التنديدات الغربية تبدو غير كافية لردع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في شرق الفرات ما لم تقترن بأفعال، بحسب رأي العديد من المحللين الذين ينظرون إلى التعاطي الدولي على أنه لا يرتقي إلى حجم المخاوف الجدية من تعرض أكراد سوريا لإبادة عرقية. دمشق – تخوض قوات سوريا الديمقراطية اشتباكات عنيفة ضد القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها في شمال شرق سوريا، في محاولة لصدّ هجوم بدأته أنقرة قبل ثلاثة أيام وأجبر عشرات الآلاف من المدنيين على النزوح. يأتي ذلك مع تواصل التنديدات العربية والغربية، والتي يقول محللون إنه لن يكون لها أثر فعلي ما لم تقترن بأفعال للجم الاجتياح التركي، الذي يهدد بكارثة إنسانية جديدة في المنطقة، وحملة إبادة أخرى بحق المكون الكردي. وقالت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) الجمعة إن وزير الدفاع مارك إسبر أبلغ نظيره التركي خلوصي أكار خلال مكالمة هاتفية بأنهما بحاجة إلى إيجاد وسيلة لتهدئة الوضع في شمال شرق سوريا “قبل أن يتعذر إصلاحه” محذرا من أن التوغل التركي يحمل مخاطر عواقب وخيمة على أنقرة. وكلّف الرئيس الأميركي دونالد ترامب دبلوماسيين أميركيين ليل الخميس الجمعة بالتوسّط في “وقف لإطلاق النار” بين أنقرة والأكراد بعدما باشر سحب قوات أميركية الاثنين من نقاط حدودية في شمال سوريا بدا بمثابة ضوء أخضر لتركيا لبدء هجومها. ويعتبر كثيرون أن ترامب يسوّق لهذه الوساطة في محاولة للتخفيف من حجم الانتقادات التي تطاله، حتى من أقرب حلفائه الذين اعتبروا ما أقدم عليه خيانة في حق طرف قدّم الكثير لجهة مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية. ويرى محللون أن الدعوات الأميركية إلى التهدئة لن يكون لها أي صدى على الأرض لدى تركيا، التي تستشعر ضعف الموقف الأميركي المنقسم على ذاته. فلاديمير بوتين: لست واثقا من أنه بإمكان تركيا السيطرة على الوضع بسرعة فلاديمير بوتين: لست واثقا من أنه بإمكان تركيا السيطرة على الوضع بسرعة وقال مصدر في قوات سوريا الديمقراطية من داخل بلدة رأس العين الحدودية الجمعة “تحاول القوات التركية الهجوم من محاور عدّة لكسر خطوط دفاعنا لكن قواتنا تتصدى لها”. وذكر شهود أن مجموعات من فصائل سورية موالية لأنقرة دخلت صباح الجمعة إلى أطراف رأس العين من الجهة التركية. وقالوا إن سحبا من الدخان تصاعدت من البلدة بينما يمكن سماع أصوات رشقات وقصف مدفعي تزامنا مع تحليق الطيران. وأفاد مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبدالرحمن متحدّثا عن اشتباكات عنيفة بين الطرفين “تتركز على جبهات عدّة في الشريط الحدودي الممتد من رأس العين (الحسكة) حتى تل أبيض (الرقة)”، تزامنا مع قصف مدفعي كثيف وغارات تركية متفرقة. وأحصى المرصد مقتل سبعة مدنيين بالنيران التركية الجمعة لترتفع بذلك حصيلة القتلى المدنيين منذ بدء الهجوم إلى 17 مدنيا، بينما قتل 41 من قوات سوريا الديمقراطية في حصيلة جديدة. وأعلنت أنقرة في وقت لاحق عن مقتل أول جندي تركي وإصابة ثلاثة آخرين خلال المواجهات، غداة مقتل سبعة مدنيين من بينهم رضيع سوري، وإصابة نحو 70 بجروح في قذائف سقطت على بلدات حدودية في محافظتي شانلي أورفا ومردين، اتهمت السلطات مقاتلين أكرادا بإطلاقها. وقالت وزارة الدفاع التركية إن العملية العسكرية “تجري كما هو مخطط لها”. وغداة سيطرة الجيش التركي والفصائل على 11 قرية حدودية، تمكنت قوات سوريا الديمقراطية، وفق المرصد، من استعادة السيطرة على قريتين ليلا. وتستخدم هذه القوات، وفق عبدالرحمن، “أنفاقا وتحصينات بنتها قرب الحدود لشن هجمات مضادة وإعاقة تقدم” خصومها. والمنطقة الممتدة من رأس العين حتى تل أبيض على طول أكثر من مئة كيلومتر ذات غالبية عربية بخلاف المناطق الحدودية الأخرى ذات الغالبية الكردية. وبحسب عبدالرحمن، فإن عشرات من السكان العرب في المنطقة بدأوا القتال مع القوات التركية فور شن هجومها. ونقل مركز إعلامي مرتبط بالإدارة الذاتية الكردية عن مصدر كردي أن بعض القبائل العربية اصطفت إلى جانب القوات التركية وتحرّك خلايا نائمة لمهاجمة قوات سوريا الديمقراطية. وجراء التصعيد، باتت بلدات حدودية بأكملها شبه خالية من سكانها. ووصل الجمعة العشرات من النازحين إلى بلدة تل تمر التي تكتظ تدريجيا بالفارين إليها. وقال رياض أحمد (56 عاما) لفرانس برس “نحن هنا بلا مأكل ولا مشرب، ولا فُرش لدينا ننام عليها، خرجنا تحت وابل من القصف”. ولجأ الرجل مع عائلته إلى طابق سفلي من مبنى قيد الإنشاء، خلا إلا من سجادات وشراشف قدمها الجيران لهم. وسأل بحسرة “هل سنبقى هكذا في الشوارع مع اقتراب الشتاء؟”. فلاديمير بوتين: لست واثقا من أنه بإمكان تركيا السيطرة على الوضع بسرعة جوزيبي كونتي: استقبال تركيا للاجئين لا يمكن أن يصبح أداة ابتزاز وأعربت منظمة أطباء بلا حدود عن قلقها على مصير المدنيين، محذرة من أن التصعيد “سيفاقم من الصدمات التي تكبّدها السوريون خلال أعوام من الحرب والعيش في ظروف محفوفة بالمخاطر”. وأغلق مستشفى في تل أبيض، كانت تدعمه المنظمة، أبوابه بسبب مغادرة معظم أفراد الطاقم الطبي مع عائلاتهم. وأعلنت الإدارة الذاتية أنها ستخلي الجمعة مخيم المبروكة للنازحين، الواقع على بعد 12 كيلومترا من الحدود وتبحث عن موقع بديل لمخيم عين عيسى، لحماية 20 ألف نازح في الموقعين من القصف التركي. وأطلقت تركيا على هجومها تسمية “نبع السلام”، وتقول إن هدفها إقامة منطقة عازلة بعمق ثلاثين كيلومترا، لإعادة قسم كبير من 3.6 ملايين سوري لجأوا إلى أراضيها، في خطوة من شأنها أن تغير التركيبة الديموغرافية في تلك المنطقة. وأثار الهجوم تنديدا دوليا واسعا وخشية من انتعاش تنظيم الدولة الإسلامية مع انصراف المقاتلين الأكراد لقتال القوات التركية. وحذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الجمعة من أن الآلاف من مقاتلي التنظيم المتطرف المحتجزين لدى الأكراد قد يستعيدون حريتهم مضيفا “إنه تهديد حقيقي (…) لست واثقا من أنه بإمكان الجيش التركي السيطرة على الوضع بسرعة”. من جهته قال رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي الجمعة إن على تركيا وقف عملياتها فورا، مشددا على ضرورة ألا يذعن الاتحاد الأوروبي لتهديدات تركيا بجحافل من اللاجئين، وقال كونتي للصحافيين “الاتحاد الأوروبي لا يمكن أن يقبل الابتزاز. المساعي التركية لاستقبال اللاجئين السوريين لا يمكن أن تصبح أداة ابتزاز من أجل بادرة عسكرية لا يمكننا قبولها ولا بد أن تتوقف فورا”. وطالب وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الخميس التحالف الدولي بعقد اجتماع عاجل لكون “المعركة ضد داعش يمكن أن تُستأنف”، لأن الأخير “لا ينتظر سوى هذه الفرصة للخروج”. وأعرب الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ الجمعة في إسطنبول عن مخاوفه “الجدّية بشأن هذه العملية الجارية وخطر (تسببها) في زعزعة الاستقرار بشكل إضافي في المنطقة”. وهذا ثالث هجوم تشنّه تركيا مع فصائل سورية موالية لها في شمال سوريا، بعد هجوم أوّل عام 2016 الذي سيطرت فيه على مدن حدودية عدّة، وثان عام 2018 سيطرت خلاله على منطقة عفرين الكردية.
مشاركة :