية، لكنه قد يلقى قبولا واسعا، وقد يحوّل هذا الرواج السريع البعض إلى نجوم بين ليلة وضحاها. يكمن الخطر هنا في أن هؤلاء النجوم الافتراضيين يتحوّلون مع الوقت إلى أيقونات لدى الشباب، يتم الاقتداء بهم وإحاطتهم بهالة من التقدير أيا كان ما يقدّمونه. وفضاء الإنترنت يمتلئ بأمثلة كثيرة من هذه النماذج، إذ يختلط فيه الغث بالسمين، ويتساوى خلاله المحتوى الجيد أو المفيد بالعابث، والفيصل في النهاية هو قدرة هذا المحتوى على اجتذاب المتابعين. بعد رواج مقطع الفيديو يقرّر الصديقان بمعاونة صديقهم الثالث جابر تكوين فريق متّحد، بطله الرئيسي هو غانم ولد أبوغانم، الذي يوافق على تصوير المزيد من هذه المشاهد بطريقته البسيطة والعفوية، والتي ينهيها دائما بجملة “اطلع من مزاجي” أي “دعني وشأني” حسب اللهجة الكويتية. الفيلم ينتقد عبر الكوميديا أولئك النجوم الافتراضيين الذين تحوّلوا فجأة إلى أيقونات لدى الشباب الخليجي وخلال أيام قليلة يشتهر غانم ويصبح واحدا من نجوم السوشيال ميديا، إلى الحد الذي جعله يعيش بعض الأزمات من جراء هذه الشهرة السريعة. تتكالب على غانم شركات الإعلان لعرض منتجاتها على صفحته، ويستغل الأصدقاء الثلاثة هذا الأمر للتربّح من ورائه، ويتغيّر حالهم من النقيض إلى النقيض، لكنهم يحتفظون رغم هذا ببعض طباعهم السابقة، كالبخل مثلا، الأمر الذي يكون مثيرا للسخرية والمواقف المرحة. وتتوالى المواقف والأحداث التي لا تخلو من بعض مشاهد الحركة والإثارة. و”اطلع من مزاجي” من إخراج وكتابة عبدالله السلمان الذي يظهر أيضا في أحداث الفيلم كضابط شرطة. والعمل بشكل عام لا يفتقر إلى خفة الظل رغم المبالغة في اختلاق المواقف أحيانا، حيث استطاع أحمد العونان على سبيل المثال تجسيد دور الرجل خفيف الظل الذي لا يعنيه شيء سوى العمل الشريف. ومن خلال عمله كسائق تاكسي يتعرض غانم إلى الكثير من الأحداث الطريفة التي يكون هو المتسبّب فيها، برعونته في القيادة تارة، أو من خلال تدخّله السافر في خصوصيات الزبائن. ثمة أطراف أخرى تدخل على سياق الأحداث كشخصية بوفوزي وهو ابن غانم الوحيد، الشاب الممتلئ الجسم الذي تم توظيف دوره في سياق يحمل سخرية غير محببة من ذوي الأجسام الممتلئة، وهو أمر يبدو أنه أصبح وسيلة ضامنة لضحكات الجمهور في أفلامنا العربية، فالسخرية من السمات الشخصية للأفراد كالقصر أو السمنة أو لون البشرة وما إلى ذلك من سمات أخرى باتت أمورا تتكرّر وبشدّة في أفلامنا وأعمالنا الدرامية. قضية مكرّرة رغم أهمية القضية التي يطرحها فيلم “اطلع من مزاجي” إلاّ أنها أصبحت قضية مكرّرة إلى حد الملل أحيانا، خاصة في الأعمال الدرامية الخليجية، فلا يكاد يخلو مسلسل خليجي مثلا، من التطرّق أو الإشارة إلى قضية الولع بمواقع التواصل الاجتماعي حتى الإدمان. وهي ظاهرة لافتة وجديدة بالطبع ليس في الخليج أو العالم العربي فقط بل في العالم أجمع، تعكس سعي الكثيرين للبحث عن الشهرة أو النجاح السريع. هذا وبدت قصة الفيلم في شكل عام ملائمة لعمل كوميدي حاول خلاله المخرج البحث عن أنماط مختلفة لشخصيتي خالد العجيرب وأحمد العونان، اللذين شكلا معا ثنائيا ناجحا على مدار سنوات، في الدراما والمسرح وأخيرا في السينما. و”اطلع من مزاجي” يعد العمل السينمائي الأول في مسيرة الفنان أحمد العونان، والذي استطاع خلال فترة وجيزة أن يثبت قدراته كفنان كوميدي يتمتع بخفة ظل وقبول جماهيري ما وضع أعماله المسرحية ضمن أكثر الأعمال رواجا بين دول الخليج العربي. وعرف أحمد العونان بتجسيد الأدوار الكوميدية وقدرته على الارتجال العفوي، وهو يعدّ واحدا من نجوم المسرح الكويتي المتميزين حاليا، كما ساهم أيضا في العشرات من الأعمال الدرامية، وله تجربة وحيدة في الدراما المصرية من خلال مسلسل “اللهم إني صائم” مع المخرج أكرم فريد والفنان مصطفى شعبان. وإلى جانب حسه الكوميدي، يعرف العونان أيضا بأنه أحد أبرز المدافعين عن فئة البدون التي ينتمي إليها، وهو عادة ما يتطرّق إلى هذه القضية في الكثير من أعماله المسرحية. وفيلم “اطلع من مزاجي” هو الفيلم السابع في سلسلة الأفلام التي قدّمها المخرج الكويتي عبدالله السلمان خلال مسيرته الإنتاجية، والتي كان آخرها فيلم “بوعيون” وهو فيلم خيال علمي كوميدي قدّمه في العام 2018. ويحاول السلمان تنويع إنتاجه باستمرار رغم الصعوبات التي تواجهها صناعة السينما في الكويت، بداية من الإنتاج إلى استخراج التصاريح اللازمة، إلى المعوقات الرقابية، ثم العرض في دور السينما، وغيرها من التفاصيل الأخرى المتعلقة بعملية الإنتاج والتوزيع. وغالبا ما يشكو صناع السينما الكويتية من ضعف الميزانية المخصّصة للإنتاج، وترتبط هذه الأزمة بالعديد من الأسباب لعل أبرزها ضعف الإقبال الجماهيري، فالأعمال السينمائية الكويتية تقتصر مشاهدتها على الكويتيين فقط، مع إقبال محدود في دول الخليج العربي، وهي ظاهرة يعاني منها السينمائيون الكويتيون كثيرا، وتؤثر بالطبع على دائرة الإنتاج السينمائي، كما تساهم في نفور المنتجين أو الممولين عن تلك الصناعة أو المغامرة بأموالهم في تجربة غير مضمونة العواقب.
مشاركة :