فرضت التغييرات الإقليمية المتسارعة ورفع بعض التحفظات الدولية بشأن سوريا على رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري دعم مساعي وزير الخارجية جبران باسيل، ولو بتحفظ، لحلحلة أزمة اللاجئين السوريين وسبل عودتهم إلى بلادهم عبر فتح قنوات اتصال مباشرة مع النظام السوري، في وقت تعيش فيه البلاد أزمة اقتصادية خانقة قد تخف وطأتها بحل معضلة اللاجئين. بيروت – قالت مصادر قريبة من وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل إن الأخير عازم على القيام بزيارة لدمشق ستؤسس لتحول في العلاقات اللبنانية السورية. وأوضح المصدر أن رئيس التيار الوطني الحر يقوم بهذه الخطوة بعد قراءة دقيقة للمشهدين الإقليمي والدولي، وبعد استنتاجه عدم وجود معوقات داخلية لبنانية تحول دون ذلك. وعلى الرغم من أن خطوة باسيل القادمة تندرج ضمن أجندة يريدها حزب الله في هذا الصدد، وبدا طلبها واضحاً وملحاً في اللقاء الذي جمع لمدة 7 ساعات باسيل مع الأمين العام للحزب حسن نصرالله قبل أيام، إلا أن المراقبين دعوا إلى التمعن ملياً في رد رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري على باسيل حين أعلن الأخير عن خططه، واعتبروا أن زعيم تيار المستقبل يمنح وزير الخارجية بركة لمسعاه، وإن كانت قد قدمت مشروطة بالأهداف المطلوب تحقيقها من الزيارة. وكان باسيل قد غرد، الأحد الماضي، على تويتر معلناً “أنا أريد أن أذهب إلى سوريا لكي يعود الشعب السوري إلى سوريا كما عاد جيشها ولأني أريد للبنان أن يتنفّس بسيادته وباقتصاده”، مضيفا أنه “قبل نكبة فلسطين كانت للبنان رئتان، والآن أصبح برئة واحدة، فسوريا هي رئة لبنان الاقتصادية”. ورد رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، على باسيل في بيان صدر الاثنين قال فيه “للتذكير فقط .. دم الرئيس رفيق الحريري أعاد الجيش السوري إلى سوريا”. وأضاف البيان، الذي نشر على الحساب الرسمي لرئاسة مجلس الوزراء على تويتر، “إذا أراد رئيس التيار الوطني الحر زيارة سوريا لمناقشة إعادة النازحين السوريين فهذا شأنه.. المهم النتيجة، فلا يجعل النظام السوري من الزيارة سببا لعودته إلى لبنان، لأننا لا نثق بنوايا النظام من عودة النازحين وإذا تحققت العودة فسنكون أول المرحبين”. وشدد الحريري على أن “لبنان لا تنقصه سجالات جديدة، والهمّ الأساسي عندي اليوم كيف نوقف الأزمة الاقتصادية”. وقرأت أوساط سياسية لبنانية رد الحريري بأنه يمنح وزير الخارجية ضوءا أخضر لاستكشاف سبل حلحلة موضوع اللاجئين السوريين من خلال علاقة ترقى إلى مستويات سياسية لبنانية سورية، بعد أن كان التواصل بين بيروت ودمشق يجري على مستوى أمني يتولاه مدير عام الأمن العام في لبنان اللواء عباس إبراهيم. وقالت مصادر دبلوماسية إن موقف الحريري يعتبر مرناً ويتّسق مع التحولات الحاصلة إقليمياً ودولياً في هذا الصدد. ورأت أن المطالبة بعودة النظام السوري إلى حضن الجامعة العربية باتت صريحة وإن كان الأمر يحتاج إلى المزيد من الوقت حتى يتضح الموقف الدولي بشأن التسوية السياسية التي تسهر روسيا على إنتاجها. واعتبرت أن الحريري العائد من زيارة إلى الإمارات والذي يملك تواصلاً دائماً مع القيادة السعودية يمتلك من المعطيات ما يدفعه إلى عدم اتخاذ موقف راديكالي معارض لزيارة باسيل إلى دمشق. ولفتت المصادر نفسها إلى أن التطورات التي تلت الحملة العسكرية التركية شمال شرق الفرات، لجهة الاتفاق بين الأكراد ونظام دمشق، وتمدد الحضور العسكري صوب الحدود السورية التركية من خلال المرور بالمدن التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، ومباركة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لاتفاق الأكراد مع النظام السوري، تؤشر على تبدل مزاج دولي في التعامل مع دمشق بصفتها أمراً واقعاً وجب التعامل معه. وخلصت هذه المصادر إلى أن الموافقة الضمنية التي يبديها الحريري للتواصل مع دمشق تحت عنوان إيجاد سبل لتسهيل عودة اللاجئين، قد تكون مستوحاة من توجه دولي، لاسيما أوروبي، للقيام بمقاربات تجريبية هدفها التعاطي مع دمشق ومن خلفها موسكو لحلّ أزمة اللاجئين الذين باتوا معضلة بنيوية خطيرة بالنسبة إلى دول الاتحاد الأوروبي، خصوصاً بعد المواقف التي يكررها الرئيس التركي في التهديد بفتح حدود بلاده أمام الآلاف من هؤلاء اللاجئين باتجاه أوروبا. غير أن مصادر قريبة من تيار المستقبل شككت في إمكانية نجاح وزير الخارجية اللبناني في إقناع نظام دمشق بفتح أبواب عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وبالتالي فإنه لا طائل من اتخاذ الحريري مواقف معادية لجهود باسيل في شأن يتقرر نجاحه في دمشق. ورأت المصادر أن الحريري يسعى إلى التخلّص من عبء المسؤولية التي توضع على عاتقه من خلال اتهامه بأنه يعرقل عودة اللاجئين برفضه تواصل الحكومة اللبنانية والحكومة السورية، وأن المرونة التي أبداها هي مرونة مشروطة بالنتائج التي يمكن لباسيل أن يحققها في هذا الملف. ولفت مراقبون إلى أن الحريري الذي يمتلك علاقات شخصية ممتازة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويحرص على استمرار تواصله مع القيادة الروسية من خلال مستشاره للشؤون الروسية جورج شعبان، لا يريد الظهور كمعرقل للمقاربة الروسية التي تعمل على تسويق مشاريع لإعادة اللاجئين وإعادة الإعمار في سوريا، كما الضغط باتجاه إعادة دمشق إلى مقعدها في جامعة الدول العربية. ويخلص هؤلاء إلى أن موقف الحريري محسوب ويأتي مجارياً للمستجدات لا مستبقاً لها.
مشاركة :