رغم ضخامة الفيل وصلابته، فإنه يبكي كما الإنسان الرقيق منا. فقد شوهد الفيل وهو يبكي في تقارير عدة، آخرها ما نشر من بكائه لحظة تحريره من أصفاده الحديدية حيث كان محبوسا لمدة خمسين عاما في قرية هندية. ونقلت وسيلة إعلامية أخرى عن خبراء خبر بكاء فيل آخر لمدة 5 ساعات متواصلة بعد أن «داست أمه في بطنه»! ليس الغريب بكاء الفيل، لكن العجيب هو تعجبنا من بكاء كائن حي! كيف لا يبكي الفيل وهو يعترضه ما يعترض سائر البشر من ظلم واضطهاد وازدراء وإهانة؟ وإن المرء ليعجب كيف يسمح المستبدون والمتغطرسون لأنفسهم بأن يفترضوا أن هذا الموظف المغلوب على أمره لن يغضب أو يحزن أو يبكي حينما ينهمر عليه سيل من الإهانات والتسفيه والتعريض. كيف لا تذرف دموع المرء وهو يرى من يهبطون من خارج المؤسسة على منصبٍ هو أحق به؟ كيف لا يجهش المرء في البكاء وهو يتعرض للتجريح والمذلة والطعن بذمته وشرفه من دون أن يجد له نصيرا؟ كيف لا يبكي المرء في زمن أضحت فيه كلمة الحق في وجه المسؤول هي تهمة تستحق الملاحقة القضائية أو التضييق الإداري؟ لماذا صارت كلمة الحق في أروقة العمل سببا كافيا لنفيك في إدارة بعيدة مغمورة.. أليس «الحق أحق أن يتبع»؟ ولماذا نعتبر ما نراه ليس سوى «دموع التماسيح»، وننسى أن البكاء هو حالة انفعالية نذرف معها آلامنا وأحزاننا؟ لماذا نعتبر البكاء فعلا يستحق أن نقطع البث المباشر بسببه، كما فعلت قناة إخبارية، ناسين أنه أصدق التعابير؟ والبكاء ليس «للنساء فقط»، كما نخبر أطفالنا، بل هو بلسم لجروحنا وآلامنا، حيث أظهرت جامعة فلوريدا الأميركية أن «البكاء أكثر فاعلية من أي دواء مضاد للاكتئاب». وتبين أيضا أن الإنسان كائن بكّاء، مثل الفيل، فالمرأة تبكي ما معدله «30 و46 مرة سنويًا، مقابل 6 إلى 17 مرة بالنسبة للرجل»، وفق بحث لجامعة تلبرغ الهولندية. هذا المقال ليس دعوة للبكاء، لكنه تذكير بأن الجماد إذا كان يبكي على فراق سيد البشر محمد (صلى الله عليه وسلم)، فمن الطبيعي أن يذرف المرء دموعه، كما يفعل الفيل، حينما يتعرض لشتى صنوف الأذى الذي يقض مضجعه. فبَعضُنَا قد يبدو مثل الفيل في ضخامته أو خشونته أو بروده، لكن قلبه أرق من الحرير.
مشاركة :