يتابع الكاتب الصحفى محمد الشافعى فى كتاب «بطولات تتحدى الزمن»، والصادر حديثًا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، بقوله: «وعندما ناقش عبد الناصر مبادرة «روجرز» مع الفريق محمد فوزى، وافق على قبول وقف إطلاق النار لمدة ٩٠ يوما، حتى يتمكن من دفع حائط الصواريخ إلى الشاطئ الغربى للقناة، واستطاع الفريق فوزى تحريك ١٤ كتيبة صواريخ بعد غروب يوم السابع من أغسطس ١٩٧٠ لتصل إلى الشاطئ الغربى للقناة، قبل الواحدة من صباح يوم الثامن من أغسطس ١٩٧٠، موعد سريان وقف إطلاق النار طبقا لبنود مبادرة «روجرز». وانتهى الفريق فوزى من وضع خطة العبور وتحرير سيناء تحت اسم «الخطة ٢٠٠»، وكانت هذه الخطة تتعرض للتطوير كل ستة أشهر، وفى نهاية أغسطس ١٩٧٠ عقد عبد الناصر اجتماعا مصغرًا مع وزيرى الحربية والخارجية لمناقشة الاستعدادات النهائية لبدء معركة التحرير، وأكد الفريق فوزى خلال هذا الاجتماع مقدرة قواته على العبور وخوض معركة التحرير، كما أكد وزير الخارجية أن العالم مهيئ لقبول مثل هذه المعركة. والفريق محمد صادق مايسترو العمليات الخاصة، وارتكزت خطته لخوض المعركة الفاصلة على العبور إلى الضفة الشرقية للقناة، ومهاجمة النقاط الحصينة للعدو وعلى طول الجبهة، إسقاط قوات الصاعقة والمظلات عند المضايق لتعطيل احتياطات العدو، ثم انطلاق قواتنا الرئيسية لاحتلال المضايق كخط دفاع قوى، على أن يتزامن مع ذلك نقل بطاريات العدو، وتمثل عملية احتلال المضايق أهم مراحل المعركة، وذلك حتى تمنع العدو من اختراق دفاعاتنا والاتجاه غرب القناة، ومثل هذه الخطة تتطلب وجود مائة طائرة ذات مدى طويل لحماية قواتنا البرية، واستطاع الفريق (صادق) أن يأتى بعرض من انجلترا بتقديم ١٠٠ طائرة «جاجوار»، وهى طائرة لا تقل عن «الفانتوم»، ووافق السادات على شراء هذه الطائرات، ولكنه سرعان ما تراجع بحجة ضيق ذات اليد، فزار الفريق صادق السعودية والكويت، واتفق معهما على إمداد مصر بثمانين طائرة «لايتنج» وهى طائرة قاذفة مقاتلة، تحتاج إلى إدخال بعض التعديلات المطلوبة، وأرسل «صادق» ٢٠٠ طيار وفنى للتدريب على هذه الطائرات، وأتموا التدريب يوم ٢٧ أكتوبر ١٩٧٢، وقد حدد صادق بداية عام ١٩٧٣ لبدء معركة العبور، وذلك بعد استكمال متطلبات الذخيرة، ووصول الكبارى السريعة التى تم التعاقد عليها. ورغم قسوة ومرارة الهزيمة التى تعرض لها الجيش المصرى فى يونيو ١٩٦٧، فإن إبراهيم الرفاعى كان فى مقدمة الضباط الأكثر ثباتا، والأقوى عزيمة وإصرارًا، الأكبر ثقة بأن ما حدث ما هو إلا مجرد كبوة لجواد لم تتح له الفرصة لخوض السباق، وكان الرفاعى فى مقدمة الضباط الذين شاركوا فى عمليات مهمة أثناء أحداث يونيو ١٩٦٧؛ حيث قام مع بعض رجاله يوم ٧ يونيو بمهمة استطلاع قتالية على المحور الشمالي، وذلك لتعطيل قوات العدو عن التقدم، وقد نجحت هذه المهمة من خلال معركة «جلبانة»، التى تمت يوم ٨ يونيو، وتكبد خلالها العدو خسائر كبيرة فى مدرعاته بعد أن واجهتها الكتيبة ١٠٣ صاعقة، بقيادة الرائد سمير يوسف، ومعها أربع عربات صواريخ مضادة للدبابات. كما استطاع الرفاعى بكفاءته وشجاعته أن يكون صاحب العملية الثانية فى حرب الاستنزاف، تلك الحرب التى بدأتها مصر بعد خمسة وعشرين يوما فقط من ٥ يونيو ١٩٦٧، وذلك من خلال عملية «رأس العش»، التى بدأت فى الأول من يوليو ١٩٦٧، وقبل أن تنتهى أحداث معركة «رأس العش»، كان الرفاعى يقوم بواحدة من أهم وأقوى العمليات ضد العدو الصهيوني، الذى أراد أن يحقق «شو إعلامى»، بما حصل عليه من السلاح المصرى الذى تركه الجنود أثناء الانسحاب من سيناء، فجمع هذا السلاح فى تشوينات ضخمة، وأراد إرسال بعضه فى قطار إلى تل أبيب، وتم تكليف الرفاعى بنسف التشوينات والقطار، فتسلل إلى أرض سيناء يوم الرابع من يوليو ١٩٦٧، واستطاع مع بعض رجاله نسف هذه التشوينات والقطار معًا، واستطاعت هذه العملية مع عملية «رأس العش» التى انتهت أحداثها يوم ٨ يوليو ١٩٦٧، أن ترفعا من معنويات الجيش المصرى كله، القادة قبل الجنود، وعادت الثقة إلى النفوس، وعادت العزيمة إلى القلوب، وبدأت ملحمة التخطيط والإعداد لحرب التحرير، والتى استمرت لأكثر من ثلاث سنوات، بداية من يوليو ١٩٦٧ وحتى أغسطس ١٩٧٠، وقد تحول البطل إبراهيم الرفاعى إلى الراية الشامخة التى تعرف بها حرب الاستنزاف، وذلك من خلال عملياته الكثيرة والخطيرة والتى يصل بعضها إلى حد الإعجاز.وقد جمع الرفاعى بين قدرة المقاتل، وقدرات القائد، فالمقاتل وخصوصا فى وحدات الكوماندوز، لا بد وأن يتسم بالشجاعة والإصرار والجرأة وسرعة البديهة وحسن التصرف، أما القائد فلا بد وأن يمتلك الهيبة والعلم، وقد جمع الرفاعى بين كل هذا لدرجة أنه كان الأشجع بين رجاله. وللحديث بقية..
مشاركة :