صبر أيوب على الابتلاء أغاظ الشيطان

  • 5/8/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

"وقال ربكم ادعوني أستجب لكم" (سورة غافر: الآية 60)، فالدعاء يصل الخلق بالخالق، ويعبر عن إيمان عميق بأن هناك إلهاً قديراً على كل شيء، بيده الأمر كله، يقدم المساعدة لمن يطلبها وفى أي وقت . . بابه مفتوح لا يغلق في وجه أحد مهما عظم أو صغر . . نلجأ إليه في كل وقت وخصوصاً في الشدة . . ولكن كيف يكون الدعاء؟ فالدعاء له آداب وشروط حتى يتحقق . . ولن نجد خيراً من الأدعية التي دعا بها الأنبياء، عليهم السلام ربهم، والتي وردت في القرآن الكريم، وفي صحيح سنّة المصطفى، صلى الله عليه وسلم . ولقد مر الأنبياء بمواقف صعبة لم ينقذهم منها إلا صدق دعائهم، حيث كانت لهم في هذه المواقف أنبل الكلمات وأجمل الألفاظ التي تجسد حسن التوسل ومناجاة الله وحده، ومن خلال هذه الحلقات نتعرف إلى المواقف التي تعرض لها الأنبياء الكرام وإلى الأدعية التي دعوا بها ونتعلم كيف يكون الدعاء . "وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين"، (سورةئالأنبياءئالآية: 83) . المال والبنون زينة الحياة الدنيا، وفي بعض الأحيان يكونان أكبر من ذلك وخصوصاً المال، الذي يكون هدفا لكثير من الأحياء يبحثون عنه بإصرار، ويتقاتلون من أجله . . وعندما يأتي البلاء والاختبار فيهما يكون صعباً على الإنسان، فما بالك إذا ما أضيف إليهما الابتلاء في الصحة وهذا ما حدث مع نبي الله أيوب عليه السلام . يذكر ابن كثير في كتابه "قصص الأنبياء" أن أيوب عليه السلام كان رجلاً كثير المال، عنده من سائر صنوفه وأنواعه من الأنعام والعبيد والمواشي والأراضي المتسعة بأرض الثنية من أرض حوران . وحكى ابن عساكر: أنها كلها كانت له، وكان له أولاد وأهلون كثر، وقد شب أيوب عليه السلام على الرغد واليسر في العيش، فكان والده وجده من سادة وأثرياء القوم، فهو من سلالة العيص بن إسحاق، وكما ذكر ابن إسحاق هو أيوب بن موص بن زراح بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم الخليل، وامرأته قيل: اسمها "ليا" بنت يعقوب . وقيل: رحمة بنت أفراثيم . وقيل "ليا" بنت منسا بن يوسف بن يعقوب . وهذا أشهر . فوق طاقة البشر عندما بلغ أيوب عليه السلام الخامسة والعشرين، كان من التجار المهرة، أميناً في معاملاته، عطوفاً على الفقراء والمساكين، يكثر من إخراج الصدقات والتقرب إلى الله . لكن شاءت إرادة الله تعالى أن يبتلي أيوب عليه السلام بلاء شديداً في أهله وماله وبدنه ولكنه كان مثالاً للعبودية الحقة لله الواحد القهار، فصبر على ذلك حتى أصبح يضرب به المثل في الصبر على الأذى فيقولون: "صبر كصبر أيوب" وقد مدحه الله وأثنى عليه قائلاً: "إنا وجدناه صابراً نعم العبد أنه أواب" . وجاء في كتاب صفوت جودة أحمد "الأنبياء في القرآن الكريم"، ابتلى الله عبده الصالح أيوب عليه السلام ابتلاء لا يستطيع أن يتحمله بشر، فأذهب الله المال وأهلك الأولاد ثم سلط الله سبحانه وتعالى المرض والبلاء الشديد على جسمه فصبر أيضاً، وكان الشيطان كلما رأى أيوب عليه السلام شاكراً لله يزداد غيظه، فبعد انحدار أيوب من قمة الثراء إلى شدة الفقر، شكر ربه وخر ساجداً له وقال: إن الله يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، فلم يجد الشيطان أمامه إلا أولاد أيوب فأباحهم الله له لكي يثبت له أن أيوب عبد مؤمن خالص الإيمان، فمات أولاد أيوب جميعاً، وهنا سجد لله، وقال: له الحمد معطيها وسالبها، وعاد الشيطان يدعو الله ويقول: "إن أيوب لم يزل صابراً لأنه معافى في جسده ولو أنك سلطتني يارب على بدنه فسوف يكف عن صبره . ونزل المرض على جسد أيوب وظل على صبره وشكره لله تعالى، يحمد الله على أيام الصحة ويحمده سبحانه وتعالى على بلاء المرض، فهو يشكر الله في الحالتين" . وذات مرة مر عليه قومه فقالوا: ما أصابه كل هذا إلا أنه ارتكب الذنوب العظيمة فقال لهم أيوب إن بي قلبا شاكراً وحامداً لله وجسداً على البلاء صابراً" . أيوب وزوجته إن الله يختبر العبد بالمصائب تارة وبالنعم تارة أخرى، وقد اختبر أيوب عليه السلام بالنعمة في ثرائه وصحته وماله وولده، فشكر وأراد الله عز وجل أن يختبره بالمصائب أيضاً، فأفقده المال والولد فصبر ثم ابتلاه في جسده وصحته، فصبر أيضاً لأنه كان يؤمن أن ابتلاء الله لعباده ليس تعبيراً عن سخطه عليهم أو غضب منهم ولكنه ليصل بعبده إلى أفضل الدرجات يوم القيامة، فالابتلاء يكون اختباراً لأحباب الله وأولى طاعته . ويقول في هذا رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم "أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الامثل فالامثل، فالرجل يبتلى على حسب دينه فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه" . ويئس الشيطان من نفاد صبر أيوب على البلاء، فذهب إلى زوجته ووسوس لها فجاءت إلى أيوب وفي نفسها اليأس والضجر مما أصاب زوجها فقالت له: إلى متى هذا البلاء يا أيوب؟ فغضب سيدنا أيوب منها وقال: لها كم لبثت في الرخاء؟ فردت عليه زوجته قائله لبثت ثمانين عاماً فقال: لها وكم لبثت في البلاء؟ فقالت: سبع سنين، فرد عليها سيدنا أيوب رد الأنبياء: إني استحي من ربي أن أجعله يرفع البلاء عني وما قضيت فيه مدة رضائي ثم قال لها والله لئن برئت من مرضي هذا لأضربنك مئة سوط . استجابة "أرحم الراحمين" وأخيراً دعا سيدنا أيوب عليه السلام الله أن يشفيه، فقد نادى ربه متضرعاً خاشعاً متوسلاً إليه، قال تعالى: "وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت ارحم الراحمين" فمد الله إليه يد مساعدته وأرشده إلى أن يضرب الأرض برجله فضربها فتفجرت أمامه عينا ماء فأمره الله بأن يغتسل من عين ويشرب من الأخرى، وهنا استجاب الله سبحانه وتعالى لعبده الصابر على البلاء أيوب السلام فذهب ما كان بجسده من أمراض وشفي ظاهره وباطنه ومتعه الله بصحته وماله وقواه حتى كثر نسله وذلك جزاء لصبره . قال تعالى: "وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ، ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ، وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ، وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ" . (سورة ص: الآيات 41 - 44)، وكان قد أقسم أن يضرب امرأته مئة ضربة بالعصا عندما يشفى، وها هو قد شفي، ولكيلا يرجع في قسمه أو يكذب فيه، أمره الله بأن يجمع حزمه من أعواد الريحان عددها مئة، ويضرب بها امرأته ضربة واحدة، وبذلك يكون قد نفذ قسمه ولم يحنث . وهكذا نجد أن التضرع والخشوع والتوسل في الدعاء للمؤمن الصابر الأواب "كثير الرجوع إلى الله، كثير الذكر والتسبيح" من موجبات القبول .

مشاركة :