يحبس التونسيون أنفاسهم قبل إغلاق مراكز التصويت، اليوم الأحد، لانتخاب رئيس جديد للبلاد في اقتراع يتنافس فيه رجل الإعلام الليبرالي نبيل القروي الملاحق بتهمة غسل أموال وأستاذ القانون الدستوري قيس سعيّد الذي لا يتبنى أي توجه سياسي. ودعي أكثر من سبعة ملايين ناخب إلى الإدلاء بأصواتهم في مراكز الاقتراع التي تغلق عند الساعة 18,00 (17,00 ت غ). ولاحظت مراسلة وكالة فرانس برس وجود عدد أكبر للناخبين نسبياً في أحد مراكز الاقتراع المهمة في وسط العاصمة خلال الساعات الأولى، بالمقارنة مع الانتخابات النيابية التي جرت الأحد الفائت. وأعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أن نسبة المشاركة بلغت 39,20% بحدود الساعة الثالثة ونصف بعد الظهر (14.30 ت غ) وهي تقارب النسبة الإجمالية للمشاركة في الانتخابات التشريعية 41,3%. ومن المنتظر أن تنشر الليلة مؤسسات استطلاعات الرأي الخاصة نتائجها التقديرية. بلغت نسبة المشاركة في الدورة الأولى نحو 50%. وقال القروي إثر خروجه من مكتب الاقتراع للصحافيين “اليوم عندنا فرصة لاسترجاع تونس الحداثة وتونس المرأة (…) لا يجب أن نترك الحكم في يد واحدة يجب التوازن”. وقال سعيّد في تصريحات صحافية “أبناء الوطن.. إنكم اليوم تختارون بكل حرية بل إنكم صنعتم مفهوماً جديداً للثورة” وتابع “احتكموا فقط إلى ضمائركم، حينها ستعود السيادة إليكم”. عقاب انتخابيوشهدت الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية التي تنافس فيها 26 مرشحاً ما وصف “بزلزال انتخابي” إثر “تصويت عقاب” مارسه الناخبون ضد ممثلين للطبقة السياسية الحاكمة. وتمكن سعيّد من نيل 18,4% من الأصوات وحل القروي ثانياً بـ 15,5 وانتقلا الى الدورة الثانية. ولم تكن الحملة الانتخابية هادئة في أيامها الأخيرة خصوصاً بعد القرار القضائي بإطلاق سراح القروي (56 عاماً) بعدما قضى 48 يوماً في التوقيف بسبب تهم تلاحقه بغسل أموال وتهرب ضريبي. وجمعت مناظرة تلفزيونية “تاريخية” وغير مسبوقة المرشحين ليل الجمعة. وقد ظهر فيها سعيّد (61 عاماً) متمكناً من السجال وأظهر معرفة دقيقة بالجوانب التي تتصل بصلاحياته إن تم انتخابه. في المقابل، ظهر القروي مرتبكاً في بعض الأحيان وشدد على مسائل مكافحة الفقر في المناطق الداخلية في بلاده، إضافة إلى تطوير الاستثمار الرقمي في البلاد كأولوية. ولقيت المناظرة التي بثت على نطاق واسع في المحطات التلفزيونية والإذاعية الخاصة والحكومية متابعة من التونسيين داخل بيوتهم وفي المقاهي وعبر مواقع التواصل الاجتماعي. تداول نشطاء الانترنت صورة جمعت المتنافسين وهما يتصافحان بعد المناظرة، وكتب أحدهم “هكذا هي تونس الاستثناء” بين دول الربيع العربي.ولرئيس البلاد صلاحيات محدودة بالمقارنة مع تلك التي تمنح لرئيس الحكومة والبرلمان. وهو يتولى ملفات السياسة الخارجية والأمن القومي والدفاع خصوصاً. ويدعو قيس سعيّد الى دعم السلطة اللامركزية وتوزيعها على المناطق ويرفع لواء “الشعب يريد” ويتبنى شعارات الثورة التونسية في 2011 “شغل حرية كرامة وطنية”. في المقابل، يبدو القروي براغماتياً أكثر وينطلق في وعوده الانتخابية على أساس إيجاد حل للطبقات الاجتماعية المهمشة، مستنداً في ذلك الى سنوات قضاها في زيارات ميدانية للمناطق الداخلية يوزع مساعدات غذائية على المحتاجين والفقراء. وأفرزت الانتخابات التشريعية التي جرت الأحد الفائت برلمانا بكتل مشتتة. وتلوح في الأفق بوادر مشاورات طويلة من أجل تحالفات سياسية لأن حزب النهضة” الذي حل في الصدارة بـ52 مقعداً لا يستطيع تشكيل حكومة تتطلب مصادقة 109 نواب. وأعلن رئيس حركة “النهضة” راشد الغنوشي الأحد بدء حزبه بمشاورات لتشكيل الحكومة وقال للصحافيين إثر تصويته “بدأنا مشاورات مع كل الأحزاب الناجحة”. يقول المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي إن “الرئيس الجديد سيواجه صعوبات مع الحكومة والبرلمان”. ويتابع “إذا تمكن سعيّد من الفوز فستصعب عليه عملية إقناع البرلمان بالإصلاحات الدستورية التي يدعو اليها”. ويضيف “يجب أن يتفهم (الرئيس المقبل) طبيعة المرحلة ويقيم توازنا مع من سيشكل الحكومة”، مشيراً إلى أن للقروي “علاقات متوترة مع كتل برلمانية عديدة بما فيها النهضة”. ودعت “النهضة” قواعدها إلى التصويت لسعيّد بعد أن أعلن القروي رفضه كل تحالف وتوافق معها مستقبلاً واتهمها بالوقوف وراء سجنه. وإثر وفاة الرئيس السابق الباجي قايد السبسي في 25 يوليو (تموز) الفائت نظمت في البلاد انتخابات رئاسية مبكرة في 15 سبتمبر (أيلول) على أن يتم انتخاب الرئيس قبل 25 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي وفقا لما ينص عليه الدستور التونسي. ولا تزال تونس تواجه تهديدات أمنية من قبل جماعات متشددة ومسلحة تنفذ هجمات استهدفت في السنوات الأخيرة سياحاً ورجال أمن وعسكريين وأثرت على قطاع السياحة الذي يمثل احدى ركائز اقتصاد البلاد.
مشاركة :