ارتفعت حدة التظاهرات الاحتجاجية التي تعمّ لبنان لليوم الثاني على التوالي، حيث وصل محتجون للمرة الأولى منذ سنوات إلى المدخل المؤدي إلى قصر بعبدا الرئاسي في ظل إجراءات أمنية مشددة. ووصل عشرات المحتجين إلى المدخل المؤدي للقصر الرئاسي شرقي بيروت، مطالبين باستقالة الحكومة وإسقاط النظام، فيما حاصرتهم القوى الأمنية ومنعت تقدمهم، كما منعت السيارات من الاقتراب. وهذه هي المرة الأولى التي تشهد فيها هذه النقطة احتجاجات منذ أزمة النفايات عام 2015 والتي شهدت البلاد حينها تظاهرات حاشدة. وألغى رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري اجتماع حكومي كان مقررا الجمعة حسب تصريحات نقلها تلفزيون المنار عن وزيرة الداخلية اللبنانية ريا الحسن. ودخلت الاحتجاجات ضد الإجراءات الجديدة في البلد الذي يعاني من أزمة اقتصادية يومها الثاني الجمعة. وتركزت الاحتجاجات في بدايتها ببيروت الجنوبية، مركز ثقل حزب الله في لبنان قبل أن تعم كافة مناطق البلاد وذلك احتجاجا على نواب الحزب الذين وافقوا على تمرير هذه الإجراءات. وفي مؤشر على توسع الاحتجاجات، حذرت دول عربية، مواطنيها في لبنان، وحثتهم على ضرورة الابتعاد عن أماكن الاحتجاجات التي تشهدها البلاد. وطلبت سفارة الرياض لدى بيروت، من جميع مواطنيها "المقيمين والزائرين أخذ الحيطة والحذر والابتعاد عن أماكن التظاهرات والاحتجاجات". وأشارت السفارة، في بيان، أن ذلك جاء "نظراً للأوضاع الأمنية الراهنة التي تشهدها الجمهورية اللبنانية، وحرصاً على سلامة المواطنين السعوديين". من جهتها، وجهت سفارة الإمارات في بيروت تحذيراً لرعاياها المتواجدين في جميع المناطق اللبنانية، ودعتهم لـ"ضرورة تفادي أماكن التظاهرات، والبقاء في مقر إقامتهم لضمان أمنهم وسلامتهم". بدورها دعت سفارة الكويت في بيروت، مواطنيها العازمين على السفر إلى لبنان للتريث نظرا لما يشھده من مظاھرات واضطرابات. وقالت في بيان إن "على المواطنين الموجودين في الأراضي اللبنانية اتخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر والابتعاد عن مناطق المظاھرات"، داعية إياھم إلى أھمية اتباع الإرشادات الأمنية. فيما دعت السفارة المصرية في بيروت، جميع المواطنين المصريين في لبنان إلى ضرورة الابتعاد عن مناطق التجمعات والتظاهرات، وتوخي الحذر أثناء تنقلاتهم. وشددت في بيان على "الالتزام بما يصدر عن السلطات اللبنانية من تعليمات حفاظا على سلامتهم ". بدورها دعت الخارجية الأردنية، مواطنيها في لبنان وخاصة العاصمة بيروت إلى الابتعاد عن مناطق التوتر والتجمعات والحذر أثناء تنقلهم. وأشارت في بيان، إلى عدم تلقي سفارة المملكة في بيروت أي ملاحظة تتعلق بسلامة الأردنيين المقيمين جراء الأحداث التي يشهدها لبنان. وأغلقت المدارس والجامعات أبوابها التزاماً بقرار وزير التربية أكرم شهيب بسبب الوضع المستجد، كما تم إغلاق المصارف. وأصدر المكتب الإعلامي لوزير التربية بيانا قال فيه "تغلق المدارس الرسمية والخاصة والجامعات يوم الجمعة 18 أكتوبر 2019 بسبب الأوضاع الراهنة في البلاد". فيما دعت وزيرة الداخلية اللبنانية ريا الحسن المتظاهرين إلى عدم التعرض للأملاك العامة وتفادي أعمال التخريب، خلال المظاهرات التي انطلقت منذ مساء أمس. وقالت الوزيرة الحسن في تغريدة لها عبر حسابها على "تويتر" الجمعة: "أتوجه مجددا الى كل المواطنين المشاركين بـ التظاهرات بالتأكيد ان حرية التظاهر والاعتصام تعبيرا عن مطالبهم، هو حق مقدس يكفله الدستور". وأضافت " من هذا المنطلق، أهيب بكل المشاركين عدم التعرض للاملاك العامة والخاصة واقفال الطرقات وتفادي اعمال التكسير والتخريب المنافية لاخلاقيات اللبنانيين".وتواصلت اليوم الجمعة الاحتجاجات على الأوضاع المعيشية الصعبة وإقرار الضرائب في العاصمة بيروت وعدد من المناطق في لبنان. كما دعا رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الزعيم الدرزي في لبنان، وليد جنبلاط، الجمعة، إلى التظاهر "السلمي"، في ظل تصاعد وتيرة الاحتجاجات لليوم الثاني على التوالي. وتوجّه جنبلاط عبر حسابه على "تويتر" إلى أعضاء حزبه ومناصريه بالدعوة إلى التظاهر "الهادئ السلمي ضد هذا العهد الذي خرّب كل شيء، واستأثر بكل شيء". وأضاف: "نتحرك في مناطقنا لعدم خلق حساسيات". وقال الزعيم الدرزي وليد جنبلاط في حديث تلفزيوني ليل الخميس إن التظاهرات "قلبت الطاولة على الجميع"، مضيفاً "اتصلت بالرئيس الحريري وقلت له إننا في مأزق كبير وأفضل أن نستقيل سوياً". ومن جهته، دعا حزب القوات اللبنانية الذي يرأسه سمير جعجع، في بيان الجمعة، الحريري إلى تقديم استقالته. ووجه رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع "دعوة صادقة الى رئيس الحكومة سعد الحريري لاستقالة حكومته"، نظرا "لفشلها الذريع في وقف تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في البلاد مما أوصلنا الى الحالة التي نحن فيها". وكتب جعجع على حسابه بموقع تويتر "أفضل ما يمكن ان يقدمه الرئيس سعد الحريري في هذه اللحظات الحرجة والعصيبة هو تقديم استقالة هذه الحكومة تمهيداً لتشكيل حكومة أخرى مختلفة تماماً وجديدة تماماً تستطيع قيادة عملية النهوض الاقتصادي المطلوبة في البلد". وبدأت المظاهرات الاحتجاجية مساء الخميس وسط العاصمة بيروت عقب قرار اتخذته الحكومة بفرض ضريبة على تطبيق "واتساب" وسرعان ما انتقلت المظاهرات لتعم كافة المناطق اللبنانية، وقام المتظاهرون بإغلاق الطرقات بالإطارات المشتعلة في جميع المناطق اللبنانية، في العاصمة بيروت، وفي جبل لبنان، وشماله وجنوبه وشرقه. ولاحقاً أعلن وزير الاتصالات محمد شقير التراجع عن مسألة فرض ضريبة على "واتساب " ولكن المظاهرات استمرت في مختلف المناطق اللبنانية واستمر إغلاق الطرقات. وردد المتظاهرون هتافات تنادي بإسقاط الحكومة احتجاجا على "الأوضاع الاقتصادية الصعبة "وضد الضرائب التي أقرتها الحكومة، وطالبوا باسقاط "حكومة الضرائب". ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل عجز الموازنة الحالي في لبنان إلى 30 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية العام الجاري. وأفادت وكالة "بلومبرغ" للأنباء بأن الصندوق أصدر تقريرا جديدا مع تصاعد العنف توقع فيه أن ضعف النمو الاقتصادي الذي بلغ 0.3 بالمئة العام الماضي، سيتواصل خلال العام الجاري في ظل الاضطرابات السياسية و الاقتصادية في البلاد. وتتعرض بيروت لضغوط من أجل خفض الانفاق وزيادة الضرائب ومكافحة الفساد، وهي الشروط التي وضعها المانحون الدوليون من أجل صرف أجزاء من المبالغ التي كانوا قد تعهدوا بتقديم للبنان بقيمة 11 مليار دولار. ولا يزال المتظاهرون حتى الآن يملؤون الساحات في كافة المناطق اللبنانية. وقالت وزيرة الداخلية والبلديات ريا الحسن في تصريح لقناة الميادين التي تبث من لبنان إن "التظاهرات سلمية وهناك تعليمات بعدم الاحتكاك وحتى الآن لا توجد أعمال تخريبية والأمن ممسوك، وأي محاولات تخريبية ستواجهها القوى الأمنية". وأضافت "إن الحكومة خياراتها ضيقة وهي تحاول تجنيب الشعب الإنهيار" مشيرةً إلى أنه" من الضروري على الحكومة الموازنة بين إجراءات التقشف وتخفيف وطأتها على المواطن اللبناني".
مشاركة :