الحوار أسلوب راق يتمتع به أصحاب العقول الراقية والذوق الرفيع المحترم الذين دائما ما يبحثون في حواراتهم عن الكلمة الطيبة والعبارات اللائقة لجذب انتباه السامع، وهذا ما يجب أن تكون عليه مجتمعاتنا خصوصاً مع طغيان العولمة التي تتجدد حينا بعد حين، وأن بعضهم أنسته التطورات العولمية الثقافات والسلوكيات التي يجب أن تكون ملازمة له في كل موقف. وهناك بعض الحوارات في مجالسنا قد تكون حلقات للشد والجذب وتفتقد طابع الأريحية في النفس وحسن الإنصات، وثقافة الحوار خاصة في مجتمعنا سواء ما نشهده في مجالسنا أو بين شخص وآخر تكاد تنعدم فيه أساليب المناقشة الإيجابية، لذا نجد كثيرا ممن يخرج من إطار اللقاءات والحوارات بأعباء نفسية وضغوطات عصبية والسبب أنه لم يعد قادرا على الاستماع والإنصات بشكل جيد ليتبادل الرأي سواء مع أو ضد. وفي هذه الحالة لا يمكن وصف كثير من تلك الحوارات التي تغلب عليها هذه الطريقة الا بضعف قدرات الاستماع وفنون الإصغاء لدى المتجادلين وهذا الضعف يفقد سمة الحوار الهدف والمتعة والتعلم وتقبل الرأي. لنا أن نتساءل كيف نصل إلى حوار حضاري في مجالسنا ونبدلها من مجالس صراخ وشد وعدم تقبل رأي الآخرين إلى مجالس ومجتمع تسوده ثقافة الحوار، وكيف للمجتمع أن يتقن أدبيات فن الإصغاء وعدم فرض الرأي والجدال باحترام، وما أسباب ذلك؟ فرق بين الحوار والجدل.. وأسلوب «خذوهم بالصوت» انتهى ثقافة حوار تحدث علي العريفي - اعلامي ومشرف مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني بمنطقة حائل - عن ثقافة الحوار مشيرا إلى أننا في عصر الانفتاح الثقافي على الآخر وقبوله وبث قيمنا الاسلامية الراسخة للآخر وإرثنا الثقافي وقيمنا الاجتماعية، فلا بد من بث ثقافة الحوار الحضاري ومفهوم الاختلاف وأدب الخلاف والتمييز بين الخلاف والاختلاف لأن الاختلاف ثراء وحراك ثقافي مهم يؤكد المفاهيم واحترام وجهات النظر بين المتحاورين وتبادل الآراء والحوار حولها وينتهي الحوار باحترام وجهات النظر من دون أن يلتقي المتحاورون على نقطة واحدة، بل ان كلا منهما يتناول الموضوع من زاويته، ونؤكد هنا أن لا أحد يملك الحقيقة المطلقة، ونؤصل قيمة الا يكون بيننا خلاف لان الخلاف هو الذي يصنع في مجالسنا الصراخ ورفع الصوت ويبعدنا عن أدب الاختلاف، الذي كما ذكرنا هو نوع من تبادل الآراء في ظل الحوار الحضاري الذي يحترم كل طرف فيه رأي الآخر، ولو أراد الله تعالى لجعلنا أمة واحدة ولكنه سبحانه خلقنا مختلفين حتى يتم التفاعل بيننا ويسود المجتمع حراك ثقافي واجتماعي، ما يؤصل في النهاية التكامل بين الناس، حتى في الفروق الفردية نحن نتكامل في كل شيء حتى في الحوار ونقل المعلومة أو طرح موضوع للنقاش الكل يتناول هذا الموضوع من زاويته هو ورأيه الشخصي من دون أن يفرض رأيه على الآخر. انتصار الذات واضاف: أما ما يحصل في مجالسنا الآن هو حوار يبدأ ثم ينتقل فجأة الى جدل يرتفع فيه الصوت بين اثنين كل يريد أن يؤكد وجهة نظره هو، ويستميت من أجل فرضها على الآخر المتحاور معه وهو نوع من انتصار الذات فيخرجون جميعا من أدبيات الحوار ويقعون في خطأ الفرقة والانقسام والتشنج والانفعال، ولو ادرك كل متحاور ان لا احد يملك الحقيقة المطلقة لاقتنع الجميع ان الرأي والرأي الآخر تبقى وجهات نظر ولا يمكن بناء حوار حضاري ونحن تسيطر علينا مقولة ان لم تكن معي فأنت ضدي فهذه مقولة تعكس حالات سلوكية معادية للحياة المتوازنة ونجد بعض المجالس الآن تفتقر الى الحوار المنطلق من أدبيات حضارية في أسلوب وطريقة التناول في الحوار وتغليب الانتصار للرأي الشخصي وعدم الإصغاء للرأي الاخر. تأصيل الحوار ويضيف نحن نحتاج الى إعادة صياغة حوارنا الأسري في المنزل وعدم اقصاء الطفل عن مجالسة الكبار لكي لا ينتج لنا جيل مكبل بالخجل والتردد وعدم الشجاعة الادبية والثقافية، ولم يعد لإقصاء الطفل مكان في زمن المتغيرات، حتى نؤصل في ذاته كيف يتحاور مع الناس وذلك بالقدوة لجعله يحضر الحوار الاسري ويشترك بالحوار الاسري ويتم احترام رأيه حتى نبني في شخصية الابن والبنت الثقة بالنفس والشجاعة الأدبية لأنهم هم الجيل الذي يعول عليه بناء ثقافة الحوار من الأسرة اولا، ثم من المناهج المدرسية من خلال الحوار التربوي لينطلق بها الى المجتمع في سلوك حضاري راق يجعل من الحوار سلوك حياة ينطبع على شخصيته في تعاملاته اليومية داخل البيت والمدرسة وداخل مؤسسات المجتمع هنا نكون انتجنا جيلا يعي ثقافة الحوار ويتمثله سلوكا في القول والفعل. أساليب حوارية سلبية واعتبر الكثير من الباحثين ان التشنج والشحناء سببه وسائل التواصل الاجتماعي بصفة خاصة التي شاع فيها التصنيف الفكري والشخصنة في خطابنا الثقافي الذي طغى عليه الجانب السلبي للتصنيفات الفكرية، التي وصلت إلى الطعن في النوايا والاتهام في الغايات والمقاصد مما يفرض مراجعة جادة لأسلوب الحوار بين المتحاورين، إضافة إلى ما يقف وراء بعض الحوارات من أيديولوجيات مختلفة زادت من وجود ظاهرة التصنيفات الفكرية على عدة مستويات ومجالات فكرية وثقافية مختلفة، مما أخرج أصحاب تلك التصنيفات عن الوسطية والاعتدال وقبول الرأي والرأي الآخر. ومن أدبيات الحوار أدب الإصغاء، فكثيرا ما نجد في مجالسنا ان الجميع يتكلم في وقت واحد ولا احد يسمع، وقد يبدأ الاول في الحديث ويقاطعه الآخر بطريقة غير لائقة ويستلم الموضوع وينهي الحوار برأيه هو - ويسكت المتحدث الاول لأنه انتقل منه الحديث - بطريقة غير حضارية علما ان الإصغاء لحديث أي طرف يعد من ادبيات وأخلاقيات الحوار والإصغاء أدب ينم عن احترام المتحدث، والمتحدث يزيد احترامه لمن يصغي له ويحترم طرحه، حتى أدب المداخلة مع المتحدث له قوانين واصول حتى ينتهي الاول من طرح ما لديه يبدأ الآخر من دون تسفيه لفكر الأول أو انتقاص من رأي الأول ويطرح وجهة النظر من زاويته هو مع استشعار مقولة لا أحد يملك الحقيقة المطلقة ويجب علينا جميعا احترام الرأي والرأي الآخر. تجارب مركز الحوار يشار إلى أن مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني نظم عددا من الانشطة والتجارب والدراسات التي لها علاقة بالحوارات لجميع فئات المجتمع كالمقاهي الحوارية والمجالس الحوارية والدراسات والبحوث في ثقافة الحوار داخل المجتمع السعودي، وأعدت إدارة الدراسات والبحوث والنشر في المركز التي قام بنشرها في عام 2007 تحت عنوان (ثقافة الحوار في المجتمع السعودي) دراسة هدفت إلى قياس مستوى ثقافة الحوار في المجتمع السعودي والتعرف إلى مدى الاستعداد لتقبل الرأي الآخر، وتحديد العوامل المساهمة في رفع مستوى ثقافة الحوار والتعرف إلى مدى فاعلية اللقاءات التي يشرف عليها المركز في رفع مستوى ثقافة الحوار، حيث تمت التساؤلات حول مستوى الثقافة لدى المجتمع السعودي؟ وهل يوجد فرق في مستوى ثقافة الحوار من الطبقة المثقفة والطبقة غير المثقفة؟ وما مدى استعداد المجتمع السعودي لتقبل ثقافة الحوار وما العوامل المؤثرة في الوقت الحالي في رفع مستوى ثقافة الحوار، وفي الدراسة وزعت استبيانات ميدانية معتمدة لقياس مدى فاعلية النقاط السابقة، حيث حصلت هذه الدراسة على 643 إجابة من أصل 1200 استبانة موزعة حيث مثلت 50% غير مستجيبة، كما تجاوزت نسبة المشاركين بالرأي في الطبقة غير المثقفة أنها معدومة كليا و18% تبدي استعدادها، في حين مثلت النسبة المرتفعة لمتقبلي الحوار. كما كشفت دارسة حديثة للمركز أعدها حول ثقافة الحوار عن نتائج مهمة في عدد من المحاور التي أعدتها الدراسة، وكان المركز قد أجرى دراسة مسحية على عينة ممثلة لأطباق مختلفة من المجتمع السعودي وتكونت عينة الدراسة من 5000 فرد من معظم مناطق المملكة كما أكدت نحو 36% ارتفاع الصوت أثناء النقاش. جهود الأسرة والمدرسة والمجتمع أكد علي العريفي ان تأسيس حوار حضاري واعٍ يأخذ المنحى التنويري الجدي، موضحا ان لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني باع طويل في حلقاته في المناطق وملتقياته في الداخل والخارج في بتأصيله لهذه المفاهيم، واصبح مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني منارة حوار تنطلق منه ملتقيات في انحاء المملكة في موضوعات مفصلية تمس حياة الناس وتمس الهوية الثقافية واسلوب التعامل في قبول الآخر او الحوار الفكري او اشكالية التصنيف أو التطرف وأثره في الوحدة الوطنية. مؤكدا أنه يبقى على الأسرة والمدرسة والمجتمع أن تعي أهمية التنشئة على هذه القيم الحضارية في تنفيذ البرامج وإقامة ورش عمل وملتقيات علمية وندوات ثقافية مكثفة تنادي بالتأصيل وتفعيل الحوار والارتقاء بلغة الحوار وثقافته وتوسيع دائرته لتدخل تفاصيل الحياة اليومية، ليسود التعامل الحضاري والسلم الاجتماعي والأمن الفكري وهو من أسباب ترسيخ العدالة واشاعة ثقافة التعايش الفكري والثقافي بين أوساط المجتمع. واستطرد العريفي ان المفاهيم وتعاليم الدين الإسلامي، الذي يقوم على ثوابت دينية ومسلمات تشريعية، تجعل من الحوار الهادي والمنطلق من المعاملة الطيبة والكلمة الطيبة مبدأ اسلاميا (وجادلهم بالتى هي احسن) ونحن امة حوار.
مشاركة :