الاقتصاد التركي يتجه إلى مزيد من التراجع تحت وطأة العقوبات وتفاقم الديون

  • 10/16/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

إلى أي مدى يمكن أن يصمد الاقتصاد التركي أمام العقوبات الأمريكية؟ هل يمكن للولايات المتحدة المضي قدما بالفعل وتدمير الاقتصاد التركي كما هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، إذا ما واصل الرئيس أردوغان "المضي قدما في هذا الطريق الخطير والمدمر" على حد وصف الرئيس الأمريكي؟ وما الآلية التي يمكن أن يلجأ إليها الجانب الأمريكي لتدمير الاقتصاد التركي؟ وما البدائل المتاحة أمام أنقرة للتعامل مع تلك الضغوط الاقتصادية؟ وما الدلالات الاقتصادية لفرض عقوبات أمريكية على وزراء الطاقة والدفاع والداخلية الأتراك الذين باتوا ممنوعين الآن من إجراء أي معاملة مالية دولية بالدولار؟ وهل ذهبت أحلام أردوغان بأن يكون لاعبا رئيسا في التنقيب على الغاز شرق المتوسط وتطوير الصناعات العسكرية، أدراج الرياح بعد أن طالت العقوبات الأمريكية وزارتي الدفاع والطاقة التركيتين؟ في الواقع، فإن التوغل التركي في الأراضي السورية، كان متوقعا منذ أعوام، ولم تخف أنقرة رغبتها الدائمة في الاستيلاء على الشمال السوري بدعاوى متعددة، لكن إلقاء مسؤولية معاناة الاقتصاد التركي على عاتق العقوبات الأمريكية والأوروبية، قد يجافي الحقيقة في بعض الأحيان، فقبل بدء العدوان كانت الحالة الاقتصادية التركية تترنح وتتفاقم المشكلات الاقتصادية يوما بعد آخر، وذلك وفقا لعديد من المؤشرات التركية الرسمية. لذا، بمجرد صدور تصريحات الرئيس دونالد ترمب، تراجعت قيمة الليرة التركية وارتفعت قيمة المخاطرة الاستثمارية في تركيا، لتتجدد المخاوف المالية مرة أخرى، وتضعف الآمال في حدوث انتعاش اقتصادي بعد عام تقريبا من الركود والآنكماش. وتطرح قضية التكلفة المالية للعملية العسكرية التركية تساؤلات حول تأثيرها في الميزانية العامة، وتفاقم العجز المالي، وإلى أي مدى ستعزز الاتجاهات الاقتراضية للنظام الاقتصادي التركي. وقال لـ"الاقتصادية" الخبير الاقتصادي إل. راسل، "الأمر لا يتعلق فقط بالعجز المالي المتفاقم، لكن يجب الأخذ في الحسبان تكلفة الفرصة البديلة، والفائدة التي كانت ستعود على الاقتصاد التركي والمواطن التركي إذا وجهت الأموال التي أنفقت على العملية العسكرية، واحتلال الأراضي السورية، وقتل الأكراد، لنشاط اقتصادي منتج، أو لإصلاحات هيكلية، أو تطوير البنية التحتية". ومع تنامي حالة عدم اليقين الاقتصادي التي تجتاح الاقتصاد التركي حاليا، فإن التوجهات الادخارية في المجتمع تخلت عن الليرة وانصبت أكثر على العملة الأمريكية الدولار. ومنذ بداية العام حتى الآن، تراجعت الليرة التركية بنحو 12 في المائة، وخلال هذا الشهر فقط فقدت 5 في المائة من قيمتها، وفي الأيام الماضية تراجعت بشدة، بحيث كانت العملة الأسواء أداء على المستوى الدولي الأسبوع الماضي، وأمس الأول فقدت نحو 0.8 في المائة من قيمتها لتصل إلى أدنى مستوى لها مقابل الدولار في خمسة أشهر، وبلغت 5.94 ليرة لكل دولار مقابل 5.6 قبل العملية العسكرية. من جانبه، أوضح لـ"الاقتصادية" الخبير المصرفي جورج اندروا، "البنوك التركية تبيع حاليا وبشكل ثابت الدولار لمنع الليرة من الآنهيار بشكل سريع". وأضاف، لكنهم لن يستطيعوا القيام بذلك لفترة طويلة، حيث إن تجربة روسيا أكبر مثال بعد أن رغبت في الحفاظ على قيمة الروبل في مواجهة الدولار فخسروا نحو 450 مليار دولار". وحول المستقبل، يتوقع جورج اندروا مزيدا من الآنهيار في قيمة الليرة التركية لتصل إلى نحو 7.50 في مواجهة الدولار. وفي الواقع، فإن العملة التركية أحد أبرز نقاط ضعف الاقتصاد التركي، حتى الاستقرار الذي شهدته الليرة التركية خلال الأشهر الأخيرة، بعد أن فقدت نحو 30 في المائة من قيمتها العام الماضي، عده صندوق النقد الدولي "استقرارا هشا" نتيجة المخاوف المتعلقة بديون الشركات، وانخفاض احتياطي العملات الأجنبية، وسط توقعات بأن يتسارع معدل انخفاض الاحتياطي النقدي التركي الآن، نتيجة بيع البنوك المحلية جزءا كبيرا من احتياطياتها الدولارية، للحفاظ على قيمة الليرة. بدوره، يشككك الخبير الاستثماري سميث وايت، في أن يكون انخفاض الليرة التركية مدعاة لجذب الاستثمارات الأجنبية إلى سوق الأسهم التركية. وقال وايت لـ"الاقتصادية"، "قبل الوضع الراهن والضغوط الأمريكية والأوروبية، كان هناك عديد من المؤشرات على فقدان المستثمرين الأجانب شهيتهم للاستثمار في الاقتصاد التركي، وخلال الأشهر التسعة الأولى من هذا العام شهدت البورصة التركية استثمارات أجنبية صافية بقيمة 1.6 مليار مقابل 2.3 مليار خلال الفترة ذاتها من العام الماضي، كما أن هناك عديدا من المؤشرات على أن الاقتراض في الاقتصاد التركي بات أكثر تكلفة وصعوبة وخطورة". وأضاف، "بالطبع، لا تزال أمام حكومة رجب طيب أردوغان عديد من الأوراق التي يمكن أن تلجأ إليها في مساعيها إلى الحد من التدهور الاقتصادي، لكن التكلفة السياسية مرتفعة، خاصة بالنسبة إلى شخص مثله". وأوضح، أنه من المرجح أن يقوم البنك المركزي برفع أسعار الفائدة، فزيادة الفائدة البنكية يجذب رؤوس الأموال الأجنبية، خاصة للسندات الحكومية، كما أنه يرضي كثيرا أصحاب الودائع البنكية، لكنه في المقابل يؤثر في القدرة الشرائية للمواطنين، وهو ما قد ينعكس سلبا على شعبية الحزب الحاكم وحكومة الرئيس التركي. وأضاف مستدركا، "إذا نحينا الشعارات السياسة جانبا، فإن كثيرا من الخبراء الاقتصاديين يعدون أن طموحات الرئيس التركي الاقتصادية لا أساس لها في الواقع.. فشعار "التغيير قد بدأ"، الذي رفعه أردوغان ووزير ماليته بيرات البيرق، بتحقيق نمو 5 في المائة في الأعوام الثلاثة المقبلة، وخفض التضخم والحد من عجز الحساب الجاري، تبدو جميعها شعارات محفوفة بالمخاطر، لا يمكن تحقيقها على أرض الواقع، دون الاستناد إلى اقتراض ضخم يهدد بزعزعة الاستقرار الاقتصادي كله". وتابع، أن "إدراك وزير المالية التركي أن الأمر مجرد شعارات لإرضاء الحماس الشعبي، يتضح في إقراره - وفقا لصحيفة الفاينانشيال تايمز - أن النمو سيكون أقل من المتوقع هذا العام، كما أن عجز الموازنة سيكون أيضا أكبر من المتوقع، حيث سيصل إلى 2.9 في المائة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، ويعرب الاقتصاديون عن مخاوفهم من أن استئناف النمو السريع الذي يغذيه الائتمان دون إجراء إصلاحات هيكلية، سيؤدي حتما إلى الكشف عن نقاط الضعف التي أدت إلى أزمة العام الماضي". في ظل ذلك المشهد، يظل هناك تساؤلات متعلقة بالعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على وزراء الطاقة والدفاع والداخلية وعلى وزراتي الطاقة والدفاع، ومدى تأثيرها في أنقرة؟ من جانبها، ترى الدكتورة راشيل جيفرسون أستاذة الاقتصاد الدولي في جامعة كامبريدج، أن هذا النوع من العقوبات سيترك آثارا سلبية في قطاعين شديدي الأهمية لخطط أردوغان الاقتصادية. وأشارت إلى أن "فرض عقوبات على وزير ووزارة الطاقة التركية، سيعرقل بشكل واضح خطط أردوغان بشأن غاز المتوسط، ويستبعد تركيا بشكل قاطع من أي جهود مستقبلية في هذا الشأن، وهذا سيضعف من قدرة تركيا في سوق الطاقة، لكنه لن يمنع أردوغان من مواصلة المشاكسة والاحتكاك مع دول الإقليم. أما بالنسبة إلى وزارة الدفاع، فإن القرار الأمريكي يمكن أن يشل من قدرة تركيا على تطوير أسلحة قتالية حديثة، ويحصرها في بعض أنواع الأسلحة التقليدية". ويظل السؤال قائما ما هي الآلية التي يستطيع من خلالها الرئيس الأمريكي تدمير الاقتصاد التركي كما هدد، اذا لم يرتدع أردوغان ويوقف عملياته العدائية في سوريا؟ ربما تكون معدلات الادخار التركية هي المدخل الأمريكي لتحقيق ذلك، فأحد جوانب الضعف الرئيسة في النظام التركي، تمثلت في حرص الرئيس التركي على اكتساب مزيد من الشعبية عبر رفع معدلات الاستهلاك المحلي، ليكون لديه دائما مبرر لكسب مزيد من الأصوات الانتخابية، عبر التذكير الدائم بأن توليه السلطة أسهم في رفع مستويات المعيشة، في مقابل ذلك انخفضت معدلات الادخار بشدة في تركيا، ومن ثم كان لا بد للجهود التنموية أن تعتمد على التمويل الخارجي عبر الاقتراض، ومن ثم تعتمد أنقرة على استيراد رأس المال من الخارج. لذا، تعد تكلفة رأس المال عنصرا مهما للغاية لمستقبل الاقتصاد التركي، خاصة في لحظات التوتر - كما هو الحال بين واشنطن وأنقرة حاليا، وإذا واصلت الولايات المتحدة عقوباتها على تركيا، فإن هذا سيرفع مخاطر الاقتراض التركي، وسترتفع معه تكلفة رأس المال الخارجي، ما يضعف قدرة الشركات التركية على الاستدانة، ومن ثم على التوسع الرأسمالي والنمو، وهو ما سيترك بصمة سلبية في معدلات التوظيف والتضخم. وتراجع الاقتصاد التركي ظهرت بعض ملامحه حتى قبل العدوان على الأراضي السورية والعقوبات الأمريكية والأوروبية، فخلال شهر أغسطس الماضي انخفض الناتج الصناعي التركي 3.6 في المائة، كما ارتفعت نسبة التخلف عن سداد الائتمان. ويبدو أنه وسط هذا المشهد المثير للقلق اقتصاديا، تتفاقم قضية عبء الدين العام وباتت تحتل موقعا متقدما في العوامل التي يمكن أن تعرض الاقتصاد التركي للتآكل. والسياسات التوسعية التي تبنتها الحكومة خلال العامين الماضيين لتخفيف انعكاسات الأزمة الاقتصادية، أسفرت عن عجز في الموازنة بلغ 15 مليار دولار في الأشهر التسعة الماضية، ليتجاوز العجز بذلك النسبة المستهدفة خلال عام 2019. ويقدر إجمالي الديون المحلية العام المقبل بنحو 51 مليار دولار، ليصل العجز المستهدف في الميزانية إلى 2.9 في المائة، لكنه في الأغلب سيتجاوز تلك النسبة بشكل ملحوظ. الأمر المؤكد أن الاقتصاد التركي يفقد ثقة المستثمرين، وأعباء الديون تتزايد، ومعدلات النمو المستهدف لا تتحقق، وعجز الميزانية يتوقع تفاقمه نتيجة تكلفة العدوان التركي على سورية، والليرة تواصل أداءها السيء، مع هذا يقف أردوغان رافضا تغيير مواقفه، حتى إن كان الاقتصاد التركي يتجه إلى القاع، وربما تكون تلك المواقف المتصلبة للرئيس التركي ورغباته التوسعية، المعوق الرئيس أمام قدرة الاقتصاد التركي على النمو، واتجاهه نحو مزيد من التفتت، بما يقوده إلى انهياره تحت وطأة الديون والعقوبات، وهو ما يعتقد بعض الخبراء أنها مسألة وقت ليس إلا. وأعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، أمس الأول، أن الرئيس دونالد ترمب، فرض عقوبات على تركيا تشمل حتى الآن وزارتين وثلاثة وزراء، وذلك بهدف إرغام أنقرة على أن تنهي فورا هجومها العسكري على القوات الكردية شمال شرق سورية. وقالت الوزارة في بيان، إن العقوبات شملت وزارتي الدفاع والطاقة ووزراء الطاقة والدفاع والداخلية، الذين باتوا ممنوعين من دخول الولايات المتحدة ومن إجراء أي معاملة مالية دولية بالدولار، كما باتت أموالهم في الولايات المتحدة - إن وجدت - مجمدة. وفرضت هذه العقوبات بموجب أمر تنفيذي وقعه ترمب وأجاز فيه أيضا فرض عقوبات على عدد كبير جدا من المسؤولين الأتراك المتورطين في أعمال تعرض المدنيين للخطر أو تزعزع الاستقرار في شمال شرق سورية. وبحسب البيان، فإن إدارة ترمب قررت في الوقت الراهن قصر هذه العقوبات على الوزارتين والوزراء الثلاثة فقط. وقال الرئيس الأمريكي، في بيان نشره على حسابه على "تويتر": "سنوقف محادثات بشأن اتفاق تجارة مع تركيا بـ100 مليار دولار، وسنزيد الرسوم على واردات الصلب التركية إلى 50 في المائة". وأضاف: "أنا على أتم الاستعداد لتدمير اقتصاد تركيا إذا واصل قادتها هذا الطريق الخطر والمدمر".

مشاركة :