حرب العصابات... الإستراتيجية الجديدة لـ «داعش»

  • 5/6/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

درج يزن جبوري على التنصت على اتصالات «داعش» في معركة تكريت. «كنت استمع الى حديثهم على اجهزة اللاسلكي، وكانت علامات الخوف تشوب اصواتهم حين يلمحون دبابة «أبرامز» مزودة بكاميرا رصد حراري»، يقول هذا المقاتل السنّي الذي يعمل مع قوات الأمن العراقية في قتال استعادة مدن سيطر عليها «داعش» العام الماضي في شمال وغرب البلاد. ومنذ ستة أشهر، يتابع جبوري تحركات «داعش»، وصار يعرف اعداءها عن كثب. ففي تكريت، قسم «داعش» المدينة الى عدد من القطاعات المستقلة. «و هكذا، حين كان سلاح الجو يترصد مقاتلي التنظيم لضربهم، وسع الجهاديين المكوث في مكانهم عشر ساعات من غير حركة»، يقول هذا المقاتل. ويشرف على كل مجموعة قتال مسؤولٌ ديني يبث الحماسة في صدور الانتحاريين ويقرأ على مسامعهم آيات من القرآن. «يسمي داعش الانتحاري بالعريس. والأرجح ان وراء التسمية هذه وعد بالزواج من عشرات العذارى حين ينفّذ كل منهم جريمته»، يقول يزن جبوري وهو يبتسم. معركة تكريت كانت منعطفاً في الحرب على «الدولة الإسلامية». فهذه «الدولة» اختارت ألا تتواجه مع القوات العراقية التي يؤازرها قصف قوات الائتلاف الدولي. فـ «الجهاديون» انسحبوا، وتركوا وراءهم عشرات الكاميكاز، مجموعة من الشباب الانتحاريين يتحدرون من شمال افريقيا وأوروبا. ويرى محلل عسكري غربي ان استراتيجية «داعش» الجديدة ترمي الى تجنب المواجهات الكبيرة وتجنب سقوط عدد كبير من القتلى في صفوفها. فـ «داعش» استخلص دروس معركة كوباني ضد اكراد سوريين: في هذه المعركة كان مقاتلو التنظيم هدفاً مكشوفاً امام ضربات الائتلاف (الدولي). فوقع تجاذب في صفوف قياداته. ووجه مقاتلون اجانب سهام النقد الى العراقيين والمقربين من زعيم التنظيم، ابو بكر البغدادي، واخذوا عليهم ارسال عدد كبير من الشباب الى حتفهم والتفريط بهم». فعدل «داعش» عن تسيير أسراب مصفحة على متنها مئات الرجال. ومع تعاظم وتيرة القصف الأميركي، انتقلت «الدولة الإسلامية» من الحرب التقليدية الى قتال غير متكافئ قوامه هجمات صغيرة تشنها وحدات صغيرة. اليوم يضطر «داعش الى التنقل في الليل، وأمواله تنفد وهو تحت الضغط»، يقول الخبير العسكري. ومع خسارة «داعش» مناطق في العراق، تعم مشاعر الريبة والاضطهاد وجنون العظمة قياداته. ووراء إبطاء البغدادي وتيرة تجنيد المتطوعين من ألمانيا وفرنسا والمغرب والأردن والسعودية، شعوره بالقلق ازاء احتمال تسلل العملاء الى صفوف رجاله. وصار يميل الى شبكات تجنيد موثوقة، مثل الشبكات الشيشانية وشباب الإويغور القادمين من تخوم الصين وآسيا عبر تركيا. وأحاط خليفة «داعش» نفسه بمستشارين عراقيين ومصريين من اصحاب الخبرة، وقلّص مخصصات مجلس الشورى المؤتلف من غير العراقيين. ويعزز «داعش» قبضته على السكان من طريق القمع. وشيد صدّاميون سابقون نظام ضبط اجتماعي يحاكي نظيره البعثي الآفل. «صادروا كل سجلات الناس من مخافر الشرطة والقواعد العسكرية، وحفظوا البيانات في اجهزة كمبيوتر واستعانوا بمخاتير الشوارع الذين يمدونهم بمعلومات عن النازحين واللاجئين. ويستعملون هذه المعلومات في محاكمهم الإسلامية»، يقول أرثور كيسناي، باحث خبير في شؤون العراق. والكفيل هو عقدة السلسلة الأمنية الداعشية. ويروي ياسر أن عائلته التي لم يتسنّ لها مغادرة الفلوجة تضطر الى استئذان الكفيل لمغادرة المدينة، وهي اول المدن التي وقعت في قبضة «داعش» في كانون الثاني (يناير) 2014. «قريبي يضطر الى مقابلة من يتولى الرقابة على اسعار السوق في الحسبة ليشرح له اسباب حاجته الى زيارة بغداد طوال اسبوع وشوقه الى والده المقيم هناك. فيكتب هذا الوسيط رسالة يحملها قريبي الى قاضي المحكمة الإسلامية الذي بدوره يرسل ملفه الى استخبارات داعش التي تتولى التحقق من عدد اعضاء عائلته الذين غادروا الفلوجة. وهذه الإجراءات تدوم عشرة أيام أو اسبوعين. وإذا كان جواب الاستخبارات ايجابياً، ينال قريبي إذن خروج من «داعش». وإذا لم يعد في الوقت المحدد، يقتل التنظيم الكفيل الذي ضمنه في بداية الإجراءات». وفي الموصل يدمر داعش منازل الفارين من المدينة. وعلى خلاف ما هي الحال في الفلوجة، يحظر استخدام الإنترنت والتلفون الخليوي في هذه المدينة الواقعة في الشمال. ويتولى مسؤولون محليون - الوالي والأمراء ومسؤولو الحي - في الموصل ادارة أوجه الحياة اليومية. ووحدات القتال مستقلة وتعتمد على ادارة ذاتية قيد المداورة مسلط فيها على المسؤولين المحليين في المدينة الواقعة في قبضة «داعش». ويرى خبير عسكري أن المقاتلين ينضوون في وحدات قتالية صغيرة يفرط عراها «داعش» دورياً ويشكّلها من جديد. فتقاتل هذه الوحدات طوال اسابيع قليلة (3 الى 4 اسابيع) قبل إرسالها الى جبهة جديدة. واغتيل، أخيراً، بواسطة مسدس كاتم للصوت عشرات الجهاديين في وسط الموصل. ولكن من المسؤول عن التصفية هذه، أهي إدارة «داعش» أم عملاء بغداد؟ وتشن «الدولة الإسلامية حملات تفتيش من بيت الى بيت بحثاً عن اتصالات بالشبكة الإلكترونية وتعاقب من يقصد هضاب الموصل أو مناطقها المرتفعة لإجراء اتصال هاتفي»، يقول المحلل سعود موراني. وتلاحق «الدولة الإسلامية» الوشاة والخونة. وتستهدف الشرطيين السابقين، «إثر السيطرة على مقاليد قرى عراقية العام الماضي، اضطر رجال الشرطة الذي يدينون بالولاء لبغداد الى اعلان التوبة أمام مسؤولي داعش... ثم شن الجيش هجمات على المدن الواقعة تحت سيطرة داعش. فدارت الشبهات على الشرطيين السابقين. وكثر منهم يعيشون في عزلة وفقدوا عملهم»، يروي قاسم وهو جندي مغوار في الجيش العراقي. وإثر الهجمات الجوية والبرية الأميركية والفرنسية والبريطانية، صار الخليفة يتنقل بين الموصل والمناطق الحدودية الواقعة على الحدود مع سورية مثل البعاج. وموكبه صغير يقتصر على ثلاث مركبات تفصل بينها مسافة كلم حين تسير. وهو عيَّن خليفة له تحسباً لاحتمال موته. وقتله لن يقضي على «داعش» وبعض الضباط والمُلازمين لجأوا الى مخابئ تحت الأرض في سلسلة أنفاق بعضها يمتد 700 متر ويخزن فيها التنظيم السلاح الثقيل. وردمت، اخيراً، القوات العراقية نفقاً يصل بين شارعين في الرمادي. ولا شك في ان «داعش» يرى نفسه على انه حركة سرية يصعب سبر أغوارها، وهي تأتلف من حوالى 50 شخصاً، منهم عملاء استخبارات سابقون في نظام صدام حسين وضباط في حرسه الثوري وقوات أمنه الخاص وعشرات المقاتلين الأجانب الذين قاتلوا في افغانستان والشيشان واليمن. وفي بعض المناطق، بدأت عمليات الانسحاب «الداعشي» الإستراتيجي من بعض المناطق والمواقع المكشوفة، في جوار كركوك على وجه التحديد. وأشارت معلومات الى عمليات نقل معدات طبية الى شمال العراق وسورية. ومن اولويات «داعش» الدفاع عن وادي الفرات في غرب العراق والإعداد للصمود في مواقعه في الموصل وسنجار. وعدد مقاتلي التنظيم يبلغ نحو 35 ألفاً في العراق وسورية، بينهم 15 ألف أجنبي. ومصير التنظيم مهدد عسكرياً وهو رهن دعم السكان المحليين. وإذا «فقد الدعم الشعبي وأخفق في إنشاء حركة وطنية سنية، مُني بهزيمة عسكرية»، يقول أرتور كيسناي. ولا يستخف المحلل بـ «أدوات» تفوّق «داعش» على الجيش العراقي: مجموعة قناصة منتشرة في الأماكن السكنية وعشرات آلاف المتفجرات الجاهزة للاستخدام في حرب العصابات المشرفة على الاندلاع.

مشاركة :