ملامح من السياسات التنموية للمرحلة القادمة في خطاب جلالة الملك المفدى (2)

  • 10/21/2019
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

في خطابه السامي في افتتاح دور الانعقاد الثاني من الفصل التشريعي الخامس لمجلسي الشورى والنواب يوم الأحد الثالث عشر من أكتوبر الجاري، رسم جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حزمة من المهام تعبر عن مضامين مشروعه الإصلاحي المتواصل، وموجبات تحقيق الرؤية الاقتصادية للبحرين 2030, تمثل بحق خريطة طريق ينبغي إنجازها في المرحلة القادمة بتعاون السلطتين التشريعية والتنفيذية خدمة للشعب وارتقاء بالوطن وضمانا للمستقبل، وان تنفيذها بالعمق الروحي والرؤية الشمولية التي يتطلع إليها قائد المسيرة جلالة الملك، وبإطار استراتيجي يوازن بين الإمكانات المتاحة والمتطلبات والطموحات ووفقا لبرنامج زمني يحدد الأولويات, لهو شرف ما بعده شرف وثقة غالية متجددة يمنحها الملك القائد للحكومة برئاسة رجل البناء والعطاء والإنجاز صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة أطال الله في عمره، في مستهل دور الانعقاد الثاني من الفصل التشريعي الخامس لمجلسي الشورى والنواب، والذي قدر جلالة الملك بكل اعتزاز الجهود المميزة التي يبذلها سموه في التفاعل مع التوجهات والمستجدات العالمية وتضمين المناسب منها في برامج عمل الحكومة. وان في مقدمة مهام المرحلة القادمة التي يؤكد عليها جلالة الملك المفدى «أن تباشر الحكومة بوضع خطة وطنية شاملة تؤمن لنا الاستعداد الكامل للتعامل مع متطلبات الاقتصاد الرقمي، بتبني وتوظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في القطاعات الإنتاجية والخدمية، من خلال وضع الأنظمة اللازمة، واستكمال البنى التقنية، وتشجيع الاستثمارات النوعية، لضمان الاستفادة القصوى من مردود ذلك على اقتصادنا الوطني»، وذلك انطلاقا من إيمان جلالة الملك المفدى وإدراكه العميق لطبيعة التطورات العلمية والمعلوماتية المعاصرة واثارها العميقة على الاقتصاد والمجتمع، فلم يعد الاقتصاد الرقمي مجرد أساليب تقنية لتطوير الأداء، وليس خيارا تقنيا بين خيارات أخرى، تملك الدول وقطاعاتها الاقتصادية، الحرية في اعتمادها من عدمه، انما أصبح ضرورة لا مناص منها لاستمرار نمو وتطور الاقتصاد والمجتمع، وعنصرا مهمًّا من عناصر البيئة التنافسية الإقليمية والعالمية التي تواجهها، وهي تحول وجوبي لا بد منه، يستوجب إعادة شاملة للهندسة الاقتصادية، وتحديثا جوهريا في النظم والسياسات الاقتصادية في مختلف دول العالم، وتغييرا شاملا في وسائلها وآلياتها عبر التحول إلى الأنظمة والمنصات الرقمية التكنولوجية لتطوير أعمالها لمواكبة العصر الجديد، عصر الثورة الصناعية الرابعة، فضلا عن إيجاد البيئة التشريعية والرقابية واللوجستية المناسبة لها، فهي منعطف جديد لنظم الأعمال العامة والخاصة في العالم، تمتد بآثارها وعلاقاتها الخلفية والأمامية إلى مختلف القطاعات الاقتصادية (الإنتاجية والخدمية) والثقافية والتعليمية. وقد حرصت البحرين على أن تكون سباقة في بناء بيئة حاضنة بكل ما يتعلق بالذكاء الصناعي والتكنولوجيا المالية والابتكار، وتشجيع الشركات الناشئة وإيجاد البيئة التشريعية المناسبة، وجذب الشركات والاستثمارات الأجنبية في هذه القطاعات، وكانت أول دولة في المنطقة تسمح للمؤسسات المالية بأن تستخدم الحوسبة السحابية بشكل كامل، كما أنها أول دولة طبقت تكنولوجيا (بلوك تشين Blockchain أو سلسلة الكتل). وقد نجحت نجاحا كبيرا وسريعا في مجال تعزيز اعتماد القطاع المالي والمصرفي نظم وآليات التكنولوجيا المالية. واعتمد مصرف البحرين المركزي ما يسمى بـ(sandbox) ساند بوكس وهو يعتبر الأول من نوعه في المنطقة لحث رواد الأعمال على المساهمة بتقديم الحلول المبتكرة للتكنولوجيا المالية. كما قام بإرساء قواعد البنية التنظيمية والتشريعية للتكنولوجيا المالية، وإطلاق وحدة خاصة بالتكنولوجيا المالية، وبيئة تجريبية رقابية لاختبار حلول التكنولوجيا المالية. وبتعاونه مع مجلس التنمية الاقتصادية تم تأسيس مركز الخليج للتكنولوجيا المالية عام 2018م، الذي يمثل أكبر مركز متخصص للتكنولوجيا المالية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأسست البحرين أول مركز للتكنولوجيا المالية الإسلامية والتنمية المستدامة في عام 2018 م. وغيرها من الإنجازات في مجال تحديث القطاع المالي والمصرفي الذي يعد ذراعا مهمة وأساسية لتحديث الاقتصاد الوطني برمته. وبعد ان وضعت الحكومة القاعدة الضرورية للنهضة التقنية، وأتاحت فرصا واسعة لقطاع الأعمال لاستيعابها واعتمادها، من خلال ما وفرته خلال السنوات الماضية في مجالات التدريب والتأهيل والتحفيز وإعداد الدراسات العلمية والمهنية، وتنظيم المؤتمرات والورش والملتقيات العلمية العديدة، فقد آن الأوان لوضع خطة وطنية شاملة، مقترنة بحزمة متكاملة من الإجراءات، والتشريعات، وإعادة هيكلة وتوصيف القطاع الحكومي، لتحويل المشهد الاقتصادي والإداري البحريني برمته نحو الاقتصاد الرقمي واعتماد أحدث المنتجات والأساليب التقنية في مختلف أنشطته الإنتاجية والخدمية، وتكثيف استخدامها وجوبا، من خلال ربط الدعم والاحتضان الحكومي والتوظيف بالقدرة المتنامية على التعامل معها، وعد معيار القدرة على الابتكار والإبداع في الأداء والتطوير المتواصل، وتحقيق قيمة مضافة متنامية عبر اعتماد الرقمنة ومنتجات الثورة الصناعية الرابعة الأخرى، واحدا من المعايير الأساسية للولاء الوطني، وإدخال إصلاحات جذرية في برامج التعليم، وتطوير المناهج في المدارس والجامعات ومختلف المؤسسات التعليمية، والتوسع في التخصصات الجامعية الموائمة لهذه التوجهات، والاستفادة من تجارب الدول والشركات ذات القدم الراسخة في هذا المجال، وبما يسهم في دعم سياسات تنويع الاقتصاد، وتحفيز القطاع الخاص، واستقطاب الاستثمار الأجنبي، وتعزيز الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص. وهذا ما شدد عليه جلالة الملك المفدى، وأشاد بالإنجازات التي حققها مجلس التنمية الاقتصادية بقيادة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد الأمين بالقول «ويطيب لنا في هذا السياق، أن نشد على يد الابن العزيز، وولي عهدنا الأمين، صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، فيما يبادر به من خطط استشرافية وبرامج نوعية، لاستدامة تدفق الاستثمارات، الوطنية والخارجية، التي تصب في اتجاه تنويع مصادر دخل الاقتصاد الوطني، وتنميته بحسب ما حددته أهداف رؤية البحرين الاقتصادية 2030». الأمر الذي يبعث برسائل إيجابية لمختلف قطاعات الاستثمار، تحفزها على المضي بقوة نحو استيعاب متطلبات المستقبل، والمبادرة والمبادأة لسبر أغواره، لتحقيق المزيد من النمو والرفاهية والتطور. حفظ الله جلالة الملك المفدى وأعانه على تحقيق المزيد من العزة والنهضة والازدهار. ‭{‬ أكاديمي وخبير اقتصادي

مشاركة :