رواية قصيرة لغتها مكثفة بلا حوارات إلّا في القليل النادر، تتكون من ثلاثة وأربعين مقطعاً، تهيمن عليها نبرة وصفيّة بوحيّة تثيرعدة أسئلة: منها ما يتعلق بالهوية الأجناسية: رواية أو سيرة أو قصة قصيرة أو اعترافات، فهي تروى بضمير المتكلم والمروي له طبيب مجهول الهوية والاسم، طبيب نفسي يذكرنا بنظيره في (رواية العصفورية) وراويها (بشارالغول) وطبيبه (سمير ثابت) الأول بطلها الذي يماثله (عبد الأمين) ومنها ما يتصل برؤية الكاتب الفلسفية. في هذه الرواية تنثال التداعيات عبر السرد في جلسات الأمين مع طبيبه النفسي، ولكنه يختلف عن بشّار الذي يتشعّب عالمه في فضاء بلا حدود إذ يركّز على تجربته الخاصة في رؤية محدّدة بحيزه الضيّق المتصل بالمرأة أمّا وزوجة بوصفهما يشكّلان محيطهالنسوي الذي يتسع ليشمل عالم المرأة كله كما يراه. ثلاث شخصيات رئيسة تشكّل عالم الرواية: الراوي وزوجته وأمّه، عالمه النفسي حافل بالعقد تمخضت عنها علاقات نمطية ثابتة. أما الأحداث التي يرويها الراوي فتتمركز كلها حوله وتبدو رصدا لانطباعاته النفسية عن سلوك المرأتين في البيت وهو المكان المغلق الذي يتقوقع الجميع فيه فيصبح عصيّا على الانفتاح، أزمة نفسية تأخذ بتلابيب بطل القصة؛ عالمان متوازيان في بنية مزدوجة: خارجيّة واقعيّة وأخرى داخليّة نفسيّة، وتبدو الرواية في وقد تمحورت حول أزمة خانقة. الرواية بشخصياتها القليلة وحيّزها المحدود وأحداثها المتماثلة وعلاقاتها المتواشجة أقرب إلى بنية القصة القصيرة التي توصف بأنها (فن الأزمة) وفن الجماعات المقهورة تفضي إلى الانطباع الموحد في لحظة تنوير ساطعة تتمثّل في (الانفراج بعد البوح) ولكنّ الزمن فيها ممتد من الطفولة إذ يتتبّع الراوي حياته في روتينها القاتل وأفقها المقفل من خلال الاسترجاع يستعيد عبره زمن الطفولة؛ ولكنه لا يخرج عن الإطار الذي تشكّلت داخله أزمته النفسيّة وانتهت إلى انفراج مؤقت فهو يقول في ختام الرواية «شكراً لك يا دكتور، فعلاً، لقد ارتحت كثيراً بعد الكتابة، وأصبحت أكثر هدوءاً وأكثر قربا مني، كما أني أصبحت وحيدا في غرفة النوم، أنهض كل صباح أنظر من ثقب الباب لأتأكد من صمت الصالة، أذهب بعدها إلى العمل وأعود في آخر اليوم وكأن شيئا لم يكن ..» ص110 هذه النهاية تتكامل مع البداية أو مايعرف في النقد الروائي بالاستهلال الذي يمثل العتبة النصيّة الأكثر أهمية التي تتشكّل من خلالها البنية الرئيسة في الرواية وتمثّل علامة مميزة دالة على بؤرة الاهتمام وتظل ماثلة طيلة مراحل السرد، إشارة مركزيّة قوية تشد خيوط البنية الروائية وتضيء ماتنطوي عليه من دلالات. لقد استهل الكاتب روايته استهلالا وصفيا للشخصيتين الرئيستين في الرواية (أم الراوي وزوجته) في مختلف مراحل السرد، مختزلة علمهما كما يراه الراوي علة أزمته التي تمسك بتلابيبه منذ ابداية إلى النهاية. «انظر إلى كومتي اللحم المغطاّتين بملابس نسائية، وكأنني أراهما لأول مرة متكومتان بجوار بعضهما بالقرب من النافذة، تجلسان متقاربتين، الأولى الأكبر حجما تسند رأسها إلى ظهر الكنبة الزرقاء التي تجلس عليها، أما الثانية الأ؟صغر حجما فقد كانت شبه نائمة بعد تراكم بعض الظلام أمام عينيها» ص7 ثيمتان رئيستان متوازيتان تدور حولهما الرواية: الأولى تتمثل في الأسوار التي تبنيهما الثقافة السائدة التي تدعي التقوى والتديّن، والثانية انغلاق الأفق أمام الخلاص منها تتمثل في أزمة الراوي الشخصية التي لايملك منها فكاكا، وهنا تتبدّى المفارقة التي تنهض عليها الرواية منذ العنوان.
مشاركة :