يواجه المخترعون الشباب في المجتمعات العربية سلسلة من الإحباطات تدفع بمعظمهم إلى التخلي عن طموحاتهم، بداية من العجز عن حماية أفكارهم وتمويلها، ونهاية بصورة كاريكاتيرية تبطن التهكم على مواهبهم وقدراتهم فتعتبرهم كمن يرقصون داخل مختبرات تحت الأرض صارخين “وجدتها وجدتها”. وتنظم وزارة التعليم العالي والبحث العلمي المصرية، الملتقي الدولي السادس عشر للابتكار يومي 24 و25 أكتوبر، بهدف التسويق لابتكارات الباحثين بعد دعوة رجال الأعمال والصناعيين للحضور، لكن تظل الدعوة القاصرة على عدد محدد عائقا أمام مشاركة جميع الموهوبين في الاختراع وعرض أفكارهم. ولا يعول هؤلاء كثيرا على الملتقيات العلمية التي تستضيفها المؤسسات البحثية المحلية في تحسين أحوالهم، فالعقبات التي تقف في طريق نقل أوراق أعمالهم المكدسة فوق أرفف وأدراج مكتب براءة الاختراع تشير إلى أنه لا ينجو من فخها إلا سعداء الحظ. تقول إسراء إمام، وهي فتاة أنهت أخيرا اختراعا بمجال الهندسة الكهربائية، إن التمويل يعتبر المشكلة الرئيسية التي تواجه المخترعين الشباب من الجنسين، فالمبالغ المخصصة حكوميا لا يتم توزيعها بصورة عادلة مع استئثار الطلاب من دارسي الماجستير والدكتوراه بمعظمها دون اعتبار أهمية الاختراع وإمكانية تطبيقه. ولا توجد قاعدة بيانات جيدة، فالنظام الورقي لا يزال ساريا في تسجيل الاختراعات الجديدة بمكتب براءة الاختراع، ما يدفع البعض من الشباب إلى قطع رحلات تتجاوز 600 كيلومتر أكثر من مرة لتسجيل فكرة ومتابعة اعتمادها. المشكلات المالية تظل مصدر القلق الأول بالنسبة إلى الباحثين الشباب، خاصة المخترعين الذين لا يتبعون جهة بحثية رسمية وتضيف إمام، في حديث خاص لـ”العرب”، أن الحصول على براءة اختراع قد يستغرق ثلاث سنوات للتأكد من عدم اقتباسها من مشروعات سابقة مقابل 3 أشهر كحد أقصى في غالبية دول العالم، وخلالها ربما يضيع المجهود حال تسجيل مشروع مشابه. وأسس بعض الشباب برنامجا للتسجيل الإلكتروني بجهودهم الذاتية، لكنهم فشلوا في إقناع مسؤولي مكتب براءة الاختراع الذي تأسس قبل 60 عاما بالتخلي عن الطريقة التقليدية، والموافقة على تجربة الطريقة الجديدة، ليواصل موظفوه العمل بين دواليب ضخمة مليئة بالملفات التي تظل شهورا طويلة مهملة قبل الفصل فيها. ووفقا لإحصائيات نقابة المخترعين في مصر التي تضم قرابة 500 عضو نشط، فإن 98 بالمئة من أصحاب الاختراعات الجديدة تتراوح أعمارهم بين 10 و35 عامًا، وليس لديهم الإمكانيات المالية للإنفاق على اختراعاتهم في التسجيل والتطبيق، حال الموافقة عليها. ولا يمثل الحصول على براءة الاختراع المشكلة الوحيدة، فمع بداية التطبيق يحتاجون إلى سيل من الموافقات من جهات تتنازع ملكية الاختراعات موزعة بين وزارات البيئة والصناعة والصحة والتعليم العالي، وكل منها يقع في منطقة مختلفة من العاصمة، ليحتاج الحصول على موافقتها جميعا قرابة الشهر من استكمال الأوراق ودراستها. وتؤكد هبةالله عبدالرحمن، نقيبة المخترعين بمصر، لـ”العرب” أن بعض المبتكرين مطالبون بتسديد رسوم متصاعدة لمشروعاتهم المتكدسة بمكتب براءة الاختراع، كي لا تسقط ملكيتها وتعتبر لاغية، وقد يواصلون دفع مبالغ تناهز 80 دولارا سنويا دون أدنى معرفة بمصير مشروعهم. ويعتبر تسويق المشروعات وجذب انتباه القطاع الخاص معضلة أمام المخترعين الشباب، في ظل تجاهلهم من قبل وسائل الإعلام، وهذا ليس حكرا على مصر فهو يكاد يكون سمة مشتركة بين الدول العربية، وحتى المؤتمر الدولي الذي نظمته النقابة بعنوان “مصر تخترع” مطلع شهر أكتوبر بجامعة طنطا في القاهرة، لم يحظ بمتابعة إعلامية. وتعتبر الأجيال الجديدة من المبتكرين الأحاديث الرسمية عن دعم الاختراع والابتكار في المؤتمرات والملتقيات العلمية مجرد كلام نظري يعرض للاستهلاك المحلي وينتهي بمجرد نزول المتحدثين من على المنصة، وينصب فقط تجاه أعمال الشباب بفروع الجهات الأجنبية التي توفر لهم الدعم وتعمل على ترويج المشروعات البحثية خارجيا. وشهد مؤتمر نقابة المخترعين مشروعات جديدة لتطوير بطاريات السيارات وشحن الهواتف بالطاقة الشمسية ووحدات صغيرة لتخزين الطاقة، لكن لم يتحمس أحد من رجال الأعمال والمستثمرين لتنفيذها، لتظل نسبة الاستثمار في الاختراعات المسجلة عند مستوى 1.7 بالمئة، وفقا لآخر إحصائية رسمية. ويعتبر أحمد خطاب نموذجا لحالة الإحباط التي يواجهها الشباب، فبعدما ابتكر وسيلة ترشيح تمنع تسرب عوادم مصانع الإسمنت والسيراميك للهواء وصنعه على حسابه الخاص لم ير عمله النور طوال عشرين عاما. ويوضح مخترع شاب، رفض ذكر اسمه، لـ”العرب” أنه اضطر إلى بيع أفكار بعض اختراعاته لآخرين بعدما عجز عن المضي قدما في إجراءات التسجيل والتنفيذ، وفضل بناء حياة طبيعية، بعدما تجاوز 35 سنة، دون التمكن من تحقيق أهدافه في الاستقرار الاجتماعي. حاول الشاب الذي تبدو حوائط غرفة نومه مليئة بشهائد التكريم، الهروب من شبكة معارفه وأقربائه الذين حولوه إلى شخصية كرتونية يلاحقونها بالسخرية، وأطلقوا عليه اسم الدكتور “فرانكشتاين” و”أبوالعريف”، ليتخلى عن طموحاته ويكتفي بوظيفة مدرس فيزياء. ومن جانب آخر يرى مختصون اجتماعيون أن السينما عززت الصورة النمطية للمخترعين، وقدمتهم كشخصيات بوهيمية منغلقة تفضّل معايشة الحيوانات على البشر ولديها استعداد للتخلي عن القيم لمن يدفع أكثر، كشخصية الدكتور أيوب في فيلم “واحدة بواحدة”، والبروفيسور “الأنوي” في “شنبو في المصيدة”. ويشتكي شباب باحثون ومخترعون مصريون من غياب التقدير الاجتماعي والمعنوي وعدم الاعتداد بهم كشريحة اجتماعية فاعلة في صناعة القرار، فحتى القطاع المصرفي يرفض منحهم قروضا لتنفيذ أفكارهم البحثية، ويعتبرها مشروعات غير ذات جدوى اقتصادية أو غير مضمونة النجاح.
مشاركة :