الحكومة لا تعلن والصحافة لا تدري

  • 10/22/2019
  • 00:00
  • 89
  • 0
  • 0
news-picture

يصعب في الكثير من الأحيان فهم العلاقة بين صانع القرار السياسي وبين الصحافي. هنالك الكثير من الشكوك بين الطرفين لا يمكن إخفاؤها، السياسي يخشى من الصحافي قيامه بتحريف مواقف وتصريحاته أو التحريض عليه وصولا إلى كشف سوءاته، الصحافي يخشى من السياسي خفاياه وعدم قوله الحقيقة وتكتمه عن كشف ما يجري. في بلدان بعينها يخاف الصحافي من غدر السياسي وبطشه وانتقامه إن هو تجرأ وكشف الحقيقة التي تمس بالسياسي أو الطبقة السياسية. على وفق ذلك سارت هذه العلاقة الهشة بين الطرفين. في ظل تصاعد حمى بريكست وطلاق بريطانيا الوشيك من الاتحاد الأوروبي احتار الكثير من الصحافيين في سياسة رئيس الحكومة. في افتتاحية لندن ستاندارد ليوم الأحد قال كاتبها، إننا نعيش أزمة سياسية حقيقية سواء تحقق بريكست أو لم يتحقق. هنالك إشكالية بين الصحافة وبين رئيس الحكومة الذي يبدو أنه غير معني لا بالحملات الصحافية ولا بتحليلات الصحافيين وخاصة بصدد بريكست وهي حملات واسعة جدا ولا يمكن حصرها. هنالك إشكالية بين الصحافة وبين رئيس الحكومة البريطانية الذي يبدو أنه غير معني لا بالحملات الصحافية ولا بتحليلات الصحافيين منذ 3 سنوات والصحافة البريطانية تدبج المقالات وتقع في مربع الاستقطاب، فهي إن كتبت لصالح بريكست انضمت إلى فريق الأغنياء والبرجوازيين والشركات الذين يريدون إفقار هذا الشعب، وإن وقفت بالضد من بريكست فهي لا تراعي مصالح بريطانيا كأسبقية أولى. هذا الاستقطاب وسع الفجوة بين الصحافيين والسياسيين حتى اتهم سياسيون من حزب المحافظين بعض الصحف والصحافيين بالانحياز وبتكثيف أخبار ضد بريكست أكثر من التي كانت إلى جانب حملة الحكومة. المحافظون معذورون، فهم منذ الاستفتاء على الطلاق من أوروبا 2016 وحتى الساعة وهم يخوضون صراعا سياسيا واجتماعيا شرسا وذا حساسية بالغة، وهم أحوج ما يكونون لأي صوت يساندهم ولهذا يشعرون بالاستفزاز من المواقف والآراء الصحافية التي تنتقدهم وتحرض عليهم. لهذا صارت العلاقة بين السياسي المحافظ المتشبث ببريكست وبين الصحافي المولع بالكشف عن الحقائق علاقة يعتريها الكثير من الشك وصولا إلى اتهام مثل هذه الصحافة بالتحريض. على جبهة أخرى مشتعلة بالمظاهرات والاحتجاجات وذلك على الساحة اللبنانية، إحدى الصحف اللبنانية يبدو أنها لا تثق بسياسيي البلد الفاسدين الذين خرج اللبنانيون ضدهم ولهذا أطلقت على الحراك الشعبي اللبناني وموجة التظاهرات العارمة إنها ثورة، لكن الصحيفة نفسها ولدى تغطيتها للحدث العراقي الذي كان أشد شراسة ودموية وتوج بعشرات القتلى والجرحى في حمام دم شديد البشاعة ارتكبته الحكومة وميليشيات مساندة، في تلك التغطية كتبت الصحيفة عنوانا بارزا هو “فوضى العراق: واشنطن تبتسم للفتنة”. هذا العنوان العريض يكشف اطمئنانا عجيبا من طرف الصحافي والمؤسسة الصحافية لجهة السياسي وللطبقة السياسية وتناغما غريبا معها وإلا كيف نفسر الكيل بمكيالين: هنا ثورة وهناك فتنة؟ وكأنه مانيفيستو ذلك الذي أطلق على انتفاضة الشباب العراقيين بصدور عارية على أنها فوضى وفتنة إذ تلقفتها عشرات المواقع والمنصات الإعلامية التي تريد وأد الانتفاضة الشعبية- الشبابية العراقية. بناء المواقف على أسس مسبقة هو أسوأ أشكال الأداء الصحافي، وإلا فإن الحكومة العراقية مثلا لم تكشف للإعلام حتى الساعة نتائج التحقيق، والصحافة لا تدري فكيف تعدها مجرد فوضى وفتنة؟ ثم إن من الغريب على تلك الصحافة التي لا تدري أنها لم تتعرف على إحصائيات منشورة لهوية الضحايا، أنهم جميعا في سن الشباب ودون الأربعين وأن أغلبهم عاطلون عن العمل وأن أكثرهم جامعيون وبذلك تتضح جسامة “اللاأدرية الصحافية” بالكتابة عن اعتبارات محرفة بعيدة عن الحقيقة التي خلاصتها أن انتفاضة العراقيين كانت انتفاضة جيل شباب محطم بلا أمل ولا وطن يحترم كرامته ولا مستقبل، ولا أحد يضع ذلك الجيل في الحسبان ولا يخطط من أجله. هنالك إشكالية حقيقية في هذا المجال خلاصتها أن الحكومة في الحالتين العراقية واللبنانية لا تعلن عن الحقائق على الأرض ولا تكشف بالقلم العريض عن المفسدين ولا تجرؤ على محاسبتهم، وبذلك تبقى الصحافة وهي لا تدري عن الخفايا شيئا وإن غاصت في الحالة، فلسوف تتهم بالتحريض والخيانة وبذلك تتعمق الفجوة بينها وبين السياسي وبين الحكومة المتسترة على حقائق من واجبها بثها إلى الرأي العام. ShareWhatsAppTwitterFacebook

مشاركة :