بيروت - وكالات: تظاهر الآلاف من اللبنانيين أمس لليوم الثالث على التوالي، احتجاجاً على فشل السلطات في إدارة الأزمة الاقتصادية، في وقت تبادلت القوى السياسية الاتهامات بالمسؤولية عن تدهور الوضع. وطالب المتظاهرون برحيل النظام وإقالة الحكومة. وتشهد العاصمة ومناطق عدة منذ الخميس حراكاً جامعاً لم يستثن منطقة أو حزباً أو طائفة أو زعيماً، في تظاهرات غير مسبوقة منذ سنوات، رفضاً لتوجه الحكومة إلى إقرار ضرائب جديدة في وقت لم يعد بإمكان المواطنين تحمّل غلاء المعيشة والبطالة وسوء الخدمات العامة. وبعد تظاهرات حاشدة ليلاً، تخلل بعضها أعمال شغب واعتقالات، عاد اللبنانيون إلى الشارع، وتجمّع المئات حاملين الأعلام اللبنانية أمام مقر الحكومة في وسط بيروت، الذي بدا صباحاً أشبه بساحة حرب، تتصاعد منه أعمدة الدخان وسط تناثر الزجاج ومستوعبات النفايات. وتولى الجيش صباحاً إعادة فتح بعض الطرق الدولية، فيما كان شبّان يجمعون الإطارات والعوائق تمهيداً لقطعها مجدداً. وفي مؤشر على حجم النقمة الشعبية. وأكدت قيادة الجيش اللبناني أمس تضامنها مع المطالب المُحقة للمتظاهرين، داعية إلى التعبير عن الرأي بشكل سلمي. وقالت مديرية التوجيه، في بيان أصدرته أمس وبثته (الوكالة الوطنية للإعلام) اللبنانية أمس: «تدعو قيادة الجيش جميع المواطنين المتظاهرين والمطالبين بحقوقهم المرتبطة مباشرة بمعيشتهم وكرامتهم إلى التعبير في شكل سلمي وعدم السماح بالتعدي على الأملاك العامة والخاصة». وأضافت:» وإذ تؤكد قيادة الجيش تضامنها الكامل مع مطالبهم المحقة، تدعوهم إلى التجاوب مع القوى الأمنية لتسهيل أمور المواطنين» من جهة أخرى أفادت الوكالة الوطنية للإعلام اللبنانية أمس بمقتل شخص في»إشكال» مع متظاهرين على طريق المطار في العاصمة بيروت. وقالت الوكالة على موقعها الإلكتروني أمس إنه حصل إشكال فردي صباح أمس على طريق المطار بين مواطن وعدد من المتظاهرين أطلق خلاله المواطن النار ما أدى إلى مقتل شخص، مشيرة إلى أنه تجري المتابعة لتوقيف الفاعل. بدا لافتاً خروج تظاهرات غاضبة في مناطق محسوبة على تيارات سياسية نافذة، أحرق ومزق فيها المتظاهرون صوراً لزعماء وقادة سياسيين، ما استدعى ردود فعل غاضبة من مناصريهم. في مدينة صور جنوباً،.. وفي وقت لاحق، أكدت حركة أمل في بيان أصدرته «رفضها للمظاهر المسلحة» في شوارع صور، مؤكدة أنها «بصدد إجراء تحقيق لتحديد المسؤوليات واتخاذ التدابير اللازمة». وقال أحد المتظاهرين في مدينة النبطية جنوباً، التي تعد من معاقل حزب الله، لقناة تلفزيونية محلية «نعاني منذ ثلاثين سنة من الطبقة السياسية الحاكمة» مضيفاً «يحاولون تصويرنا على أننا غوغائيون لكننا نطالب بحقوقنا». - «أبسط حقوقنا» - وفي طرابلس، حيث يتمتع رئيس الحكومة سعد الحريري بنفوذ، قالت هدى سيّور، في الخمسينات، «سأبقى في الشارع، لقد استولوا على أبسط حقوقنا، بينما نموت على أبواب المستشفيات». وأضافت «منذ ولدنا ونحن نشهد على حروبهم وصراعاتهم وفسادهم مقابل استغلالنا». وتخلل التجمع في وسط بيروت تدافع بين المشاركين والقوى الأمنية التي عملت على تفريقهم بالقوة عبر إطلاق خراطيم المياه وعشرات القنابل المسيّلة للدموع، ما تسبب بحالات إغماء وهلع. وانتهت التظاهرة بأعمال شغب من قبل شبان غاضبين أقدموا على تكسير واجهات المحال التجارية وواجهتي مصرفين وعدادات وقوف السيارات وإشارات السير. وغطت بعض المصارف واجهاتها بألواح معدنية لحمايتها. وأعلنت قوى الأمن الداخلي توقيف «سبعين شخصاً خلال قيامهم بأعمال تخريب وإشعال حرائق وسرقة في وسط بيروت». وفي وقت لاحق، أفادت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية عن إطلاق سراح جميع المحتجزين. وأمام ثكنة الحلو في بيروت، حاول مواطن حرق نفسه احتجاجاً على عدم معرفته مصير ابنه الذي كان معتقلاً قبل إطلاق سراحه. ودعت قيادة الجيش أمس المتظاهرين إلى «التعبير بشكلٍ سلميّ وعدم السماح بالتعدي على الأملاك العامة والخاصة». وبدأت التظاهرات ليل الخميس بعد ساعات من فرض الحكومة رسماً بقيمة 20 سنتاً على التخابر على التطبيقات الخلوية، بينها خدمة واتساب، لكنها سرعان ما تراجعت عن قرارها على وقع الحراك الشعبي. وتصاعدت نقمة الشارع خلال الأسابيع الأخيرة إزاء احتمال تدهور قيمة العملة المحلية التي تراجعت قيمتها في السوق السوداء مقابل الدولار، وتوجه الحكومة لفرض ضرائب جديدة وسط مؤشرات على انهيار اقتصادي وشيك. وردد المتظاهرون مطلب «الشعب يريد إسقاط النظام»، مطالبين بعزل كافة الطبقة السياسية التي يتهمونها بالفساد والهدر والمحاصصة. ومنح الحريري الجمعة «شركاءه» في الحكومة، في إشارة إلى حزب الله والتيار الوطني الحر الذي يتزعمه الرئيس اللبناني ميشال عون، مهلة 72 ساعة، حتى يؤكدوا التزامهم المضي في إصلاحات تعهدت حكومته القيام بها العام الماضي أمام المجتمع الدولي، مقابل حصولها على هبات وقروض بقيمة 11,6 مليار دولار. وبينما أبدى الحريري استعداده للتنحي، رفض الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، أبرز خصوم الحريري السياسيين، في خطاب متلفز أمس استقالة الحكومة محذراً من «ترك مصير البلد للمجهول». ودعا الأفرقاء كافة إلى «تحمّل المسؤولية»، منبهاً إلى أن «معالجة الوضع المالي والاقتصادي بالضرائب والرسوم سيؤدي إلى انفجار شعبي». وإثر الخطاب، توجه أحد المتظاهرين في بيروت لنصرالله، الذي يقاتل حزبه إلى جانب قوات النظام في سوريا منذ سنوات، بالقول «لبنان أهم من سوريا يا سيد»، مطالباً إياه بدعم مطالبهم. وكان رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل، حليف حزب الله، رفض أيضاً استقالة الحكومة. وسلّطت التظاهرات الضوء على الانقسام بين فريقين داخل الحكومة، تتباين وجهات نظرهما حول إجراء الإصلاحات من جهة، وملف العلاقة مع سوريا المجاورة من جهة ثانية. وسجل الاقتصاد اللبناني في العام 2018 نمواً بالكاد بلغ 0,2 بالمئة، وقد فشلت الحكومات المتعاقبة بإجراء إصلاحات بنيوية في البلد الصغير الذي يعاني من الديون والفساد. ويعاني لبنان من نقص في تأمين الخدمات الرئيسية، وترهل بنيته التحتية. ويُقدّر الدين العام اليوم بأكثر من 86 مليار دولار، أي أكثر من 150 في المئة من إجمالي الناتج المحلي.
مشاركة :