هل أهل الصحافة أدرى بشعابها؟

  • 10/22/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يبدو أن حياة كتاب الرأي تستمر نزولا وارتحالا، في عالم الثقافة السعودية، والتي تعاني من كثرة المنتوج، وندرة التميز، وطغيان الضجيج، فما إن أفكر في كتابة موضوع إلا ويخبرني الشيخ قوقل، أنه مُستهلك، تم طرقه مرات ومرات. لم يعد الحصول على حجر نجمي ثمين، ساقه للأرض شهاب ملتهب، بالأمر السهل، فزيادة على سخونة معدنه، ستجد كثيرا ممن وجدوا مثله، وسط الشِعاب الصخرية. التنقل بين الصحف قد يكون مفيدا، وقد يكون ضارا، فمن ينظر بقلبه، سيظن أن القلم مرغوب تتخاطفه الصحف، ومن ينظر بظاهره، سيضعف ثبات الكاتب، ويتهمه بأنه لا يكاد يستقر فوق ورقة، إلا وتهب عليها رياح الضيقة المالية في الصحف، وتجذر بعض الأسماء، ممن تيبست أفكارهم، وتفحمت خيالاتهم، فلم يعد يتجدد في فكرهم، إلا مواكبة الحدث الآني، وترديد نفس العبارات، بأسلوب خبري، روتيني، مدهون بالفازلين. كنت قد كتبت في صحيفة مكة لما يقارب الأربعة أعوام، وبعد عامين من الغياب، ها أنا أعود لشعابها، وأنا أشعر بالتردد، والخوف من أن تتراكم على خطوات حروفي طبقات من الغبار، فلا أعود أصنع الفارق عند القارئ. لذلك ترددت كثيرا، فيما سأكتب في أول مقال بعد العودة، وهل نفسيتي مستعدة لرتق جرح المسافات، وتخطي الضياع، وغسل الوجه بماء نقي لا يشبه المرقة، بمحاولة تجدد يصعب اصطيادها، مهما تعاظمت عدسات التلسكوبات وأمطرت السماء بالشهب. البدايات ليست كالمنتصف، وقد لا تكون كالعودة، ولكني أحلم بعالم متحرك، لا ركود فيه، ولا تجمد، ولا ضياع، ولا تلوث للكلمة والفكرة. كل كاتب يحلم بأن يكون لديه منبر حقيقة، وأن يكون الكاتب يستحقه، فيقدم الفكر العميق، ولا يجنح للركيك، أو المبهر بكونه أشبه بتغريدة، لا يعود يتذكرها الألوف ممن يغردونها، ويضعونها في مفضلاتهم، وهي إن بحثوا قليلا وجدوها في مخازن الشيخ، فقط تحتاج لمن يعمل أصابعه، ليجدها في تلميحات المفكرين والفلاسفة، وفي التراث الديني، والتاريخي، والأدبي، والفني، والعلمي، والأساطير، يعاد تدويرها، وكم يُنسى قائلها الأول، ويتم تضخيم نرجسية من ساقها في شعب الصحافة على لسانه المتشقق. هل بقي للكُتاب ملذات يفوزون بها، وهل هم جسورون؟ أم إنهم صاروا يخلطون بين البدايات، والنهايات، والرتابة لدرجة التلفيق. في عودتي اليوم لمكة أتمنى أن أنتف ريش جناحي القديم، وأظهر بزغب تجدد، ونظرة أمل، تبحث عن أيقونات، لم يقتلها بعد التخزين، ولم يحنطها التاريخ في توابيت المومياوات. الكتابة حياة لمن يقدرها، وهي مجرد بهرجة ووصول ونشر صورة محسنة لمن يتمظهر، وأنا تهمني كثيرا صورتي، ليست تلك التي تحتوي على تحسينات تقنية لونية، ولكن تلك التي يقرأني بها الوعي، ومن سيحضر مجددا لصفحتي، على أمل أن يجد فيها برعم نبتة تبحث عن ربيع، ولو في عز الخريف. سألني أحد الكُتاب عن كيفية اصطياد فكرة المقال الجديدة، فقلت له: أرجوك، لو قابلتها ولو صدفة، سلم لي عليها، وقل لها وحشتينا، وما بين فكرة وفكرة، لعلنا نقرض شفاهنا، ونبحث عن شِعب لا تؤدلجه الحواجز، والحفر، ومعاول عمال الإزالة، ممن تعجبهم الأرصفة المتشابهة لدرجة التطابق.

مشاركة :