أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد، المسلمين بتقوى الله عز وجل والعمل على طاعته واجتناب نواهيه. وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم “إن المال تتوقف عليه الحياة في أصلها ، وفي كمالها ، وفي سعادتها ، وفي عزها ، بالمال يأكل الإنسان ويشرب ، ويلبس ويسكن ، وبالمال يصنع غذاءه ولباسه ، وسكنه ، وسلاحه ، والمال محتاج إليه في الصحة ، والعلم ، وفي القوة ، والبنيان ، وفي العمران ، وفي السلطان ، والمال قضت سنة الله أن يكون هو عصبَ الحياة ، ومعاشَ الأحياء ، جعله الله قياما للناس، مبينا أن قيام الشيء مابه يحفظ ويستقيم ، فالمال قوام المعاش ، وقوام المصالحِ العامة والخاصة. وأبان أن حفظُ المال من المقاصد الكبرى في شرع الله، ومن الضروريات الخمس في دين الإسلام، حيث ورد ذكره في كتاب الله أكثر من ثمانين مرة ، مشيراً الى أن للمال حرمته ومكانته ، ففي الحديث الصحيح: “لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب من نفسه ، ومن حلف على يمين صبر كاذبا متعمدا يقتطع بها مال أخيه المسلم لقي الله وهو عليه غضبان” وحديث بن مسعود رضي الله عنه، “ومن قتل دون ماله فهو شهيد”. وقال فضيلة الشيخ ابن حميد، إن الله تعالى امتن بالمال على عباده ، وجعله مثوبة وخيرا إحسانا منه سبحانه وفضلا ، وقال عليه الصلاة والسلام لعمرو بن العاص رضي الله عنه : ” نعم المال الصالح للمرء الصالح ” رواه أحمد بسند على شرط مسلم ، وقال عليه الصلاة والسلام : ” وما نفعني مال كمال أبي بكر “، موضحاً أن اللهُ سبحانه جعل المال قَواما للأنفس ، وأمر بحفظه ، ونهى أن يؤتى السفهاءَ من الرجال والنساء والأولاد وغيرِهم ، ومدحه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : ” نعم المال الصالح للمرء الصالح “. وأفاد أنه من فوائد المال كما يقرر ابن القيم أنه قِوام العبادات والطاعات، وبه قام سوق بر الحج والجهاد، وبه حصل الإنفاق الواجب والمستحب ، وحصلت قربات الوقف ، وبناءُ المساجد والقناطر وغيرِها ، وعلى المال قام سوق المروءة ، وظهرت صفحة الجود والسخاء ، ووُقِيَتْ الأعراض ، واكتسبت الإخوان والأصدقاء ، وتوصل الأبرار إلى درجات العلى ، ومرافقةِ الذين انعم الله عليهم ، فهو مِرقاة يُصعد بها إلى أعلى غرف الجنة ، ويهبط منها إلى أسفل سافلين ، وهو مقيمُ مجدِ الماجد ، كان بعض السلف يقول: ” لا مجد إلا بفعال ، ولا فعال إلا بمال”، وكان بعضهم يقول: ” اللهم إني من عبادك الذين لا يصلحهم إلا الغنى”. وأوضح فضيلته أن المال من أسباب رضا الله عن العبد كما كان من أسباب سخطه عليه ، وهذا أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، والزبير ، وعبدالرحمن بن عوف رضوان الله عليهم وغيرهم من أفضل جمهور الصحابة مع الغنى الوافر ، وتأثيرهما في الدين أعظم من تأثير أهل الصفة ، مبيناً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعته، وأخبر أن ترك الرجل ورثته أغنياء خير له من تركهم فقراء ، وأخبر أن صاحب المال لن ينفق نفقة يبتغي بها وجه الله إلا ازداد بها درجة ورفعة ، وقد استعاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفقر ، وقرنه بالكفر ، فالخير نوعان : خير الآخرة والكفر مضادة ، وخير الدنيا والفقر مضادة ، فالفقر سبب عذاب الدنيا ، والكفر سبب عذاب الآخرة ، والله سبحانه وتعالى جعل إعطاء الزكاة وظيفة الأغنياء ، وأخذها وظيفة الفقراء ، وفرق بين اليدين شرعا ، وقدرا ، وجعل يد المعطي أعلى من الآخذ ، وجعل الزكاة أوساخ المال ، ولذلك حرمها على أطيب خلقه وعلى آله صيانة لهم وتشريفا ، ورفعا لأقدارهم. وأكد إمام وخطيب المسجد الحرام أن المال له دور عظيم في حفظ نظام الحياة والأحياء ، وتحقيق التقدم والعمران ، ودون مراعاة ذلك يفسد نظام العالم ، ويتوقف عطاؤه ، وينهدم عمرانه ، العبد مسؤول عن ماله من أين اكتسبه ، وفيما أنفقه ، فالمال ليس مقصودا لذاته ، وإنما هو للإنفاق ، ودوران التجارة ، والاستثمار ، والانتفاع ، وابتغاء فضل الله ، وبلوغ رضوانه، والمال نعمة من الله به قوام الحياة ، أمر الله بالسعي لجمعه من حلال وإنفاقه في حلال. وأشار فضيلة الشيخ ابن حميد إلى أن المال ليس مرفوضا لذاته ، بل قد يكون فيه الخير الكثير قال صلى الله عليه وسلم : ” إنما الدنيا لأربعة نفر : عبدٍ رزقه الله مالا وعلما فهو يتقي فيه ربه ، ويصل فيه رحمه ، ويعمل لله فيه حقا فهذا بأفضل المنازل” ، وليس التشمير في الدنيا مقصورا على المعاد دون المعاش ، بل المعاش ذريعةٌ إلى المعاد ، ومعين عليه ، فالدنيا مزرعة الآخرة ومدرجة إليها. وأفاد بأن حب الإنسان للمال حب فطري ، وغريزة حب التملك والاقتناء من أقوى الغرائز الإنسانية فتدفعه لتحصيله وتثمينه وادخاره وحفظه ، موضحاً أن المال له أسباب تحفظه ومنها “أداءُ حق الله فيه من الزكوات ، والصدقات ، ووجوه الإحسان ، وصلة الأرحام ، وتفقدُ المساكين والمحاويج ، والاعتدالُ في الإنفاق من غير إسراف ولا تقتير ، وتجنبُ أكل الحرام ، ومسالكِ الحرام من السرقة ، والغصب ، والغلول ، والرشوة ، والغش ، والاختلاس ، والاحتكار ، والميسر ، والقمار ، وتعمدِ الإتلاف والإفساد ، وكلَّ أنواع أكل المال بالباطل : ” فكل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ” ، فالمال قرين الدم والعرض ، وأمر بحفظ أموال اليتامى ، والقاصرين ، ومن أكل فإنما يأكل في بطنه نارا. وأوضح فضيلته أن الله سبحانه وتعالى جعل المال سببا لحفظ البدن ، وحفظ البدن سبباً لحفظ النفس ، والنفس هي محل معرفة الله والإيمان به وتصديق رسله ومحبته والإنابة إليه ، فالمال سبب عمارة الدنيا والآخرة ، وإنما يذم منه ما استُخرج من غير وجهه ، وصُرف في غير حقه ، واستعْبَد صاحبه ، وملك قلبه ، وشغله عن الله والدار الآخرة ، فيذم منه ما يَتَوصل به صاحبه إلى المقاصد الفاسدة ،أو شغله عن المقاصد المحمودة ، فالذم للجاعل لا للمجعول. وفي المدينة المنورة تحدث إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ صلاح بن محمد البدير عن فضل صنع المعروف بين الخلائق, ونفع الناس لبعضهم, وبذل الخير والعطايا والشفاعة بين المتخاصمين, بوصفها قضاء للحوائج, ونشر للفضيلة والمكارم ومحاسن الأخلاق. وقال فضيلته في خطبة الجمعة إن النفّاع المعوان من نفع الناس بماله وجاهه وعلمه وخلقه وإحسانه الخصب في نَداه, والخير في عداه, والنفع في مسعاه, قدره رُحاب, وكفّه سحاب, يواظب على الصِلات والهبات والصدقات, ويجبر الكسير, ويتفضّل على المسترفد, وينقذ المستغيث المستنجد, ويعلّم الجاهل المسترشد, ويرحم اليتيم, ويمسح دمعة الحزين, ويخالط الناس بالحب والإحسان واللين, مبيناً أن أنفع الخلق للخلق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم (عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ). وذكر أن من بذل جهده لنفع العباد عاش صدراً معظماً, ووجهاً مبجلاً, عذبت ممادحه بأفواه الورى, فثناؤه ينتاب كل مكان يعلو قدره ويحلو ذكره. وقال إمام وخطيب المسجد النبوي : من الناس من لا درٌّ لضرعه ولا مطمع في نفعه, وبعض الرجال نخلة لا يجنى لها, ولا ظلّ إلا أن تعدّ من النخل , فكن للخلق نفّاعاً وللمحتاج مطواعاً, ومدّ في الخير باعاً وباعاً, فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ألا أخبركم بخيركم من شركم؟ فقال رجل: بلى يا رسول الله, قال : خيركم من يرجى خيره ويؤمن شرّه, وشركم من لايرجى خيره ولا يؤمن شرّه) أخرجه ابن حبان. وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( أحبّ الناس إلى الله أنفعهم للناس, وأحبّ الأعمال إلى الله عزّ وجلّ سرورٌ تدخله على مسلم, أو يكشف عنه كربةٌ, أو يقضي عنه ديناً, أو تطرد عنه جوعاً, ولأن أمشي مع أخٍ لي في حاجة أحبّ إليّ من أن أعتكف في هذا المسجد شهراً) أخرجه الطبراني. وحثّ فضيلة الشيخ صلاح البدير على بذل المعروف بين الناس قائلاً : ابذل المعروف وأجب الملهوف, ولا تحقرن صلة تهديها, ولاتستصغرن خدمة تسديها, فمثاقيل ذرّ الشرّ يجدها العامل محصلة مفصّلة, ومثاقيل الخير يجدها العامل موفورة مدّخرة, فلا تمنعنّ رفدك, ولا تمسكن فضلك, ,لا تحبسن خيرك, ولا تبخل ولا تضجر من السائل صاحب الحاجة, أعطه قليلاً أو رده رداً جميلاً. وبيّن فضيلته أن الشّفاعة بين الناس تندب بالخير لأنها نفع يعود بين المفضل على المشفوع له, ومن شفع شفاعة حسنة يرجو بها نفع الخلق وقضاء حوائج الناس فقد أجزل النّوال ونال محمدة الرجال, مورداً ما رواه أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أتاه طالب حاجة أقبل على جلسائه فقال : اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيّه ما أحبّ ) متفق عليه . وأضاف أن كل من يشفع في مبلغ برّ أو تيسير عسرٍ أو جلب خير أو دفع شرّ أو صلح بين متخاصمين أو في بلوغ حقّ للمشفوع له كان له نصيب من خير تلك الشفاعة وثوابها, ومن شفع في إبطال حق أو إحقاق باطل أو إقرار ظلم أو تقديم غير المستحق على المستحق أو إنالة غير المؤهل وإقصاء المؤهل أو توظيف المشفوع له على حساب حرمان آخر هو أولى ممن شفع له فعليه وزر من تلك الشفاعة السيئة الظالمة, قال تعالى : ” مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا “.
مشاركة :