ندد المجتمع الدولي بالعدوان التركي شرقي نهر الفرات، وتوغل قوات أردوغان في عمق الأراضي شمال شرق سوريا، محذراً الرئيس التركي من عواقب مغامرته غير المحسوبة، والتقاعس عن الالتزام بقواعد حماية المدنيين، وحمّله مسؤولية ضمان عدم استغلال تنظيم «داعش» الإرهابي لهذه الأفعال للعودة. وعقد مجلس الأمن الدولي بطلب من دول أوروبية عدّة، اجتماعاً مغلقاً طارئاً أمس، لبحث الهجوم التركي. وأبدى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس «قلقه البالغ»، مع استمرار الهجوم التركي على المقاتلين الأكراد في شمال شرق سوريا. وقال جوتيرس في مؤتمر صحفي في كوبنهاغن، التي تستضيف حتى السبت قمة رؤساء بلديات كبرى المدن في العالم «أعبر عن قلقي البالغ حيال ما نشهده من تصاعد للنزاعات». وأضاف «إن أي حل في سوريا يكون باحترام سيادة البلد ووحدته».إلى ذلك، طالب الأعضاء الخمسة الأوروبيون في مجلس الأمن الدولي في بيان، أمس، «تركيا بوقف عملها العسكري الأحادي الجانب» في سوريا، إثر الاجتماع الطارئ للمجلس. مون جانبها، حذرت المبعوثة الأميركية لدى الأمم المتحدة تركيا من أنها ستواجه عواقب لهجومها، إذا لم تعمل على حماية السكان واحتواء تنظيم «داعش». وقالت كيلي كرافت للصحفيين بعد اجتماع مجلس الأمن الدولي بشأن سوريا: «ستكون هناك عواقب للتقاعس عن الالتزام بقواعد حماية المدنيين الضعفاء والتقاعس عن ضمان عدم استغلال داعش لهذه الأفعال للعودة». وتوغلت القوات التركية في عمق الأراضي السورية شرقي نهر الفرات في اليوم الثاني من العدوان العسكري، فيما واصلت قوات سوريا الديمقراطية «قسد» التصدي للعدوان على مناطق سيطرتها، حيث تخوض معارك عنيفة في ظل قصف عشوائي مكثف، يهدد عشرات آلاف المدنيين. وقالت تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي، إنها تعتزم إقامة «منطقة آمنة» من أجل إعادة اللاجئين السوريين. لكن القوى العالمية تخشى أن يفاقم الهجوم الصراع ويزيد من مخاطر هروب سجناء تنظيم «داعش» من معسكرات يحتجزون بها في المنطقة وسط الفوضى. وكتبت وزارة الدفاع التركية على تويتر، أمس «إن الجيش التركي أصاب 181 هدفاً للمقاتلين الأكراد في ضربات جوية وبنيران المدفعية منذ بداية العملية في شمال شرق سوريا». وبدورها كتبت «قوات سوريا الديمقراطية» المعروفة اختصاراً بـ«قسد» على تويتر تقول إن معسكراً يحتجز به سجناء «داعش» تعرض للقصف في غارة جوية تركية. في هذه الأثناء، دارت اشتباكات عنيفة على محاور عدة في شمال شرق سوريا، تتركز في منطقتي رأس العين في ريف الحسكة الشمالي وتل أبيض في ريف الرقة الشمالي، وفق ما أفادت قوات سوريا الديمقراطية والمرصد السوري لحقوق الإنسان. وشنت طائرات تركية غارات على المنطقة الممتدة بين رأس العين وتل أبيض، تزامناً مع قصف مدفعي كثيف، وفق المرصد الذي أشار إلى أن القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها تمكنت من إحراز تقدم ميداني محدود. وسقط عشرات القتلى والجرحى من المدنيين وعناصر «قسد» جراء الهجوم. وقال مصدر إعلامي في «قسد»: «لم تتوقف محاولات التوغل» للقوات التركية والفصائل السورية الموالية لها، «من شرق رأس العين إلى غرب تل أبيض». وكانت «قسد» أعلنت في وقت سابق تصديها لمحاولات توغل في المنطقتين. والمنطقة الممتدة من تل أبيض غرباً إلى رأس العين شرقاً ذات غالبية عربية. وتوقّع محللون في وقت سابق أن يقتصر الهجوم التركي على هذه المنطقة في مرحلة أولى. وأعلنت وزارة الدفاع التركية في بيان أن العملية العسكرية «مستمرة وفق الخطة»، مشيرة إلى السيطرة على «أهداف» لم تحددها. ودعا الأكراد الذين يمتلكون خبرة قتالية، واشنطن إلى فرض حظر جوي من شأنه أن يساعدهم في التصدي للهجوم التركي. وتلقى ترامب انتقادات واسعة اتهمته بالتخلّي عن المقاتلين الأكراد الذين شكّلوا شريكاً رئيساً لبلاده في دحر تنظيم «داعش» الإرهابي، وفقدوا وفق تقديراتهم 11 ألف مقاتل في المعارك ضده. وقال ريزان محمد، البالغ من العمر 33 عاماً، أثناء فراره وعائلته من مدينة القامشلي التي طالها القصف المدفعي ليلاً «أمس كان يوماً مرعباً»، مضيفاً «نتوجه إلى الريف خشية من تجدد القصف واشتداد المعارك، لم نعد نشعر بالأمان». وهذا ثالث هجوم تشنّه تركيا مع فصائل سورية موالية لها في شمال سوريا، بعد هجوم أول في العام 2016 سيطرت بموجبه على مدن حدودية عدة، وثانٍ عام 2018 سيطرت خلاله على منطقة عفرين الكردية. وتعتبر أنقرة وحدات حماية الشعب الكردية، العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية، «إرهابية»، وتعتبرها امتداداً لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض تمرداً ضدها منذ عقود. وبرغم إصرارها على القتال، يرى محللون أن قوات سوريا الديمقراطية لن تتمكن من صد هجوم يمتد على مناطق حدودية واسعة خصوصاً في ظل قصف جوي يستهدفها. ويقول الباحث في مركز الأمن الأميركي الجديد نيكولاس هيراس: «تركيا والفصائل السورية معها ستخرق دفاعات قوات سوريا الديمقراطية وتشكل ثغرة فيها»، ولكن السؤال الأساسي بالنسبة إليه «يكمن في معرفة إلى أي مدى ستتقدم تركيا قبل أن توقفها الأطراف الدولية والإقليمية». وبدأت العملية التركية، أمس الأول، بعد يومين من سحب واشنطن بين 50 ومئة جندي من نقاط حدودية بقرار من ترامب، ما أثار انتقادات واسعة من سياسيين أميركيين بينهم كبار الجمهوريين، إذ اعتبر بمثابة تخل عن الأكراد، الأمر الذي نفاه الرئيس الأميركي، واعتبر الهجوم التركي «فكرة سيئة».
مشاركة :