تونس تلقن العالم العربي درساً في الديمقراطية

  • 10/21/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

عواصم - وكالات: هل يمكن القول إن ما يجري في تونس إثر فوز قيس سعيّد قد حمل أملاً للمواطن التونسي والعربي بشكل عام، في أن التغيير أمر ممكن الحدوث، وأن الديمقراطية في العالم العربي ممكنة إذا ما توفرت لها الشروط والظروف، وهو ما تجسّد في السباق نحو قصر قرطاج، وقبله في الانتخابات التشريعيّة التي أفرزت قوى جديدة في تونس. وقد رأت صحيفة ساينس مونيتور أن تونس، التي أشعلت الربيع العربي عام 2011 تحتفظ بقدرة فائقة على تقديم دروس جديدة للدول العربية والإسلامية في أساسيات الديمقراطية، كما أنه لم يكن انتخاب رئيس جديد حدثاً استثنائياً، إذ فاز أستاذ القانون قيس سعيد، لعدة أسباب من بينها: أن الشباب المحبطين قد استلهموا مفاهيمه الراديكالية للمساواة، من حيث الكلمات والأفعال. وأشارت الصحيفة إلى أن حملته وحدها كانت بمثابة تعبير عن المساواة، إذ دفع تكاليفها من ماله الخاص، حتى إنه أعاد الاشتراكات، وكان مقره غرفة صغيرة في الطابق العلوي من مبنى بون مصعد، ومع القليل من المساعدين والمستشارين، كان يزور الناخبين في منازلهم، وعندما تمّ سجن منافسه الرئيسي، أوقف سعيد حملته، إذ لم يعجبه ”عدم وجود تكافؤ الفرص بين المرشحين”. وأضافت الصحيفة إن سعيد استند على مفهوم توفير فرص متساوية للجميع، وبدلاً من اقتراح العديد من البرامج، قال للناخب ”أنت البرنامج”، وهو يخطط لنقل السلطة إلى المجالس المحلية المنتخبة، وقال إن عصر الأحزاب السياسية قد انتهى وأن الدولة ليست سوى ديمقراطية للأفراد. وفي خطاب الفوز، تعهد بالعمل حتى تسري جميع القوانين على جميع التونسيين، والحديث لهيئة تحرير الصحيفة، وكانت هذه طريقته في مهاجمة ميراث النظام الأبوي والقبلية والمحسوبية التي لا تزال قائمة في تونس على الرغم من الدستور الجديد. وخلصت الصحيفة إلى أن انتخاب تونس لأيقونة المساواة هذه يمثل مرة أخرى مثالاً جيداً نادراً لجزء كبير من الشرق الأوسط. ولا بد من الإشارة إلى قصة اندلاع شرارة الثورة التونسيّة. ففي ديسمبر من عام 2010، أضرم بائع خضار في منتصف العشرينيات اسمه محمد البوعزيزي من بلدة سيدي بوزيد النار في نفسه خارج مبنى حكومي محلي. وكان هذا التصرّف من البوعزيزي بمثابة احتجاج على سوء المعاملة المستمر من ضباط الشرطة والمسؤولين المحليين، وسرعان ما انتقلت تداعيات هذا التصرّف إلى سائر أنحاء البلاد. وفي ظرف أسابيع قليلة، كان الرئيس زين العابدين بن علي قد تنحى عن الحكم وهرب من البلاد من 23 عاماً في السلطة، ليمنح تونس فرصة غير مسبوقة للدخول إلى الديمقراطية. وبعد ذلك اجتاحت موجة عارمة من الثورات دول الجوار، لتصل إلى دول الخليج وبلاد الشام. غير أن ما حدث داخل تونس نفسها بعد ذلك أقل شيوعاً. ورغم أن البلاد أصبحت منطلق الربيع العربي، فإن التحول الديمقراطي فيها سرعان ما غطت عليه الأحداث في دول عربية أخرى أكثر اكتظاظاً وأعمق ارتباطاً بالولايات المتحدة الأمريكية وتخضع لسطوة حكام أشد قسوة بطبيعتهم من زين العابدين بن علي. ولكن بعد مرور ما يقرب من عِقد من الزمن، لا تزال تونس قصة النجاح الوحيدة وسط كل الثورات العديدة. ففي أنحاء العالم العربي، تحوّلت الثورات في الكثير من الدول التي بدت في البداية وكأنها ستسير على خطى تونس إلى حربٍ أهلية، كما حدث في ليبيا وسوريا واليمن. وعادت دول أخرى، إلى أنظمة الحكم القمعية والشمولية. أما تونس، على الجانب الآخر، فقد صاغت دستوراً تقدمياً وعقدت انتخابات حرة ونزيهة على المستوى الرئاسي والبرلماني وعلى مستوى البلديات. وفي يوليو، حين مات الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي عن عمر بلغ 92 عاماً، كان انتقال السلطة إلى حكومة تصريف أعمال سلساً وخالياً من أي شيء يؤبه له. ولا تزال هناك العديد من المشكلات التي تعرقل مسيرة البلاد، لا سيما في ظل المسار الطويل من سوء الإدارة الاقتصاديّة وغياب الثقة في المؤسسات الحكومية على نحو يحدث ارتباكاً. ولكن، ورغم كل الأمور التي لا يزال على تونس أن تتمها، لا يزال النموذج الذي تقدّمه مصدراً للأمل في كافة أنحاء المنطقة. وبتحقيق هذا الإنجاز المبهر، ساعدت تونس في تبديد أسطورة أن الإسلام أو المجتمعات العربية غير مؤهلة للديمقراطية. غير أن قصة تونس تقدّم دروساً أخرى تتجاوز العالم العربي: مفادها أن الخلاص من الشمولية يستلزم قادة شجعاناً مستعدين لتقديم مصلحة البلاد على المصالح السياسيّة، وأن هذا التحوّل بطبيعته يتسم بالفوضى والتعثر. وما يعنيه هذا بالنسبة للمجتمع الدولي هو أن الدول التي تمر بحالة تحوّل تحتاج إلى دعم دبلوماسي وفوق كل ذلك دعم مال لتحمّل آلام المخاض الديمقراطي وتجاوزه بأقل ندوب ممكنة. وقد ورثت تونس في مرحلة ما بعد الثورة دولة في حالة ماسّة إلى الإصلاح. وقد عرف عن نظام بن علي فساده، وتبديده لخزائن الدولة وتحويل أموالها إلى حسابات بنكيّة تعود إلى ليلى الطرابلسي زوجة بن علي وعائلتها. وكانت الحكومة تفضل بعض المناطق الساحلية، متجاهلة جنوبها والأجزاء الداخلية منها، وهي المناطق التي اندلعت منها الثورة لاحقاً. وبالتالي على الجميع استخلاص الدروس والعبر لكي يمكن الحديث عن مستقبل سياسي لهذا أو ذاك وأنّ الشعب التونسي أذكى من ألاعيبهم وترهاتهم وشعاراتهم التي لا تنفع ولا تغني من جوع. حانت إذن ساعة التأمّل ومراجعة الذات وإعمال العقل والتعوّد على صياغة رؤى وتقديم برامج تقنع الناس وتنفع البلاد قولاً وفعلاً.

مشاركة :