اتسعت تداعيات المغامرة العسكرية التركية في سوريا وانتهاكاتها للمياه الإقليمية القبرصية وانعكست في انحدار سعر صرف الليرة ومؤشرات الأسهم، بعد أن أثارت مخاوف الأسواق من تعرض الاقتصاد التركي المتعثر لعقوبات جديدة. لندن - واصلت الليرة التركية تراجعها أمس لتتسع خسائرها إلى أكثر من 4 بالمئة منذ بداية التلويح بالمغامرة العسكرية في سوريا، في وقت فقد فيه مؤشر الأسهم الرئيسي في بورصة إسطنبول نحو 6 بالمئة خلال الأيام الماضية. وبلغ سعر صرف العملة التركية أمس 5.88 ليرة للدولار مع تزايد قلق الأسواق والمستثمرين من ردود فعل عالمية متزايدة تعارض تدخل أنقرة العسكري في شمال شرق سوريا، في ظل موقف ملتبس من الولايات المتحدة. وبدأت تتزايد الضغوط في واشنطن لفرض عقوبات أميركية على تركيا قد تتضمن استهداف التعاملات العسكرية لأنقرة وأصولا أميركية خاصة بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وارتفعت تكلفة التأمين على ديون تركيا السيادية ضد مخاطر التخلف عن السداد أمس إلى أعلى مستوياتها في شهر، بعد تصاعد ظهور جبهة عالمية صلبة معارضة لتدخل أنقرة العسكري في سوريا. وبحسب بيانات آي.أتش.أس ماركت، ارتفعت عقود مبادلة مخاطر الائتمان التركية لأجل خمس سنوات إلى 396 نقطة أساس مقارنة بنحو 388 نقطة أساس في نهاية تداولات يوم الأربعاء. كما تراجعت سندات تركيا الدولارية أمس للجلسة الرابعة على التوالي، وتعرضت الإصدارات طويلة الأجل لأشد التراجعات، لتنخفض السندات التي تستحق في 2045 إلى أدنى مستوياتها في أسبوعين، بحسب بيانات تريدويب. وقفزت مؤشرات تقلبات الليرة التركية إلى أعلى مستوياتها في ثلاثة أسابيع بعد انحدار الليرة. وأظهرت بيانات من فينكس ارتفاع مؤشر تقلبات أسبوع واحد إلى 10.35 بالمئة، في حين قفز مؤشر عام واحد إلى 17.8 بالمئة، مسجلا أعلى مستوياته في أربعة أسابيع. وواصل المؤشر الرئيسي للأسهم التركية، الذي يضم أكبر 100 شركة، تراجعه أمس في بورصة إسطنبول لترتفع خسائره إلى أكثر من 6 بالمئة خلال الأسبوع الحالي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد هدد قبل يومين بـ”تدمير اقتصاد تركيا والقضاء عليه” إذا ما قامت أنقرة بأي أفعال يعتبرها “تتجاوز الحدود” في سوريا، بعد أن كان قد أعلن في وقت سابق أنه لن يمنع غزوا تركيا للمنطقة. وقال ترامب في تغريدة على موقع تويتر: “كما ذكرت بقوة في وقت سابق، ومن أجل أن أؤكد: إذا ما قامت تركيا بأي أفعال، أعتبرها، بحكمتي العظيمة التي ليس لها مثيل، أفعالا تتجاوز الحدود، فإنني سوف أدمر الاقتصاد التركي وأمحوه تماما (كما فعلت من قبل)” في إشارة إلى العقوبات على تركيا العام الماضي. ونقلت وكالة بلومبرغ للأخبار الاقتصادية عن كريستيان ماجيو، رئيس استراتيجية الأسواق الناشئة في شركة تي.دي للأوراق المالية في لندن، قوله إن “العملية العسكرية لا تحمل خيرا للأسواق. ومن ثم فإن الخيار سيكون بين ما هو شديد السوء وما هو سيء”. ويؤكد المحللون أن مغامرات أردوغان تهدد بانهيار ثقة الأسواق والمستثمرين الهشة بمستقبل الاقتصاد، إذا ما تعرض لعقوبات أوروبية وأميركية جديدة. ونسبت بلومبرغ إلى الخبير المالي التركي بوراك دميرشيوغلو قوله إن “ترك الولايات المتحدة الساحة لتركيا يعني أيضا ترك تركيا تتحمل التكاليف والمسؤولية وحدها”. وأضاف أن “الأسواق ربما تظل مضطربة حتى يكون هناك بعض الوضوح” في تداعيات المغامرات التركية. وهدد عضو مجلس الشيوخ الأميركي ليندسي غراهام، باستخدام سلطة الكونغرس لفرض عقوبات اقتصادية على تركيا. وقال لقناة فوكس نيوز “سوف أبذل ما في وسعي لفرض عقوبات على جيش تركيا واقتصادها”. وتفاقمت مخاطر تعرض تركيا لعقوبات اقتصادية بعد توسيع أنقرة لانتهاكها للمياه الإقليمية القبرصية بإرسال سفينة للتنقيب عن النفط والغاز إلى جنوب الجزيرة، الأمر الذي أثار قلق الاتحاد الأوروبي، الذي لوح بفرض عقوبات على تركيا لانتهاكها سيادة أحد أعضاء التكتل الأوروبي. واتسعت جبهة المعارضة بعقد قمة لحوار الطاقة بين مصر واليونان وقبرص في القاهرة لتعزيز جبهة التصدي لأطماع تركيا في موارد النفط والغاز في شرق البحر المتوسط، والتي تلتقي مع جبهة عالمية واسعة لمواجهة انتهاكات أنقرة للمياه الإقليمية القبرصية. وتأتي القمة عقب إصرار أنقرة على استفزازاتها بشأن غاز شرق البحر المتوسط، وإرسال سفينة خامسة للتنقيب عن الغاز في المياه الإقليمية القبرصية يوم السبت الماضي إلى جنوب الجزيرة، الأمر الذي يثير قلق مصر بسبب قرب المنطقة من مياهها الإقليمية. وكان التوتر مع القوى العالمية المحور الأساسي لأزمات تركيا المالية والاقتصادية، حيث فجرت العقوبات التي فرضتها واشنطن العام الماضي بسبب احتجاز أنقرة لقس أميركي، أزمة مالية كبيرة. وأدت تلك الأزمة إلى فقدان الليرة لأكثر من 30 بالمئة من قيمتها ودخول الاقتصاد في الركود منذ ذلك الحين. ويشير تراجع الليرة الحاد إلى أن المغامرات الجديدة للرئيس أردوغان يمكن أن تسقط الاقتصاد التركي المتعثر بالفعل في أزمة جديدة طاحنة. ShareWhatsAppTwitterFacebook
مشاركة :