استضاف مقهى الراوي بمنطقة المجاز بالشارقة، مساء أمس الأول، الكاتب والروائي الكويتي سعود السنعوسي الفائز بالجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر)، في جلسة نقاش ثرية ارتحل فيها مع قرائه ومتابعيه نحو تفاصيل وخبايا الفكرة والتنويعات السردية المتعلقة بروايته الجديدة: «ناقةُ صالحة». وتأتي الجلسة النقاشية ضمن برامج الاحتفال بنيل الشارقة لقب العاصمة العالمية للكتاب 2019، من أجل إلقاء الضوء على الإصدارات المميزة في الساحتين المحلية والعربية، واستضافة الكتاب المساهمين في استدامة الفعل الثقافي من خلال نتاجاتهم الإبداعية الجاذبة لشريحة واسعة من القراء والمهتمين بالشأن الأدبي والتذوق الجمالي. في بداية الجلسة أجاب السنعوسي على سؤال يخص هوية المكان والإصرار على إظهارها كملمح أساس من ملامح روايته الجديدة «ناقة صالحة»، قائلا: «هو هاجس يطاردني في كل رواياتي، خصوصاً أن هناك أماكن خصبة في وطني الكويت لم يتم التطرق لها في أعمال الكتاب والروائيين الآخرين»، مضيفاً أنه لجأ للبيئة الصحراوية في روايته الجديدة بعد تناوله للمكان من زوايا مختلفة في رواياته السابقة، وخصوصاً في روايتي «ساق البامبو»، و«حمام الدار»، مؤكداً حرصه على التواصل مع القراء في البلدان الأخرى انطلاقا من الخصوصية المحلية ومن الهوية الكويتية بحضورها المرن والمتوازن بين الماضي والحاضر، ومن خلال الشخصيات والإشكالات النابعة من التنوع البيئي والجغرافي في بلده، والتحديات التي تخلقها والقصص الواقعية والأخرى المتخيلة التي يمكن البناء عليها، استناداً لعوامل تاريخية واجتماعية تشكل النسيج العام لهذه القصص. وقال السنعوسي: «يزعجني بشكل شخصي ارتباط النفط بمنطقتنا، لأن هناك ما هو غير النفط، وهناك ما هو قبل النفط، وهناك أيضا هذا الجيل القلق الذي شهد تحولات كبيرة ومهمة كان لابد من رصدها وتناولها وتحليلها في سياق التأثير والتأثر بالحمولات المكانية، والتطورات الزمنية». وأوضح السنعوسي أن تناوله لجو الصحراء والقبيلة في فترة ما قبل النفط بالكويت وتلمس الرواية لهذه التفاصيل البعيدة، جاء بسبب إعجابه بقصائد الشاعر دخيل بن أسمر وخصوصا قصيدته التي كتبها في العام 1901 وغناها المطرب الكويتي الشهير عبدالله الفضالة. وحول اشتغاله على شخصية الفتاة صالحة وكيف استطاع التعبير عن شخصية الأنثى بهذا الحس العالي والواعي بمكنوناتها ودوافعها وردات فعلها العاطفية، أشار السنعوسي إلى الصعوبة البالغة التي واجهها عند تناوله لشخصية صالحة باعتبارها الشخصية الراوية، وهي الصعوبة ذاتها التي واجهها عند تناوله للبيئة الصحراوية المتسيدة لجو الرواية، وقال: «أنا لست ابن الصحراء، ولم أشأ الكتابة عنها بمنظور المستشرقين، ولذلك استرجعت رحلاتي السابقة إليها، وعشت فترة في الصحراء حتى أتماهى معها واتكأت على العفوية والتلقائية بشكل كبير عند اشتغالي على مفردات هذه البيئة، واعتمدت كذلك على مراجع وبحوث تاريخية وأدبية متعلقة بالفترة التي جرت فيها أحداث الرواية». وأضاف أن الصحراء هي موطن الصمت والحكمة على عكس المدينة التي هي ثرثارة كما يصفها البدو، كما أن صوت هدير البحر المالح يؤذي البدوي خاصة وهو المتعطش دوماً للماء العذب. وعن التقنية السردية التي اتبعها في الرواية، أوضح السنعوسي أنه اعتمد أسلوب السرد بالتناوب فمرة يكتب بلسان ومنطوق «دخيل» ومرة بلسان ومنطوق «صالحة»، وقال إن من أصعب التجارب هو أن يكون ضمير المتكلم عائداً للمرأة، ولذلك لجأ لحيل فنية من أجل تجاوز هذه العقبة، واعتمد على المساحة الحرة للتعبير عن الذات الأنثوية، وما يتعلق بتصرفات صالحة الصبيانية، وتغزلها بدخيل، مستنداً إلى قاعدة فسيولوجية ترى أن الرجل يميز الأشياء ويفسرها بصرياً، بينما تفعل المرأة ذلك من خلال حواسها وعواطفها التي تذهب خلف الحدود الشكلية لتدخل في لعبة التأويل والترميز واستنباط الدلالات تبعاً لمشاعرها الخاصة المعنية بالتجريد أكثر من التشخيص. وحول الملاحظات التي أثيرت في الجلسة حول الجو الفنتازي الطاغي على أجواء الرواية والبلاغة اللغوية التي وصلت لحد استخدام مفردات مجهولة وغريبة عن القارئ المعاصر، بيّن السنعوسي أن الجو الفنتازي يعبّر عن واقعية قد تكون غير مألوفة بالنسبة لشخص لم يعايش ظروف الحياة القاسية في الصحراء، وكيف أن الشخصيات المنتمية لهذا المكان تتفاعل مع الظروف بشكل يبدو لا معقولاً بينما هو أمر بدهي وطبيعي بالنسبة للبدو في تطوافهم الدائم بحثاً عن الماء وعن الاستقرار الحرج وغير الدائم في أماكن مؤقتة لا توفر لهم رصيداً كافياً من الأمان، وعن اللغة المستخدمة في الرواية والمفردات الصعبة فيها، أوضح السنعوسي أن هذه اللغة والمفردات أتت في سياق مواز لتفاصيل المكان وطبيعة الشخصيات.
مشاركة :