وجهت العديد من الدول العربية والأجنبية برقيات تهئنة للرئيس التونسي الجديد قيس سعيد، ومنها السعودية والإمارات والمغرب ومصر والجزائر وكذلك عواصم غربية كباريس وواشنطن، التي أعلنت في بيان لوزير خارجيتها مايك بومبيو الثلاثاء أنها “تتطلع إلى العمل مع الرئيس المنتخب قيس سعيد لمواصلة التعاون طويل الأمد بين البلدين”. ويترقّب التونسيون وكذلك قادة الدول الأجنبية الملامح الكبرى للسياسة الخارجية التونسية التي سيسطرها البلد تحت قيادة قيس سعيّد وكذلك الائتلاف الحاكم المرتقب والذي يتوقع أن تغلب عليه قوى إسلامية تقودها حركة النهضة وائتلاف الكرامة. بنى الرئيس الجديد حملته الانتخابية في الدورتين الأولى والثانية في الانتخابات الرئاسية وتوجهاته في السياسة الخارجية على شعارات تقوم بالأساس على وجوب عمل البلاد من أجل القضايا العادلة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، متعهّدا بإبقاء العلاقات متينة مع جميع الشعوب والأمم، إلا أنه سيدفع إلى نسج علاقات جديدة غير تقليدية. وضمن الخطوط العريضة للسياسة الخارجية التي تعتبر في الدستور التونسي من أولويات رئيس الجمهورية، يقدم سعيّد برنامجا يقوم على وجوب أن تستمر “الدولة بقوانينها وتعهداتها الدولية”، كما لم يفوت فرصة “شكر الأشقاء في كل البلدان العربية والإسلامية”، وأعرب عن رغبته في زيارة ليبيا، معلنا أن الجزائر أولى محطاته الخارجية. ومنذ صعوده في سلم البارومتر السياسي وفي إطار الحملة الانتخابية، لم ينفك قيس سعيّد عن ذكر اعتزازه بمحيطه العربي وبالعروبة، لكنه يطرح أيضا بديلا جديدا قوامه تعديل تسمية الجامعة العربية لتصبح بحسب وصفه جامعة الأمة العربية. ودأبت تونس منذ فترة بناء الدولة الوطنية الحديثة في خمسينات القرن الماضي ومباشرة عقب الاستقلال عن المستعمر الفرنسي على توخي سياسة رسم ملامحها الرئيس الأسبق الراحل الحبيب بورقيبة وقوامها عدم الانحياز أو الاصطفاف في المحاور الدولية والإقليمية، لكن هذه السياسة انزاحت وفق المراقبين عن قالبها التقليدي عقب ثورة يناير 2011، بعدما جرت الأحزاب الحاكمة آنذاك وتحديدا تحت قيادة حكومات “الترويكا” وتحت قيادة الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي إلى المحور التركي القطري. وعدّل بعد ذلك الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي من ملامح السياسة الخارجية للبلاد إبان مسكه بدواليب الحكم في تونس من عام 2014 إلى عام 2019 بإرجاعها إلى طابعها التقليدي الذي يتعامل مع مختلف الدول العربية والأجنبية. ويتخوف العديد من المراقبين من أن تحيد الدبلوماسية الخارجية التونسية في عهد قيس سعيّد عن هذه الثوابت، خاصة أن الرئيس الجديد سيكون مضطرا من الناحية السياسية للتعامل مع حركة النهضة لدى تشكيل الحكومة الجديدة. ويحذر الكثير من الدبلوماسيين في تونس من أن يسقط قيس سعيّد في رحى ما تريد أن تفرضه هذه الأحزاب الإسلامية المعروفة باصطفافها التام مع المشروع القطري-التركي. الجزائر وليبيا يوجّه قيس سعيّد بوصلته مباشرة بعد أدائه اليمين الدستورية ومسك السلطة بصفة رسمية إلى زيارة دولتي الجوار الجزائر ثم ليبيا وفق ما أعلنه مرارا في برنامجه الانتخابي. ويرى الدبلوماسي التونسي السابق توفيق ونّاس أنّه “من الصّعب الآن التنبؤ بملامح السياسة الخارجية التي سيعتمدها سعيّد، لأنه ليس للأخير أي تاريخ في ميدان العلاقات الدبلوماسية”. ويقول “لكن يمكن أن نستشف بعض الاتجاهات العامّة لهذه السياسة من خلال تصريحاته”، معتبرا أنّ “السيادة التونسية ستكون لها مكانة خاصة في ظل حكم سعيّد، وستتجلى أساسا من خلال العلاقات الخارجية مع أوروبا ودول الخليج والولايات المتحدة، وسيعمد الرئيس الجديد للبحث عن المصلحة التونسية خاصة في المجال الاقتصادي”. وبشأن الملفين الليبي والجزائري وكذلك اتحاد المغرب العربي، يعتبر وناس في هذا الخصوص أنه “ستكون في رؤية سعيّد للسياسة الخارجية محاولة لإحياء المشروع المغاربِي، وذلك عبر حل الوضع في ليبيا، وإعطاء دور معين لتونس والجزائر في هذا المجال”. وتابع “سيكون هناك تنسيق وتعاون مع دول المغرب العربي الخمس (تونس والجزائر وليبيا والمغرب وموريتانيا) لإعادة إحياء الاتحاد المغاربي (المتعثّر)، أحد الملفات الهامة التّي سيوليها الرئيس الجديد أهمية”. وفي ما يتعلق بالملف الليبي، يرى الدبلوماسي أن “مبادرة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي لإيجاد حل في ليبيا التي طرحها عام 2017، لم تعط أي نتيجة، ما سيجعل سعيّد يبحث عن طرق أخرى للعب دور ما لتونس في هذا الملف”. ويشترك الرئيس التونسي الجديد مع الأطراف الإسلامية مثل ائتلاف الكرامة، في وجوب مراجعة بعض الاتفاقيات مع بعض دول الاتحاد الأوروبي وفي مقدّمتها فرنسا، حيث قال سعيّد في أول خطاب ألقاه عقب فوزه بالرئاسة “انتهى عهد الوصاية وسندخل مرحلة جديدة في التاريخ”. وسبق للمرشح الرئاسي السابق وزعيم ائتلاف الكرامة سيف الدين مخلوف أن أدلى بتصريحات تؤكّد أن رؤيته تتوجه إلى وجوب أن تعتذر فرنسا للتونسيين على سنوات الاستعمار وأن تعاد الاتفاقيات التجارية المبرمة معها، متهما باريس بالاستيلاء على مقدرات وثروات الشعب التونسي طيلة سبعة عقود. وتحذّر العديد من المراجع السياسية في تونس من أن يكون قيس سعيّد مفتاحا للائتلاف الحكومي القادم الذي قد يملي عليه توجهاته وخياراته في السياسة الخارجية. وتعارض حركة النهضة منذ سنوات التعامل مع النظام المصري وكذلك ترفض إعادة العلاقات مع سوريا، علاوة على اصطفافها الواضح في علاقة بالأزمة الليبية لفائدة المجلس الرئاسي الذي يقوده فائز السراج على حساب الجيش الوطني الليبي الذي يقوده المشير خليفة حفتر. ويقول الدبلوماسي توفيق وناس إن من “أوكد أولويات الرئيس هي إعادة العلاقات مع سوريا التي تمر بأزمات، لأن انقطاع العلاقات ليس له اليوم أي معنى، ولأن الظروف تغيرت ووقع تثبيت نظام بشار الأسد واستمرار الدولة”. ولفت إلى أن “تونس لا تزال تترأس الجامعة العربية، ومن الضروري أن تسعى بصفة أو بأخرى إلى محاولة إرجاع سوريا إلى مقعدها بالجامعة ومن الممكن أن تلعب دورا في ذلك”. وفي علاقة بدول الخليج، أكّد الدبلوماسي السّابق أنه “من الممكن القيام بمحاولة لإخراج تونس بصفة أو بأخرى من المحاور والاتفاقات العسكرية، ومحاولة تهدئة العلاقات بين دول الخليج”. ومن بين صلاحيات رئيس الجمهورية وفق الدّستور التونسي، تمثيل الدولة وضبط السياسات العامة في مجالات الدفاع والعلاقات الخارجية والأمن القومي المتعلق بحماية الدولة والتراب الوطني من التهديدات الداخلية والخارجية وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة. الثورة حاضرة دائما يرى كثيرون أن سعيد الذي لم يكن معروفا قبل الثورة على الساحة سوى بكونه خبيرا قانونيا، يعد من أبرز الداعمين لثورة الشباب وأنه عرف بدعمه القوي للثورة التونسية التي أطاحت في 2011 بنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي. وبحسب سعيد فإنّ ما حدث في تونس سنة 2011 “هو ثورة إنسانية”، كما يعتبر أن “الكثير من الشعوب استلهمت من تونس ومن أحرار وحرائر تونس هذه القدرة على التنظم خارج الأطر التقليدية”. ومع تداول وجود تقارب في الرؤى بين الرئيس الجديد وهذه القوى السياسية الإسلامية التي قد تلقي بظلالها على علاقات تونس الخارجية، عجّل سعيّد خلال حملته الانتخابية بالنفي القاطع تصنيفه كمرشح للتيار الإسلامي وحركة النهضة، طارحا رؤيته للسياسة الخارجية وبعض القضايا الاجتماعية في تونس.
مشاركة :