أكد خبراء اقتصاديون ورجال أعمال أن تهاوي أسعار النفط إلى مستويات غير متوقعة يجب أن يحفز صناع القرار الاقتصادي على التفكير جديا بإيجاد آليات مستدامة لتنويع مصادر الدخل، خاصة وأن التحديات امام البحرين لا تكمن فقط في انخفاض أسعار النفط فقط، بل في انخفاض انتاجه أيضا في ظل تقادم حقل البحرين النفطي وعدم وجود استكشافات جديدة. وأشاروا إلى وجود قطاعات يمكن التعويل عليها بشكل جدي في سد العجز الناتج على الفرق بين سعر النفط المعتمد في الميزانية العامة (90 دولارا) وسعره الحالي الذي يحوم حول (50 دولارا)، وخصُّوا بالذكر قطاعات الاتصالات والصناعة والعقار، إضافة إلى ضرورة الاستثمار الأمثل لاتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة الأمريكية. المؤيد: الصناعة هي الحل وقال رجل الأعمال عضو مجلس إدارة غرفة صناعة وتجارة البحرين محمد المؤيد إن تنويع مصادر الدخل مسألة حياة أو موت لدولة صغيرة مثل البحرين، معربا عن قلقه إزاء عدم وجود تصورات وخطط واضحة حتى اللحظة لتنويع مصادر الدخل في ظل قلة الإيرادات النفطية أساسا مقارنة بدول الخليج العربي الأخرى من ناحية، وتراجع هذه الإيرادات رويدا رويدا مع اقتراب العمر الافتراضي لحقلي أبو سعفة والبحرين من النفاد وعدم وجود اكتشافات نفطية مبشرة رغم الجهود الكبيرة التي تبذل في هذا الاتجاه. واضاف المؤيد أنه رغم قلة المردود النفطي وتراجع الانتاج تأتي مسألة تقلبات أسعار النفط في السوق العالمية، وهي تقلبات مفاجئة في الصعود والهبوط ولا يمكن التنبؤ بها بدقة، والدليل على ذلك انخفاض اسعار النفط إلى ما دون السعر المستهدف في الميزانية العامة لجميع الدول التي يعتمد اقتصادها بشكل رئيسي على النفط مثل دول الخليج العربي وفنزويلا مثلا التي لم تصمد أكثر من شهر واحد حتى باتت عاجزة عن دفع رواتب موظفيها. وقال إن هذه ليست هي المرة الأولى التي تهوي فيها أسعار النفط إلى هذه الحدود المتدنية، لكننا مع الأسف لا نتعلم من المرات السابقة، وسرعان ما تخبو همتنا عند تحسن الاسعار، ونعود لسابق عهدنا في الاعتماد على النفط بشكل شبه كامل في تصريف أمور حياتنا. وعن تصوراته لتأمين موارد متنوعة تسد العجز المتأتي عن انخاض أسعار النفط، دعا المؤيد إلى التركيز على القطاع الصناعي، وقال أثبتت الظروف أن القطاع الصناعي هو الأكثر ارتكازا وأهمية في مجال دعم الاقتصاد الوطني، ورغم التحديات التي يواجهها القطاع في البحرين مثل قلة الأراضي الصناعية وعدم توفر إمدادات كافية من الغاز، إلا أنه يمكن تجاوز هذ التحديات بحلول مبتكرة مثل الاعتماد على الصناعات الذكية، والاستفادة من الاراضي الصناعية في المحافظة الشرقية في المملكة العربية السعودية. الزياني يدعو لاستثمار اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة فيما اشار رجل الأعمال وعضو مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة البحرين خالد الزياني إلى أن ردة الفعل تجاه انخفاض اسعار النفط لا يجب ان تكون الخوف والاستكانة والتفكير بمناطق أخرى للاستثمار، وإنما هي فرصة للتفكير جديا بالاستمثار الأمثل لموارد البحرين غير النفطية، وهي موارد كثيرة جدا، لكن لا يجري استثمارها بشكل كامل مع الأسف، كما قال. واشار الزياني إلى أهمية قطاعات مثل الصناعة والاتصالات والمواصلات والسياحة في تنويع مصادر الدخل، لكنه قال أود التركيز على موضوع محدد وهو ضرورة وضع آليات مستدامة للاستفادة من اتفاقية التجارة الحرة بين مملكة البحرين والولايات المتحدة الأمريكية، وسبل تعظيم الاستفادة منها لكلا البلدين. ودعا الزياني إلى تشكيل لجنة دائمة من مختلف الجهات المعنية في القطاعين العام والخاص تتولى مسؤولية نشر الوعي بأهمية هذه الاتفاقية في أوساط رجال الأعمال في البلدين، وفي أوساط المستثمرين من منطقة الخليج العربي والعالم والذين بإمكانهم بموجب هذه الاتفاقية القدوم إلى البحرين وتأسيس شركات صناعية وخدمية مستفيدين من التسهيلات الكبيرة التي تقدمها المملكة، ثم تصدير منتجاتهم إلى السوق الأمريكية دون أن يضطروا لدفع ضرائب. وأعرب الزياني عن اعتقاده بإمكانية استفادة الكثير من الشركات البحرينية أو الفروع المحلية للشركات الأجنبية من اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة الأمريكية بشكل أفضل، وخاصة الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، وقال كانت مملكة البحرين أول دول خليجية توقع على هذه الاتفاقية مع الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تعتبر واحدة من ضمن 20 دولة فقط في العالم المرتبطة باتفاقية التجارة الحرة المعمول بها حاليا مع الولايات المتحدة والتي ساهمت بدفع العلاقات التجارية بين البحرين والولايات المتحدة الأمريكية. وتتيح اتفاقية التجارة الحرة لمزودي السلع والخدمات البحرينيين الفرصة في أن يكونوا أكثر قدرة على المنافسة في السوق الأمريكي، ذلك أن السلع البحرينية المصنعة محلياً والمؤهلة بموجب الاتفاقية سوف توفر على المشترين نسبة تكلفة عالية في رسوم الاستيراد، فضلا عن امتلاك المصدرين البحرينيين ميزة تنافسية في الولايات المتحدة من خلال التنافس مع مصدري بلدان العالم الثالث التي لا تتمتع بالفوائد والمزايا المنصوص عليها في اتفاقية التجارة الحرة، فضلاً عما تعززه الاتفاقية من عدالة في نهج المشتريات الحكومية. وأكد الزياني أهمية الاتفاقية في رفع معدلات التجارة بين المنامة وواشنطن، خاصة وأنه بلغ حجم الصادرات الأمريكية إلى البحرين 1.2 مليار دولار، فيما كانت لا تتجاوز قيمتها 350.8 مليون دولار في العام 2005 قبل التوقيع على اتفاقية التجارة الحرة. كما ارتفع حجم الواردات من البحرين الى ما يقارب 701 مليون دولار في العام 2012، بعد أن كانت تبلغ قيمتها 431.6 مليون دولار في العام 2005. 40 % من الاقتصاد مرتبط بالعقار بدوره قال رئيس لجنة القطاع العقاري بغرفة التجارة والصناعة الدكتور حسن إبراهيم كمال ان تنويع مصادر الدخل يتطلب عملا تكامليا بين مختلف القطاعات وصناع القرار الاقتصادي في البحرين، ودعا إلى وضع منظومة اقتصادية متكاملة قابلة للقياس وتصويب الأداء. وتطرق د. كمال بشكل خاص إلى قطاع العقار في البحرين الذي بدأ يستعيد عافيته بشدة منذ العام 2013، وقال معروف أن قرابة 40% من النشاط الاقتصادي في أي دولة مرتبط بالعقار، لهذا السبب يشكل انتعاش السوق العقاري انتعاشا للاقتصاد الوطني ككل، وتوقع كمال أن يحقق سوق العقارات في البحرين نمواً يصل إلى 7% في العام الجاري. وأكد الدكتور كمال أن حلحلة ملف المشاريع العقارية المتعثرة من شأنه أن يسهم في سد جزء كبير من العجز الذي سيتأتى عن تدهور أسعار النفط، لكنه دعا إلى استدامة الجهود الساعية إلى تهيئة بنية تحتية وتشريعية متطورة لانطلاقة عقارية قوية في البحرين. واشار إلى أن الاستمرار في تنظيم سوق العقارات في البحرين، وجعله أكثر جاذبية وشفافية، وتدريب العاملين في على اسس التسويق الصحيح للعقار، هي أمور من شأنها تعزيز جاذبية هذا القطاع أمام المستثمرين الخلجيين على وجه الخصوص، وهو ما يسهل جذب استثمارات كبيرة تحرك الاقتصاد الوطني إبان الإبطاء من وتيرة الانفاق الحكومي في ظل تراجع أسعار النفط. حبيل: نعاني منافسة جيراننا في جذب المستثمر الخليجي الرئيس التنفيذي لتسهيلات البحرين عادل حبيل أشار إلى أن الشركات الأكثر نجاحا هي التي تعتمد على تنويع أنشطتها وبالتالي تنويع مصادر دخلها، وشدد على أهمية الاستئناس بتجربة تلك الشركات عند العمل الجدي على تنويع مصادر الدخل الوطني. وقال لدينا مثلا في شركة تسهيلات البحرين أنشطة تجارية واستثمارية متنوعة، مثل القروض الشخصية، والعقارات، والتأمين، والسيارات، وغيرها، وهذا يحافظ على استقرارنا بل ونمونا الدائم حتى عند إصابة أحد نشاطاتنا بالضرر كما حصل معنا عندما توقف فرعنا لمبيعات السيارات في مدينة إربيل بإقليم كردستان العراق نتيجة للأحداث الأمنية التي يشهدها العراق حاليا، عندها قمنا بتحويل مخزونات ذلك الفرع إلى مكان آخر، ورغم أن هذا تسبب للشركة بخسائر إلا أن النتيجة النهائية لأداء الشركة المالي كان إيجابيا خلال العام 2014، وذلك اعتمادا على الأرباح التي تحققت من نشاطاتنا الأخرى. وأكد حبيل ضروة التفات البحرين إلى تهيئة استثمارات في القطاعات الجاذبة للمستثمرين من دول مجلس التعاون الخليجي، مثل الاستثمارات العقارية والسياحية والترفيهية، وقال نحن نعلم تماما أن الاقتصاد الخليجي واحد وهو يتصف بسهولة تحريك الأموال بين دول الخليج، مع الإشارة إلى وجود تنافسية إيجابية بين هذه الدول لاستقطاب استثمارات داخلية وخارجة، فإنه على البحرين بذل جهود مضاعفة لتعزيز مقوماتها الجاذبة للاستثمارات مثل موقعها الجغرافي وانفتاح المجتمع البحريني ووجود الكوادر البشرية المدربة ورخص الإيجارات نسبيا، وتلك التي يجب العمل عليها وتطويرها باستمرار مثل التشريعات والقوانين التجارية وتحسين البنية التحتية. وشدد في هذا الصدد على أهمية الترويج للبحرين على المستوى الإقليمي والعالمي، وقال إن مسألة الترويج أصبحت من الاساسيات اليوم في ظل سعي الكثير من الدول لإظهار نفسها موطنا أولا لاستثمارات رجال الأعمال الناجحة، وأشار إلى دور مجلس التنمية الاقتصادية وغرفة تجارة وصناعة البحرين في ذلك. وقال أصبح الترويج أحد أهم القنوات المؤدية لتنويع مصادر الدخل، والترويج ليس إعلانات طريقة أو مهرجانات أو معارض فقط، بل حتى إن افلام السينما والمسلسلات دخلت في مسألة الترويج لهذا البلد أو ذاك. الشهابي يدعو للتركيز على قطاع المعلومات والاتصالات من جانبه قال رجل الأعمال مازن الشهابي إن قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات يمكن أن يسهم إلى حد كبير في تنويع مصادر الدخل، وأشار إلى أهمية استقطاب المزيد من الاستثمارات لقطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الذي يزداد حجمه بنسبة 5% سنويا ليصل إلى 154 مليون دولار حتى عام 2016 وفق تقديرات وزارة الصناعة والتجارة، لافتا إلى أن البحرين لديها كل المؤهلات للنهوض في هذا القطاع، وخاصة لناحية وجود الكوادر البشرية الخبيرة والمدربة، والكليات التقنية، والتشريعات المتطورة، إضافة إلى قرب البحرين من السوق السعودي الذي وصل حجم الاستثمارات في قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات فيه إلى قرابة 53 مليار دولار ويخلق هذا القطاع نحو 60 ألف فرصة وظيفية في سوق العمل سنويا. الشهابي، وهو نائب رئيس لجنة تقنية المعلومات والاتصالات في غرفة تجارة وصناعة البحرين، أكد دور الغرفة في العمل مع باقي الجهات المعنية بقطاع المعلومات والاتصالات في القطاعين الحكومي والخاص على تحقيق الأهداف الطموحة التي يرمي إليها القطاع، خاصة وأن تقارير سابقة صنفت البحرين ضمن الدول الرائدة في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، حيث احتلت المملكة المرتبة الثانية في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقياً، والمرتبة 36 من بين 192 دولة في العالم في تطبيقها لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتوفيرها بشكل متكامل لمواطنيها. وقال البحرين بإمكانها استعادة مكانتها الرائدة في قطاع تكنولوجيا المعلومات في منطقة الخليج العربي، وقد أسهمت العقلية المنفتحة ونهج التفكير المستقبلي الواعي على الدوام بأن تصبح المملكة مكاناً مثالياً لتقديم تقنيات جديدة للمنطقة، يضاف إلى ذلك ما شهدته المملكة من نمو سريع في الابتكار. ولفت إلى أن ارتفاع الطلب على منتجات وخدمات تكنولوجيا المعلومات من كل من القطاعين العام والخاص. والحاجة المتنامية للحلول التقنية المتكاملة والفعّالة رافقها توسع في إطلاق مبادرات الحكومة الإلكترونية والتجارة الإلكترونية، هي عوامل يمكن التعويل عليها في تحقيق تنوع اقتصادي حقيقي.
مشاركة :