يبدو أن الفائز بلقب «محبوب العرب» محمد عساف في حيرة من أمره، أو هو لم يدرك معنى اللقب الذي حظي به من خلال شاشة التلفزيون، أو أن اللقب المسبغ عليه تلفزيونياً لم يفده كثيراً في تثبيت رجليه في عالم الغناء القاسي، وإن بدا لكثر أنه عالم خلاّب تفوق فيه الألوان والأضواء ما عداها من مران ودربة صعبة كتلك التي ميزّت نجوم «الزمن الجميل». ليس الأمر كذلك اليوم. يكفي شركة إنتاج فنية كبيرة، أن تقف وراء «نجم» من نجوم هذه الأيام حتى تغيّر كثيراً من شأنهم من خلال الدعاية وحدها. وما نشاهده اليوم قد يفي بحقيقة القول، أو لا يتعدى التعليق على حقيقة واحدة أن الدعاية قد تتبّخر إن لم يقم «النجم» بواجبه تجاه موهبته التي قد لا تكفي هنا للصمود والمناطحة من أجل البقاء والتفرد في عالم ليس وردياً كما يتخيل بعضهم، على رغم حسن الوفادة التلفزيونية التي تتبع الفوز بهذا اللقب أو ذاك. وقد يبدو كلاماً مكروراً ومستعاداً الإصرار على حرف هذه الكلمات عن مسار الترحيب الذي لقيه «الفتى» محمد عسّاف منذ حظي باللقب الجميل. نعم لقب جميل. فأن يطل المغني الموهوب من شاشة عملاقة على جمهور يمتد على مساحة العالم العربي، فهذا أمر لم يحلم به عبد الحليم حافظ في زمنه. وربما نكتشف الآن أو بعد حين أن هذا لعب دوراً كبيراً في صقل موهبته، فلم تضع بين الأضواء الشديدة الإغراء. وسيصدق كثر أن العندليب لم يكن يعاني جسدياً فقط، بل وكان يعمل من دون كلل على صقل موهبته، حتى أن مطولاته الغنائية كان يستمر بالتدرب عليها عاماً أو عامين قبل أن يطلقها في هذا العالم الرحب الذي لا يعرف أو يقف عند حدود. اليوم نقرأ ونتحسر حين نكتشف في الأروقة الخلفية لعالم «محبوب العرب» أنه يقضي وقته بالتنافس مع زميله في البرنامج ذاته أحمد جمال على «خلافة» عبد الحليم حافظ. وهنا تكمن الطامة الكبرى في مسيرة هذا الفتى الموهوب، فالتنافس حسم أساساً لمصلحته، هذا أولاً، وثانياً كان بإمكانه ألا يتحمل عناء رحلته إلى دبي والنوم على عتبات الفندق حتى يسمحوا له بالاشتراك في البرنامج والاستمرار بالتنافس على لقب «العندليب الأسمر الجديد» من مكان إقامته في غزة، لأن هذا لن يضيف شيئاً جديداً له إن استمر بهذا المنوال في الأداء. وبعيداً عن العندليب – المثال، فإن موهبة لودفيغ فان بيتهوفن – مثلاً - لم تكن كافية لولا قسوة المران والتدرب المكلف التي ميزت تجربة هذا المؤلف الموسيقي العبقري عبر كل الأزمنة، وإلا كيف وبماذا يُفسر أن معظم مؤلفاته الكبيرة كتبت وهو أصم ولم يتسن له أن يستمع إليها على رغم كل المحاولات الفيزيائية التي جربها من أجل ذلك وكان يكتفي بدمعة وتعزية نفسه بأنه سيسمعها يوماً ما.
مشاركة :