أعاد التوغل التركي في شمال سوريا رسم خريطة المعارك والسيطرة مرة أخرى بعد نحو ثماني سنوات من نشوب الحرب. أكثر من 300 ألف نزحوا، وهو ما دفع الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية للتحذير من ظروف النازحين الصعبة. نزح أكثر من 300 ألف مدني في شمال شرقي سوريا منذ بدء القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها هجومها في التاسع من الشهر الحالي ضد مناطق سيطرة المقاتلين الأكراد، وفق ما أحصى المرصد السوري لحقوق الإنسان اليوم الخميس (17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019). وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن لوكالة فرانس برس إن غالبية النازحين فروا من محافظة الحسكة حيث تدور المعارك بين الطرفين في مناطق حدودية، بالإضافة الى منطقتي كوباني (عين العرب) بمحافظة حلب ومنطقة تل أبيض، بمحافظة الرقة في شمال البلاد. وتحولت أربعون مدرسة في محافظة الحسكة، وفق المرصد، إلى مراكز إيواء للنازحين، بينما لجأ كثيرون إلى منازل أقاربهم وآخرون يقيمون في العراء. وتحذر الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية من ظروف صعبة يعيشها النازحون على وقع التقدم العسكري التركي المستمر منذ أكثر من أسبوع. وفر، وفق الأمم المتحدة، نحو ألف شخص إلى العراق المجاور. وباتت القوات التركية تسيطر على شريط حدودي على طول نحو 120 كيلومتراً وفق المرصد. وتسبب الهجوم بمقتل 72 مدنياً على الأقل في شمال شرق سوريا، بحسب المرصد. النازحون السوريون يواجهون خيارات صعبة انتابت الهموم عكيد مشمش، من بلدة كوباني الحدودية ذات الأغلبية الكردية، خوفا على صغيره المريض الذي بدأ يتعلم المشي، بعدما فشل في الحصول على غذاء أو حفاضات لابنه المصاب بعدوى شديدة. واضطر مشمش (29 عاما) للخروج من مدينته إثر انهمار القنابل خلال التوغل التركي وقال لرويترز هاتفيا من مدينة منبج القريبة حيث يقيم هو وزوجته وابنه "الحياة توقفت. وهرب كل الأطباء ... نحن هاربون لكن لا نعلم أين نذهب". وقال مشمش إنه يفضل أن تسيطر القوات السورية على بلدته بدلا من سقوطها في أيدي القوات التركية وهو ما قال إنه يخشى أن يجعله هدفا بسبب انتمائه عرقيا للأكراد. وكانت أنقرة قد بدأت العملية العسكرية في المنطقة لاستهداف وحدات حماية الشعب التي تعتبرها تهديدا لتركيا. ويعيش في المنطقة الشمالية الشرقية ذات التباينات العرقية ما يصل إلى مليونين من بينهم أكراد وعرب وآشوريين وغيرهم نزح عدد كبير منهم من مناطق أخرى في سوريا. وقال مشمش إن الواقع الجديد على الأرض سيمثل تهديدا لمن تحاشوا الخدمة العسكرية الإلزامية أو النشطاء الأكراد المطلوبين لدى الحكومة. وبالنسبة له لا يقارن ذلك بالتوغل التركي إذ قال "هذه مشكلة وجودية". رفع صور الأسد لأول مرة منذ 8 سنوات وفي مدينة الرقة اختبأ شاب من عرب سوريا في بيته وظل يتابع الأخبار خوفا من احتمال عودة قوات الحكومة السورية. وقال الشاب وهو من ناشطي المعارضة في العشرينيات من العمر مشترطا عدم ذكر اسمه خوفا من أن يتعرض للانتقام منه "أعيش في حالة من الرعب. لا أستطيع النوم ليلا ... ولا أعرف ماذا أفعل". وظل هذا الشاب في مدينته منذ أوائل فترة الحرب رغم تغير حكامها من المعارضة السورية المناوئة للرئيس بشار الأسد إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" ثم إلى المقاتلين الأكراد. لكنه يخشى الآن عودة الحكم السوري بسبب نشاطه السابق مع منافذ محلية ونشطاء معارضين للأسد. وقال الناشط السوري وشخص آخر من سكان الرقة إنهما مازالا يشعران بالقلق من أن تبرم القوات الكردية اتفاقا مع دمشق وتسلم مدينة الرقة. وأضاف الناشط أن بعض سكان المدينة من أنصار دمشق تظاهروا يوم الاثنين مطالبين بعودة الحكم السوري ورفعوا صور الأسد للمرة الأولى منذ سنوات. غير أن أشقاء الشاب الناشط لا يرون مشكلة في البقاء في الرقة شأنهم في ذلك شأن كثيرين ولذا سيضطر للبحث عن وسيلة للخروج بمفرده. وهو يتمنى أن يتم تهريبه إلى أراض في الشمال تحت سيطرة معارضين من العرب السُنّة في الأساس تمولهم تركيا وتدربهم في منطقة من سوريا ترابط فيها قوات تركية. غير أنه يترقب الآن لمعرفة ما سيحدث. وقال الناشط إنه سمع من أقارب له في الشمال أن بعض رجال المعارضة قاموا بعمليات نهب وأتوا تصرفات غير مناسبة لكنه سيشعر بقدر أكبر من الأمان هناك عنه في ظل حكم نظام الأسد. وقال "اسمع. ما من أحد طيب. كلهم مجرمون. لكن بعضهم أسهل من غيرهم". ص.ش/ع.ج.م (أ ف ب، رويترز)
مشاركة :