أتابع بدهشة الغضبة العارمة التى فجرها عدد من الزملاء بسبب شخصية المراسل الحربى، التى أداها أحمد رزق فى فيلم (الممر)، بحجة أنه أهان الصحافة والصحفيين عندما قدمه رعديدًا على جبهة المواجهة مع العدو الإسرائيلى.لى ملاحظات سلبية على البناء الفنى للشخصية، فهى مزروعة فى الدراما لغرض الضحك، الكاتب والمخرج شريف عرفة وضع على كاهله تلك المسؤولية، فهو المدنى الوحيد على الجبهة، وكلهم جنود، وبالتالى من الممكن أن يلعب دور المضحكاتى.انتهى زمن الاستعانة على سبيل تخفيف الأحداث بأبو ضحكة صديق البطل، الذى كان يهبط بباراشوت على الأحداث، أداها فى الماضى أغلب فنانى الكوميديا، وهكذا مثلا تصبح ليلى مراد سيدة البيت من نصيب أنور وجدى (الجان)، بينما إسماعيل يس (الكوميديان) طموحه لا يتجاوز الشغالة زينات صدقى.الشخصيات تتواجد لهدف درامى، ولا يمكن إلزامها بمهمة أخرى.البعض يقطع الخيط بين الدفاع عن النفس والدفاع عن المهنة، وهكذا تم نشر أسماء أساتذتنا الكبار ممن وقفوا ببسالة على الجبهة طوال الحروب المصرية فى القرن العشرين كمراسلين عسكريين، كنوع من رد الفعل على ما تصوروه إساءة مقصودة، وهو إسراف وتبديد غير مبرر للطاقة.أصحاب المهن صاروا ينزعجون من الصورة الذهنية السلبية التى تقدم عنهم فى الدراما مثل الأطباء والمرشدين السياحيين والمحامين والقضاة والبوابين والتمرجية والممرضات، هؤلاء وغيرهم كثيرا ما تقدموا للنيابة بشكوى بما يلحقهم من ضرر عندما يشاهدون أى مواقف سلبية من رشوة أو عنف يمارسها من ينتمى لنفس مهنتهم، يعتبرونها تحمل مباشرة قدرًا من الإساءة والتعريض لهم، ولكن ماذا لو جدلا قررت الدراما تقديم كل المهن بوجه وحيد إيجابى؟ النتيجة هى تقديم أعمال فنية مفتقدة الحياة، لن يراها أحد.الصحافة تدافع عن الحرية وتحرص على اتساع مظلتها لنحتمى بها جميعا، فلماذا عندما تتعرض للانتقاد تبحث مثل الآخرين عن ريشة تضعها فوق رأسها؟ ونردد نفس (الكليشيه) الصحافة خط أحمر، نخطئ فى كثير من أمور حياتنا عندما يفوتنا العمق الاستراتيجى، ولا تعنينا سوى اللحظة الراهنة، قد نكسب فى البداية نقاطًا نتصور أنها لصالحنا، ولكننا مع استمرار الجولات نُهزم بالضربة القاضية، من الممكن أن تجد شيئا من هذا فى التعامل الإعلامى الحالى مع كل قضايانا الملحة، نستخدم أسلحة (فشنك) بل ممنوعة بحجة أن الهدف المرحلى هو تقديم أى إنجاز فى الوقت الراهن، ولا ندرك أننا نخسر استراتيجيًا بمنحنا شرعية لأسلحة محرمة.سبق أن تكرر هذا الموقف دراميا أكثر من مرة، ربما كان أشهرها شخصية رئيس التحرير المثلى جنسيا (حاتم رشيد) التى قدمها خالد الصاوى فى فيلم (عمارة يعقوبيان)، الغريب أن العدوى انتقلت أيضا للوسط الفنى، عدد من النجوم كانوا قد رفضوا تجسيدها على الشاشة، خوفا من أن تتحول إلى اتهام يلاحقهم طول العمر.الصحافة تؤازر دومًا حرية التعبير، وعندما يعترض أبناء مهنة ما على عمل فنى ويطالبون بالمصادرة تقف فورًا فى الخندق الآخر للدفاع عن الحرية. أكثر من انتقدوا ما يجرى فى الصحافة من سلبيات هم من كبار الصحفيين مثل شخصية (محفوظ عجب) فى مسلسل (دموع صاحبة الجلالة) كتبها موسى صبرى، بينما فتحى غانم فى رائعته (زينب والعرش) أشار لعشرات من السلبيات فى المهنة، الصحفيون ليس على رؤوسهم ريشة، ولا يخفون أيضا بطحة، هل وصلت الرسالة؟.
مشاركة :