السر الحقيقي للتميُّز الوظيفي في كل مهنة، وتحت مظلة أي مؤسسة، يتعلق بالفرد نفسه ومدى شعوره بحقيقة انتمائه، والقيم التي يتبناها ويعمل على تحقيقها بمصداقية عالية، ومحاسبة مستمرة للنفس بدون البحث عن إرضاء الآخرين، هذا ما أؤمن به، وما تعلَّمته من والدي -حفظه الله-، قدوتي في العمل المهني التعليمي. فالانتماء للمؤسسات التعليمية يحتاج همم عالية تؤمن بعظم الأمانة التي ألقيت على عاتقنا، نعم العمل في التعليم مختلف تماماً عن كل الوظائف، لأن المعلم قدوة ومُربي ومعدل سلوك، وهو بين طلابه الأب الحنون ومحط الأنظار لكل أفراد المجتمع، حيث إنه يتمتع بسمت الوقار والحكمة، ويتحلى بكريم الصفات، ولا يمكن أن يقبل أحد سقطة من معلم، أو منظر يُخالف العرف أو التقاليد.. فمن يتصدَّى لمهنة التعليم، لابد أن يكون قدوة في تصرفاته. لا تُنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إن فعلت عظيم! كُنَّا قبل أيام نحتفي بيوم المعلم وتكريمه، والإشادة بدوره، وها هي كلماتي أُسطِّرها كي أرفع كل الدعوات الصادقة لكل من علَّمني حرفاً، لكل من أثَّر في مسيرتي المهنية، وأعطاني حيزاً من وقته، وسمح لي أن أتعلَّم في مدرسته، لكل مَن دعمني وسطَّر كلمات الثناء والتقدير التي رفعت معنوياتي، وعزَّزت من شخصيتي، وألهمتني الصواب في حياتي . شكراً لكل شهادة شكر وتقدير حصلتُ عليها وأنا على مقاعد الدراسة، وأخص بشكري؛ تلك المعلمة التي علَّمتني أحكام التجويد، وكسرت في نفسي حاجز الخوف من مواجهة الآخرين، وأصرَّت أن أشارك في مسابقة حفظ سورة النور، وكنت حينها في المرحلة المتوسطة، رحمك الله معلّمتي، أعلم بعد كل هذه السنين، وأنت تحت التراب، أنك تستحقين أن أبقى محتفظة لك بدينٍ في رقبتي إلى يوم الدين. كلما شاركت في محفل وواجهت الناس وتحدَّثت بطلاقة، تذكَّرتُكِ ودعوتُ لكِ، هذا الاحتراف في العمل والمهنية العالية لمعلم أدرك حقيقة دوره، الذي من أجله خرج من بيته، هو الذي سيبقى أثره حتى ولو غادر الدنيا. لكل الذين مازالوا في مناصبهم وعلى رأس العمل، أقول لهم ولنفسي: المناصب ستزول يوماً، وسيبقى لنا فقط الذكرى الطيبة، والتعامل الراقي فيما بيننا، فالخُلق الحسن والكلمة الطيبة مما أوصانا بهما نبينا عليه الصلاة والسلام، والمحاباة والتعصب لذوي القربى ومَن تهواه قلوبنا لن يكون لنا شفيعاً عند الله؛ إن ظلمنا أو أجحفنا بحق مَن يستحق التقدير والإشادة، وتصفية القلوب والعقول من أفكار سوداء تزرع الضغينة والحقد هو سبيلنا للعمل الاحترافي. المهنية تقتضي أن نُوكل الأمر لمن يستطيع تأديته على الوجه الأمثل لمصلحة العمل، ورفعة الوطن.
مشاركة :