أسلوب فني معاصر يستخدم التطريز لتسليط الضوء على الهوية الفلسطينية

  • 10/12/2019
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

يعكس أسلوب التطريز الفلسطيني التقليدي ارتباط الإنسان القوي بالأرض والوطن. تقوم مصممتان أردنيتان من خلال أسلوب فني مبتكر باستخدام التطريز في إعادة تناول التاريخ وتقديمه للجمهور في قالب عصري حديث. لقد كان فن التطريز منذ ظهوره بمثابة وسيلة للسرد ودليل على الثراء، وانعكاس للوضع الاجتماعي، وتجسيد للهوية العرقية والمعتقدات. وتحاول اليوم مصممتان العمل على تحويل الأعمال الفنية الداخل فيها فن التطريز من قطع ضعيفة نسبيًا إلى قطع تتسم بالمتانة والاستدامة، الأمر الذي يساعد بدوره ليس فقط في الحفاظ على التراث الفلكلوري لأمة مضطهدة، ولكن أيضا الاحتفاء بهذا التراث. استلهمت المهندسة نسرين أبوديل وشقيقتها مصممة الجرافيك نرمين أبوديل إبداعاتهما الفنية من التراث الفلسطيني، ومن ثم قامتا بتأسيس «مجموعة نقش» في عام 2010 في عمّان بالأردن، حيث تعمل الشقيقتان على إعادة صياغة أنماط التطريز والوحدات الزخرفية النسجية في قالب فني حديث، وتقوما بتصميم قطع فنية مصنوعة من مواد متينة مثل: الحجر والنحاس والرخام. ومن ثم، فإن إبداعاتهما الفنية تختلف عن الطرق المجازية المعتادة المستخدمة للتعبير عن الهوية الفلسطينية، حيث يطرحان منظورًا جديدًا للتفكير بشأن واحدة من القضايا الرئيسية في عصرنا الحالي. ومن جانبها، تقول نسرين: «إن التطريز أكثر من مجرد إضافة عناصر للزخرفة، لأنه فن يجسد قصة أمة وحياتها وذكرياتها وتعبيراتها وإضافاتها للبيئة. ومن ثم، فإن فن التطريز بمثابة كنز جماعي. وتصبح القطع الفنية التي يتم إبداعها من خلال استخدام وسائط متينة مثل الحجر والخشب والنحاس، أكثر استدامة، مما يساهم في الحفاظ على الهويات التي تجسدها هذه الأعمال للأجيال القادمة». يتمتع فن التطريز الفلسطيني بتاريخ ثري. فقد كان من الممكن للمرء، حتى الأربعينيات من القرن الماضي من خلال الغرز والألوان المستخدمة في الملابس، أن يتعرف على أصول مرتديها وحالته الاقتصادية ومكانته الاجتماعية. وترى المؤرخة حنان منير، الشريك المؤسس لمؤسسة «التراث الفلسطيني» في نيوجيرسي أن كل قرية في فلسطين، كما هو الحال في أجزاء أخرى من منطقة الشرق الأوسط، لها وحدات زخرفية تعكس هويتها، ومن بين الوحدات الزخرفية المستخدمة أشكال مثل: القمر والنجمة الثُمانية، وأوراق النخيل، والطيور، وهناك وحدات زخرفية أخرى الغرض منها الحماية من العين الشريرة مثل: الماس والمثلثات. أدخلت نسرين ونيرمين بُعدًا معاصرًا لتلك الأنماط يساهم في تخليدها من خلال استخدام وسائط أكثر متانة. فقد أبدعت المصممتان شالاً عبارة عن لوحة حائطية من خشب الجوز محفور عليها أشكال تقليدية ومُطعمة يدويًا بنقش من النحاس وقطع من المعدن، وكان هذا العمل واحدًا من ثماني قطع تم وضعها العام الماضي في القائمة النهائية لجائزة جميل 5، وهي جائزة تمنح كل عامين للفن والتصميم المعاصر المستوحى من التقاليد الإسلامية. وبما أن التطريز كان يُستخدم إلى حد كبير على ملابس النساء، فإن عمل المصممتين يسلط الضوء على قصص لا حصر لها لآلاف من النساء في المنطقة. وتشير نسرين إلى هذه النقطة بقولها: «يُظهر التطريز كيف أن كافة النساء من جميع أنحاء المناطق المختلفة في الشرق الأوسط مرتبطات بصورة قوية بأوطانهن، وينعكس هذا الارتباط من خلال حرفة التصميم. ومن ثم، نرى وحدات زخرفية في ملابس النساء لأشكال حيوانات ونباتات من البيئة المحلية، فضلاً عن أشكال تعبر عن القيم الثقافية وطقوس الزفاف والموت وما إلى ذلك. لقد كان التطريز بمثابة طريقة للتواصل بالنسبة لنساء المنطقة، وكذلك وسيلة للتعبير عن أنفسهن». وتظهر العلامات الجغرافية بشكل أكثر وضوحًا في بعض القطع الفنية الأخرى، وهي تجسد جوهر الهوية الفلسطينية. وفي معرض فردي أقيم في جاليري «طبري آرت سبيس» في المركز المالي العالمي بدبي هذا الصيف، عرضت الشقيقتان عملا فنيًا بعنوان «عَكَّا» أو عكو كما يعرفها الغرب، وهو عمل من الرخام والنحاس يصور مجموعة من الشباب يقفزون من سور عكا إلى الماء في الأسفل. وتعد عَكَّا واحدة من أقدم الأماكن على وجه الأرض التي كانت آهلة دومًا بالسكان. ولا تزال المدينة مع بقايا التحصينات التي تعود إلى القرن الحادي عشر، تحرس ميناءها، وتوفر كذلك مكانا يقفز من خلاله الشباب المراهقون من أبناء البلدة إلى المياه. وشاركت «مجموعة نقش» في معرض فينيسيا ديزاين لعام 2018 في إيطاليا بطاولتين من الحجر: الطاولة الأولى حملت اسم «أم السراب»، وهي مصنوعة من البازلت والنحاس ومستوحاة من وحدة تطريز زخرفية اسمها «خيمة الباشا»، بينما استوحي تصميم الطاولة الثانية، التي حملت اسم «أم قيس» والمصنوعة من رخام بوتيشينو والنحاس، من وحدة زخرفية أخرى هي «شجر النخيل». وكانت الطاولتان جزءًا من مجموعة فنية بعنوان «الوحدة». وتعتبر مجموعة الغرز، التي تشكل عنصرا زخرفيا قائما بذاته في فن التطريز الفلسطيني، وحدة واحدة. وتقوم الشقيقتان بنقش هذه الزخارف على قطع مختلفة لتعبر عن إيمانهما بفكرة الوحدة. وترى الشقيقتان أن كل قطعة من هذه المجموعة الفنية هي عبارة عن دعوة توجه للمشاهد للتعرف والتواصل مع وطنهم وشعبهم وتاريخهم. وستشارك الشقيقتان في شهر نوفمبر القادم بسلسلة بعنوان «يافا» في فاعليات معرض «فن أبوظبي». وستوثق هذه الأعمال من خلال المعرض فلسطين من خلال الصور، بينما تضم السلسلة أيضًا قطعًا فنية هندسية مستوحاة من وحدات التطريز الزخرفية. وسوف يركز معرض آخر سيتم إقامته في دبي على الجوانب المرتبطة بفن التطريز بصورة أكبر.

مشاركة :