قال الحبيب علي الجفري، رئيس مؤسسة طابة بأبو ظبي والداعية الإسلامي، إن دار الإفتاء المصرية برئاستها للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء حول العالم تسير على الطريق الصحيح لإعادة الخلاف الفقهي إلى المسار الطبيعي، الذي يؤسس للتعددية وقبول الرأي الآخر واحترامه والتعايش المشترك في ظل قيم إنسانية ودينية مشتركة.وأضاف «الجفرى» في تصريح لـ«صدى البلد»، على هامش مؤتمر الإفتاء العالمي الذي انتهت فعالياته يوم الأربعاء الماضي، أن عموم أعمال دور وهيئات الإفتاء حول العالم يعد إحياء لما مات من المؤسسات الحقيقة ذات التأثير الكبير والمؤهلة لدورها، والتى تحاول الحركات الإسلامية المسيسة سحب البساط من تحت يدها لصالح ما يُسمى بالدين الموازي.وأكد أن الأمانة العامة لهيئات الإفتاء حول العالم، برئاسة الدكتور شوقى علام، مفتى جمهورية مصر العربية، تواصل جهودها طوال العام فى الاهتمام بالقضايا والمسائل المعاصرة التى تشغل الأمة الإسلامية فى الوقت الراهن، من خلال العمل على تنفيذ توصيات مؤتمر الإفتاء، ومراجعة ما تم إنجازه خلال عام مضى، وما يمكن إطلاقه من مبادات فى العام الجديد بإقامة ورش العمل.وأوضح أن جهودها تسير وفق عمل تراكمى؛ فمؤتمرها الأخير والذى جاء بعنوان «الإدارة الحضارية للخلاف الفقهى» بمشاركة وفود من كبار العلماء والمفتين من 85 دولة على مستوى العالم، يعد استمرارًا لجهودًا بدأت منذ أربعة سنوات، لا تتأتى أن تظهر نتائجها الكبرى المهمة التى نحن أحوج إليها إلا من خلال العمل التراكمى، وعقد المؤتمرات للقاء وإيجاء سبل التعاون لإمعان النظر فى القضايا التى تهم جموع المسلمين حول العالم.ردود الأفعال على جهود هيئات الإفتاءوجدير بالذكر أن العديد من ردود الأفعال والتعليقات الإيجابية توالت عقب نجاح المؤتمر العالمي الخامس للإفتاء الذي عقد يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين تحت عنوان «الإدارة الحضارية للخلاف الفقهي» بمشاركة وفود من كبار العلماء والمفتين من 85 دولة على مستوى العالم.توقيت دقيق صرح الدكتور محمد البشاري الأمين العام للمجلس العالمي للمجتمعات المسلمة بأن مؤتمر هذا العام قد جاء في الوقت المناسب وفي توقيت دقيق لا سيما وأن الخلاف الفقهي يحتاج إلى إعادته إلى مساره الصحيح بعدما انحرف عن جادة الطريق بسبب اختطافه من المتشددين الذين حملوا سماحة الفقهاء السابقين وأدبهم في الخلاف ونقلوه إلى مساحة التعصب والانزلاق ناحية تهديد العباد والبلاد.وأضاف أن التوصيات والمشروعات المهمة التي خرج بها المؤتمر تبنى عليها الآمال في تعزيز أدب الخلاف الفقهي وقبول الرأي الآخر ونشر التسامح والسلام بعيدًا عن التشدد والتعصب.تلبية حاجات المجتمعاتومن جانبه قال فضيلة الشيخ محمد حسين مفتي القدس إن قضية الخلاف الفقهي تحتاج إلى أصول حضارية للإفادة من كونه طريقًا في تلبية حاجات المجتمعات تجاه قضاياها التي تظهر مع تطورات الأوضاع المختلفة تأكيدًا على مرونة الفقه الإسلامي الذي يشتمل على قواعد كلية وفروع تتميز بالشمول والنمو.وأوضح مفتي القدس أن محاور المؤتمر العالمي للإفتاء استطاعت أن تمس جميع جوانب الخلاف الفقهي وكيفية إدارته إدارة حضارية تتسق مع معطيات العصر، فمن خلال جلساته استطعنا مناقشة العديد من المحاور المهمة كما عقدت ورش عمل خرجت بمقترحات جيدة ومشروعات مهمة لإدارة الخلاف الفقهي ونزع فتيل التعصب المذهبي والطائفي.إدارة الاختلاف بما يراعي أحكام الشريعة السمحةبينما قال الدكتور محمد الخلايلة المفتي العام للمملكة الأردنية الهاشمية إن الخلاف الفقهي حدث في العصور الأولى بين صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منذ حادثة صلاة العصر في بني قريظة حيث قام كل فريق من الفريقين بتأويل الأمر النبوي وفق مكونات فكرية ثابتة لديه من الظروف والملابسات المحيطة، وقام كل فريق بالبناء العملي وفق اجتهاده ، ثم برزت قاعدة حضارية وضعها الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم -بتصويب كلا الفريقين، ولم يلق باللائمة على أحدهما دون الآخر، بما يثبت أن الخلاف حضاري وليس تعصبًا وتشددًا مصحوبًا بالقتل والحرق والتدمير مثلما نتابع مع أفعال المنتمين لتيارات التشدد والانحراف.وأشار إلى أن المؤتمر قد أكد أن الإدارة الأرشد للخلاف الفقهي تعد محورًا مهمًا في كيفية استثمار الأحكام الفقهية المختلف فيها بين المجتهدين، بحيث يصير الخلاف أساسًا في الحوار والبناء، ومظهرًا أساسيًا من مظاهر الحضارة الإسلامية، على عكس ما يريده المتشددون من تقويض الحضارة الإسلامية والجمود على آرائهم وضيق أفقهم في إدارة الاختلاف متجاهلين أن الخلاف واقع لا محالة وإنما الإشكالية تكمن في عملية إدارة الاختلاف بما يراعي أحكام الشريعة الإسلامية السمحة ونصوصها.حالة من النمو الفكرى فيما أكد الدكتور مصطفى سيرتش رئيس العلماء في البوسنة والهرسك أن الأمانة العامة لدور وهیئات الإفتاء تشهد حالة من النمو الفكري كل عام في انتقاء الموضوعات التي تناقشها وتجعلها محورًا للبحث بين المشاركين الذين يمثلون نخبة العالم الإسلامي، موضحًا أن الخلاف الفقهي شهد دخول تيارات الإرهاب والتطرف بين ثناياه بما أفسده ونقله من حالة الحضارة إلى تعصب السلاح وإراقة الدماء. الإدارة الحضارية للخلاف الفقهيومن جهته قال الشيخ عبداللطيف دريان مفتي لبنان إن أئمة الفقه الكرام قد اختلفوا في الكثير من الأحكام الفقهية الفرعية أكثر مما هو في زماننا هذا ولم نسمع بشيء من التشدد والتعصب للرأي مثلما يحدث الآن في زماننا، بل كانوا رحمهم الله يحترمون كافة الآراء ويختلفون اختلافًا حضاريًّا علميًّا راقيًّا.وأضاف: "حاولنا من خلال أبحاث المؤتمر والجلسات النقاشية وورش العمل أن نعيد إلى الأذهان مرة أخرى صورة الخلاف الحضاري، ونذكر بأن الاختلاف سنة كونية كانت موجودة وستظل، لذا يجب إدارتها إدارة حضارية، واتخاذ كافة السبل من أجل إعادة الاختلاف بين المذاهب إلى جادة الصواب بمشاريع عملية يتم تطبيقها على أرض الواقع، وهو ما نجح فيه المؤتمر العالمي للإفتاء.نجاح كبير فى الوصول إلى بيت الداءوأكد الدكتور محمد الياقوتي وزير الأوقاف السوداني الأسبق أن علماء الإسلام على مر التاريخ كانوا يختلفون فيما بينهم، ولم يكن هذا الخلاف مدعاة لإشعال نيران الصراعات المذهبية والطائفية، بل كان يحقق ثراءً علميًا وفقهيًا كبيرًا استطاعت الأجيال العلمية فيما بعد أن تستفيد منه كما استفاد منه كذلك الناس جميعًا حيث تيسرت حياتهم بتعدد الآراء.ولفت إلى أن مؤتمر الأمانة العامة للإفتاء هذا العام استطاع أن يحقق نجاحًا كبيرًا في الوصول إلى بيت الداء في المشكلة ووضع الحلول والمبادرات والقواعد التي ستساعد على عودة الخلاف الفقهي إلى دائرة الحضارة بجعل كل مجتهد قاصد الوصول للحق مثابًا وله أجر ما بذله رغبة في الوصول إلى الحق.أثر إيجابى فى مواجهة موجات التشددوصرح الدكتور محمد فطريش مفتي سنغافورة بأن العالم الآن يشهد تغيرات كثيرة في جوانب الحياة المتعددة التي تجعل المؤسسات الدينية والإفتائية على مستوى العالم أمام تحد حقيقي في استيعاب الاختلاف في الآراء الفقهية خاصة في المسائل الحادثة التي لم يستقر العلماء على رأي موحد فيها.وأضاف: من هنا تأتي أهمية مؤتمر الأمانة العامة حول إدارة الخلاف الفقهي، وهو الموضوع الأكثر إلحاحًا في وقتنا، مشيرًا إلى أن المشروعات التي خرج بها المؤتمر ومن بينها إطلاق وثيقة التسامح الفقهي والإفتائي، سيكون لها أثر إيجابي بالغ في مواجهة موجات التشدد والتعصب للآراء واحترام التعددية الفقهية والمذهبية.نبذ أى تعصب أو شقاقفيما قال الدكتور طارق الجوهري - المدير التنفيذي لمؤسسة التعايش بواشنطن – إن التسامح والتعايش كانا السمة السائدة بين كبار العلماء من مختلف المذاهب على مر التاريخ، ولم يتعد خلافهم الخلاف العلمي بشروطه وآدابه ولم يكن يتخطاه إلى تعصب أو نبذ أو شقاق.وأضاف أن المجتمعات المتحضرة قد عرفت قيمة التسامح وقبول الآخر واحترام جميع الآراء، وهي القيم التي كانت الأمة الإسلامية سباقة إليها حتى ساد في بعض الأوقات التعصب للرأي نتيحة غياب القيم والغاية الأسمى من الخلاف الفقهي.
مشاركة :