سيكولوجية العنف الاجتماعي

  • 10/14/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

يرزحُ الإنسانُ المقهور، لأسباب اجتماعيةٍ وتربويةٍ وفكريةٍ ونفسيةٍ واقتصاديةٍ وسياسيةٍ، تحت وطأة ضُغوطاتٍ دائمةٍ لمُحاولة الدفاع عن كينونتهِ وذاته وقدراته المبخوسة، فلذا ينفجرُ بأنواع العُنف الّلفظي من شتْم وقدْح، وقد يعاني من التهميشِ والإهمال ويقعُ ضحيةَ الظلم الفئوي وعدمَ التقدير المجتمعي، فيلجأ للتنفيسِ عن غضبه وقهره واحتقانهِ النفسي، إلى تخريبِ المُمتلكات العامة وتسفيهِ الأنظمة وتجاهلِ القوانين، وممارسةِ العُنف ضد الآخرين بأشكاله اللفظيةِ والسلوكية والبدنية. يستدعي العنفُ الاجتماعي دراسةَ عوامل الظّروف الاجتماعية والتعليميةِ والاقتصادية المُرتبطة به، وبخاصّة لدى الأطفال والمُراهقين الذين يتعرّضون لجُرعات مُكثّفة من ألعابِ الفيديو والأفلام السينمائية التي تروّج العُنف وتجعله مُشوّقاً مقبولاً، وتُظهر ممارسيه أبطالاً وقُدوة، واحتمال ارتباطِ ذلك بميلهم للانعزال والوحدة المَرَضيّة، ورداءةِ مهارات التواصل الاجتماعي لديهم، وتفاقمِ مشاعر الغضب وتنامي العدائية السُّلوكية، أو لدى الذين يقعون بأنفسهم ضحيةً للتعنيف الأُسَري من أفراد عائلتهم المُقرّبين، وهو ما يتسبب في آثار سلبيةٍ تمتد إلى سنواتٍ طويلةٍ، منها ضعفُ الثقة في النفس، والإصابةُ بالاكتئاب، وإدمانُ الكحول والعقاقير المُخدِّرة والمنشِّطة، ومُحاولاتُ الانتحار، وتعنيفُ أطفالهم، وصولاً إلى اضطراب الشخصية المُعادية للمجتمع والتورّط في قضايا إجرامية أو إرهابيّة. وفي المُجتمعات المُتخلّفة حضارياً، ينتشر ما يوصَف بإرهاب الشوارع أثناء قيادةِ السيارات، حيث تحدُث مُعظم الحوادث نتيجة الهمَجيةِ السُّلوكية، والعنادِ والأنانيةِ المُفرطة وحبِّ التّسلّط على الآخرين وقهرِهم، وتُعدُّ إشارةً قوية على تنامي الاحتقان الأخلاقي، كما من المؤسف ملاحظة أن بعض المُنتجات «الفنية» المحلّية، تُساهم في نشر ثقافة الوقاحة اللفظية والإيذاءِ البدني والتعنيفِ النفسي. ومع التعنيف المُتبادَل، تختلُّ القيم الاجتماعية، فتصبحُ مظاهرُ الاستحواذ وسرعةُ الغضب والتنمّر والهياط والشّقاوة والفتوّة، مقبولةً اجتماعياً ودليلاً على التغلّب والتفوّق والرّجولة، في مُجتمعاتٍ غير ناضجة إنسانياً، حيث تضُخُّ تلك العبَثية السّلوكية جُرعات من «الدوبامين» و»الإندورفين»، تتسبّبُ في نشوة لحظية وسعادةٍ زائفة، تصل بالمرء إلى حد الإدمان السّلوكي. من المهمّ دراسةُ الثقافات الاجتماعية التي تُشجّع على التفاخر وحميّة الجاهلية ونزعةِ الاعتداء، وتقدحُ زنادَ العنف ضدّ الآخر المُختلف، فضلاً عن إعادةِ تأهيلِ المُقرّرات الدّراسية، واعتمادِ تدريس مبادئ الذّوق العام والأدبِ الاجتماعي والذّكاء العاطفي، فلعلّ في هذا مفتاحَ علاجِ كثيرٍ من مُشكلاتِ العُنف الاجتماعي، فضلاً عن الاهتمامِ برفع المُستوى المعيشي الاقتصادي لأفرادِ المُجتمع، ومُحاربةِ الفقر والبطالة والفسادِ الإداري، وتقليصِ الفوارق الاجتماعية الطبقية، والاهتمام بتدريس الفنونِ الجميلة التي تُساعد على تهذيبِ الأخلاق وضبطِ السُّلوك.

مشاركة :