بلادي بلادي منار الهدى ومهد البطولة عبر المدى عليها ومنها السلام ابتدا وفيها تألق فجر الندى حياتي لمجد بلادي فدا بلادي بلادي الإبا والشمم ومغنى المروءة منذ القدم يعانق فيها السماح الهمم وفيها تصون العهود الذمم ستبقى بلادي منار الأمم خرجت هذه الأغنية من حزن عميق يعرف طعمه جميع أبناء الوطن الذين عاصروا تلك الفاجعة الأليمة وحتى الذين لم يعاصروها لاستيعابهم جهود الملك فيصل -رحمه الله- ووعيهم بحجم الخسارة التي لحقتهم إثر ذلك وقد كانت من كلمات الشاعر اللبناني سعيد فياض وتلحين وأداء سراج عمر لتحقق نجاحاً ورواجاً واسعاً أوصله إلى الساحة الفنية بشكل أكبر. يعد الموسيقار سراج عبدالقادر العامودي مواليد ١٩٤٦م- بجدة من أهم الموسيقيين بالشرق الأوسط كما أنه أول سعودي حاصل على عضوية جمعية الملحنين والفنانين بباريس وبالمجمع العربي وهو عضو اتحاد الفنانين العرب وعضوا في جمعية الثقافة والفنون التي ترأسها الأمير بدر بن عبدالمحسن –حفظه الله- ليقدما نشاطاً لافتاً باستقطاب ذوي الميول والموهوبين والناشئين لتصل الأغنية السعودية لما هي عليه اليوم. كان من أهم رواد الحداثة للموسيقى السعودية وتمكن من نقل الأغنية السعودية إقليمياً وعربياً كما قاد فرقة النجوم الموسيقية التي ساهمت في بروزه مع نخبة من الفنانين الذين يهتمون بتقديم أعمالهم إلى الاذاعة المحلية ليرفدوا مشوار الأغنية السعودية. اهتم الموسيقار سراج عمر بتعلم الموسيقى وألم بقواعدها ومعرفة أصول العزف على الآلات باستخدام النوتة الموسيقية وهذا ما ميزه عن أبناء جيله إضافة إلى ارتباطه بآلة الكمان التي شكلت هويته الموسيقية باللحن. وقد عبر الأمير بدر بن عبدالمحسن عن امتنانه لجهود سراج عمر وافتقاده له بتصريح صدر اثناء تغيب الموسيقار اثر تراجع حالته الصحية قائلاً: «ساهم سراج عمر بإثراء مسيرتي الشعرية وانتشاري، وافتقده كثيراً وكان يجب من الوفاء علي أن أكون متواصلاً أكثر معه وأقدم له اعتذاري على الهواء...» ويصف مدير جمعية الثقافة والفنون بجدة سابقا الأستاذ عمر الجاسر نشاط الموسيقار سراج عمر قائلا «ساهم بإشراك الفنانين السعوديين بالمهرجانات العربية كما ترأس لجان التحكيم بالكثير من البرامج العربية وقد كانت جمعية الثقافة والفنون بيته الثاني وحلمه الأول فقد أعطاها الكثير والكثير وهو من أهم المؤسسين وكان يحضى بثقة الأمير بدر بن عبدالمحسن ورعايته حتى استبعد نتيجة تراجع حالته الصحية» وعبر غازي علي الذي تربطه علاقة صداقة طويلة به بشأنه «لن اتحدث عن فنه، لأن فن سراج عمر يتحدث عن نفسه، لكني سأتحدث عن الجانب الإنساني، فسراج عمر إنسان جداً، واحساسه بمعاناة الناس، كبير جداً وقد انقذني من الموت اثر تعرضي لأزمة قلبية عام ٨٦م حين هاتفته ليلتها وفوجئت بسرعة مجيئه لي خلال خمس دقائق ولم يفارقني أبداً لن انسى هذا الموقف ابدا، كان معطاء حتى أنه يتولى رعاية بيتي أثناء فترة غيابي». ويصفه صديقه الصحفي عبدالله القبيع بحديثه عنه قائلاً: «كان حالة فرح وحزن بنفس الوقت وحالة غزل و حالة وفاء وكرم.. بداخله يختزن كل ما هو جميل» ويقول الملحن طلال باغر «إن شخصية إنسانية عظيمة، فهو متسامح ونقي ومتميز بتقديمه لدعم لكل أصدقائه الفنانين وتربطه علاقات جميلة ومتزنه وهو رمز من رموز التلحين على الصعيد المحلي والعربي» ويؤكد طاهر حسين على ارتباطية سراج مع زملائه قائلاً« من سمات سراج التجسير بين الفنانين حتى اذا دخلت بيت سراج وجدت بصدر المجلس برواز متر في متر به صوراً لجميع الفنانين، فحبه للفنانين متجذراً بداخله» ويبرهن محمد الحسون نائب المدير العام بالخطوط السعودية سابقاً وعضو مؤسسة عكاظ للصحافة على عبقرية الموسيقار اثناء وصفه لتعاون جمعهما: «التقيت به في الثمانينات، جاءني به أحد الأصدقاء على حديث عن مشروعي لاستبدال موسيقى الطائرة السعودية لموسيقى فلكلورية بتوزيع سعودي ولم أجد أحد يستطيع أن يعطيني التوزيع الموسيقي والمطلوب مثل سراج عمر .. وبالفعل تمكن سراج عمر رحمه الله من عمل ذلك بكل تفاني وعبقرية وقدم لي شريط اسميناه «شريط السعودية «والذي استمر يعمل كخلفية موسيقيه رسمية لجميع الطائرات السعوديات». فعذوبة ونقاء الراحل جعلته ذكرى حيه وباقية رغم رحيله، فتميز الموسيقار سراج عمر بعلاقاته الودودة مع جميع الفنانين حتى أنه كان يعمل على تجسيرهم ببعض وعلى الرغم مما حققه من نجاح لم يفقد روح الطفل الصغير بداخله والذي يمده بشعبية وقبول حسن. ولا يمكننا الحديث عن نشاط الموسيقار الراحل بدون أن نتطرق بالذكر عن أهم الأعمال الوطنية التي قدمها فقد قام بإعادة توزيع النشيد الوطني السعودي قبل أن تكتب كلماته من قِبل الشاعر الكبير إبراهيم خفاجي رحمه الله ولعل افتتاحه للجنادرية بعمل «أوبريت التوحيد» خير برهانا على تفرده بالعمل الموسيقي وقد نجح بتجسيد الطبيعية الجغرافية على النوتة الموسيقية في لحن أغنية « حدثينا يا روابي نجد» ومن خلال أغنية «يا حبيبي انستنا» التي كانت من كلمات الشاعر الراحل إبراهيم خفاجي وغناء محمد عبده استطاع تقديم نفسه إلى الساحة الفنية عام ٦٦م وقد كان أخر عمل يجمعها بعد أن قدما أغنية «مرتني الدنيا بتسأل عن خبر» ثم بدا بتأليف المقطوعات الموسيقية بمنتصف السبعينات وقد نجح بها كمقطوعة يا من لغيري ومقطوعة سلام يا عيني ومقطوعة يامن تسبب. تربى الموسيقار سراج عمر على يد رواد الجيل الذين سبقوا عصر النهضة الفنية مثل محمد علي سندي ومحمود الحلواني ليشكل ثقافة فنية بديعة كما استفاد من علاقته بهم باعتبارهم من أهم الفنانين السعوديين. ثم بدأ ارتباطه الفني بصديقه الفنان طلال مداح رحمه الله واضحا حتى انهما شكلا ركيزة أساسية لبعضمها، فأغنية مقادير التي اكتسبت شهرة واسعة عربياً بل وعالمياً والتي كانت من الحانه ومن كلمات الأمير محمد عبدالله الفيصل: على ميعاد حنا .... والفرح كنا وكنا بعاد ... وعشنا ع الأمل حنا واثر الأمل كاذب مقادير ... مقادير الا يا اهل الهوى .... كيف المحبة تهون كيف النوى يقدر ... ينسي العيون نظرة حنين ..... واحلا سنين عشناها ... يا قلبي الحزين مقادير .. مقادير يقول محمد سلامة «سألت الموسيقار سراج عمر عن صديقه الراحل طلال مداح وعن مدى افتقاده له فقال : كنت عايش من أجل طلال مداح وكل أعمالي له فقد قدمنا ٧٠ عملاً وماخفي كان أكثر بينما لم اتعاون مع البقية إلا باعمال معدودة.. وبالنسبة لحادثة وفاته التي حصلت اثناء تقديمه لعمل من الحاني فأني تجنبت سماع تلك الأغنية. وهي أغنية «الله يرد خطاك» التي كانت من كلمات الأمير بدر عبدالمحسن فعلى الرغم من تعاوناته المتوالية مع الأمير محمد عبدالله الفيصل والتي نتج عنها اعذب الأغاني مثل «كلمني – لا تقول خلي العيون تقول- لا وعد – والتي طرحت بألبوم العطر الذي يعد أخر البوم رسمي لطلال مداح. إلا أن ارتباطه بطلال مداح و الأمير بدر بن عبدالمحسن كان واضحاً أكثر، فقد شكلا مثلثاً هرمياً بديعاً وبليغ نتج عنه أعمالا عديدة ولا تزال تحتل مكانتها الفنية مثل الله يرد خطاك ووعدتيني والعشق والاختيار والله يعلم أني حاولت والموعد الثاني: خذاك الموعد الثاني نويت تغيب وتنساني مشت بك خطوتك لبعاد تركت لدمعتي ميعاد مثل ذا الوقت تلقاني خذاك الموعد الثاني .... صديق الليل لو تندم على جـرحٍ تركته لي لا انسي قلبك المسكين حبيباَ جرحك قبلي ولكن سكتك تحتار أبد بين الندا والنار ولا منه قضى المشوار بدأ مشوارك الثاني إلا أن الموعد الثاني خذاه بالفعل بعيدا عنا حيث وافته المنية يوم ٢ نوفمبر ٢٠١٨ م عن عمر يناهز ٧٢عام اثر متاعب صحية لازمته بعد أن تسببت بابتعاده عن الإعلام والفن. رحم الله «سراج عمر» فقد ترك عطراً خلفه وسيرة نبيلة يجري ذكرها على كل لسان.
مشاركة :