يدفع صقور اليمين الشيعي الموالون لإيران في العراق، تجاه اتخاذ حركة الاحتجاج الشعبية التي انطلقت مطلع الشهر الجاري، غطاء لتحويل النظام السياسي الذي يحكم البلاد من “برلماني”، إلى “رئاسي”، ما يمكنهم من إعادة إحكام القبضة على السلطة دون حاجة للمحاصصة مع الأكراد والسنة. ووفقا للدستور العراقي النافذ، فإن البرلمان الذي ينتخب من قبل الشعب، هو المصدر الرئيسي للسلطات، فهو الذي ينتخب رئيس الجمهورية وهو الذي يصوت على قبول البرنامج الحكومي لرئيس الوزراء ومنح أعضاء كابينته الثقة. واستيعابا لواقع التعدد الطائفي والإثني في العراق، اتبعت الأحزاب السياسية التي تشكلت بعد العام 2003، صيغة النظام ذي الأقطاب الثلاثة، الذي يتكون مما يعرف بالرئاسات الثلاث، رئاسة البرلمان ورئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة. وارتبطت هذه الصيغة، بنظام غير معلن، يقوم على المحاصصة، وواقعه أن يحصل ممثل عن كل مكون من المكونات الرئيسية الثلاثة، الشيعة والسنة والأكراد، على منصب من هذه المناصب الثلاثة، بشرط أن يذهب المنصب الأهم إلى المكون الأكبر. وبرغم أن الدستور العراقي لم ينص على شيء من هذا القبيل، إلا أن الشيعة احتكروا منصب رئيس الحكومة، وهو الأهم في النظام العراقي، منذ 2003، بحكم الأغلبية التي يملكونها، فيما ذهب منصب رئيس الجمهورية، ذو الصلاحيات الشكلية إلى حدّ بعيد للأكراد، فصار منصب رئيس البرلمان من حصة السنة. ومع أن هذا التقسيم يبدو مريحا للجميع، لاسيما مع الاسترضاءات التي يمكن أن يحصل عليها المكون الذي لا يعجبه منصبه الأعلى، عبر منح ممثليه مناصب حكومية مهمة لاحقا، كما يحدث مع الأكراد دوما، إلا أنه في الواقع أنتج نظاما عاجزا عن تلبية متطلبات الدولة، يقتضي توافق الطيف الأوسع من القوى على أي قرار مهم، ما أفرغ فكرة الديمقراطية من مضمونها، وسمح بشيوع الاتفاقات الجانبية بين القوى لتحقيق مصالحها الخاصة، وتسبب في انتشار الفساد. وللمرة الأولى منذ 2003، تستلهم حركة احتجاج عراقية عفوية الثغرات العميقة في النظام السياسي العراقي، وتطالب بإصلاح حقيقي لها، أو إسقاطه كله، وهو ما حدث مطلع أكتوبر الحالي، وتسبب في زلزال للطبقة السياسية، وكاد يطيح بها. ولأن شؤون السلطة كانت معقودة للنخبة السياسية الشيعية منذ 2003، فقد تصدت القوى السياسية الشيعية لحركة الاحتجاج الأخيرة، بأشكال مختلفة، بدءا من القمع وصولا إلى إعلان تأييدها على أمل استيعابها وكسر زخمها. لكن جزءا من النخبة الشيعية، وجدت في الاحتجاجات رافعة مهمة لإعادة مركزة السلطة مجددا، عبر التخلص من صداع المحاصصة الذي يتطلب إشراك السنة والأكراد في منظومة الحكم، ما يتيح لأحزاب شيعية موالية لإيران القبض على مقاليد الحكم في البلاد، بلا رقيب. وفي هذا السياق، جاء تأكيد رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، أن “النظام الرئاسي هو الأصلح في العراق”، وذلك تعليقا على شعاري إصلاح وإسقاط النظام السياسي، اللذين ظهرا خلال احتجاجات أكتوبر الحالي. ويرى المالكي، الذي أدار البلاد رئيسا للحكومة خلال دورتين انتخابيتين، بين 2006 و2014، وسلمها منقوصة من نحو ثلث أراضيها، بعدما احتلها تنظيم داعش، أن التحول إلى النظام الرئاسي في العراق، “هو الحل”، لكنه قال إن “بداية تصحيح العملية السياسية تنطلق من تعديل الدستور”. ولا يستبعد المالكي الدعوة إلى انتخابات مبكرة، على خلفية الاحتجاجات الدموية في البلاد، لكنه يعتقد أن تحقيق الاستقرار حاليا هو الأولى. وبرغم أن المالكي هو من قاد شخصيا عملية قمع دموية ضد احتجاجات شيعية على الفساد العام 2011، وأخرى سنية ضد التمييز السياسي العام 2013، إلا أنه طالب رئيس الحكومة الحالية عادل عبدالمهدي بمحاسبة “المعتدين على المتظاهرين”، الذين خرجوا في حركة الاحتجاج الأخيرة. ويرى مراقبون أن “خيار المالكي، قد يكون مثاليا لإيران في الوقت الراهن، لاسيما عبر بوابة النظام الرئاسي، الذي يتيح للرئيس التفرد بكل شيء، بعكس النظام البرلماني الذي يفرض على رأس السلطة، وهو رئيس الحكومة، بعض القيود. ويتحدث ساسة عن مخاوف إيرانية واسعة، من أن تقود الاحتجاجات العراقية إلى إسقاط النظام السياسي فعلا، ما يعرض مصالح طهران لمخاطر كبيرة، مع النقمة المتزايدة عليها في أوساط المحتجين، الذين يحملونها مسؤولية صعود أحزاب فاسدة إلى السلطة، تحت ستار الدين. ويرى مراقبون أن النظام الرئاسي قد يكون حلا إيرانيا لحالة العراق، يمكن طهران من الالتفاف على مطالب المحتجين. ولا يتحدث المالكي بمفرده عن أهمية النظام الرئيسي للعراق، إذ يلقى عونا كبيرا من قيس الخزعلي، زعيم حركة عصائب أهل الحق، الذي يعتقد بأن مركزة السلطات في يد رئيس الجمهورية، سيريح النخبة الشيعية من القلق الذي يسببه السنة والأكراد. ويرى الخزعلي، وهو شديد الولاء لإيران، وارتبط اسمه بأعمال عنف مروعة خلال مرحلة العنف الطائفي بعد إسقاط النظام السابق أن “النظام البرلماني المطبق في العراق فاسد”، داعيا إلى “التحوّل إلى النظام الرئاسي”.
مشاركة :