هذا هو الحل وما سوى ذلك..؟

  • 10/23/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

ما حدث في الرياض الأسبوع الماضي مع الفرقة الكورية بي تي إس مفاجأة تحتاج إلى دراسات في علم الاجتماع وعلم السلوك، دراسات ترصد الحراك الاجتماعي والتحولات الثقافية حين تطرأ على المجتمعات في سلوكها وأفكارها ومذاهبها وما يتغير في حياتها أو يستقر، وحين يتعرض المجتمع لموجة ثقافية تبين مدى التأثير والتفاعل التلقائي الذي يحدث في تحولات قد لا يدركها الناس بسهولة. ولا أظن أحدا تصور ما حدث في تلك الليلة، حتى المنظمون للحفل لم يتوقعوا حضور العدد الكثير الذي حضر. والكلام هنا ليس اعتراضا ولا تقويما ولا مع الفرقة الكورية المشهورة ولا ضدها، لكنه حديث عن الاختراق الثقافي السريع الذي عبرت عنه شريحة كبيرة من شرائح المجتمع، بل من أهم شرائحه التي لم يتوقع الناس أن لها اهتماما بما وراء الحدود، ولا سيما فيما يخص الفنون والطرب والترفيه، حيث كنا إلى عهد قريب مجتمعا مغلقا على ثقافته الدينية الصلبة وتفسيره المتشدد. مجتمع تقليدي ليس محافظا فحسب، بل يعده العالم من حولنا شديد الصلابة والبعد عن الثقافات الأجنبية كالترويح والترفيه وما شاكلهما، ولم يكن في الظاهر بيننا وبينها تواصل ولا اتصال. وإذا كان من الممكن أن نفهم معرفة بعضنا لشيء من الثقافة الغربية التي يزعم المحافظون منا أننا منشغلون بها ومتعلقون بآدابها ومقلدون لأهلها ومكتسبون لما نعرف من فنونها بحكم الصلة بيننا وبين الثقافة الغربية، وبحكم الذيوع والانتشار لتلك الثقافة والانجذاب لها من بعض من درسوا في الغرب وتأثروا بثقافته؛ فإننا بعيدون عن الثقافة الشرقية كل البعد وبعيدون عن أسباب التأثر المباشر، وما كان أحد يظن أن للثقافات الشرقية وجودا يذكر عندنا، فضلا عن أن يكون لها هذا العدد الكثير من العشاق في أوساط الشباب السعودي الذي كان إلى عهد قريب يعد بعيدا عن ثقافة الشرق وعن ثقافة الغناء والطرب الذي كان محظورا حتى في ثقافته المحلية، وفي مجتمع كل أدبياته تحرم وتجرم الثقافة الفنية بكل أنواعها وفنونها فضلا عن قبولها والتعلق بها. الأول أن هذا أمر يثير التساؤل. أما الأمر الثاني اللافت للنظر ليس في الجموع الكبيرة التي لم يجد المتأخرون منهم مكانا في استاد الملك فهد وقدرته الاستيعابية أكثر من خمسين ألف مقعد، ولكن اللافت للنظر أعمار من حضر وجنسهم، حيث رصد المشاهدون للحفل ومن حضره أن أكثر من 90% أعمارهم بين الثانية عشرة والثامنة عشرة، والنسبة نفسها أو أكثر بقليل ممن حضر فتيات، أي إن النساء في سن مبكرة جدا هن من حضر وشارك في الاحتفالية الكورية. هذان المحوران العمر والجنس لأكثر من 90% ممن حضرن المناسبة يلفتان النظر ويجب أن تدور حولهما الدراسات وتطول حولهما الوقفات التي تستشكل ما حدث، وتناقش ظاهرة التحول الذي صار إليه الناس بسرعة غير معهودة. فقد كانت البيوت مغلقة والنساء هن ربات الحجال والمرأة محدودة الحركة والخروج، ومحدودة الاتصال فيما وراء أسوار منزلها وفي محيط يعزل الرجال عن النساء. فكيف اخترقت هذه الفرقة الفنية الحجب؟ وكيف وصل خبرها والعشق الفني لها إلى مجموع الشباب الذين لا زالوا في سن المراهقة؟ الحل غير المتسرع والجواب على كل التساؤلات هو أن التحصين الحقيقي للأجيال ليس في المنع والإغلاق والعزل ووضع الحواجز ورفع الأسوار بيننا وبين ما يحدث حولنا، ولكن التحصين الذي يعتمد عليه هو ترسيخ المفاهيم العليا للثقافة الحرة، وبناء الشخصية الواعية المستقلة التي تميز الصالح وتأخذ به، ولا تتحيز لغير النافع وتعرف ما يحسن العمل به وما يستفاد منه. وأن تقوى المناعة الذاتية عند الناس، ولا سيما الشباب بجنسيه الذكور والإناث، إذ لم يكن ممكنا حجب ما يحدث في العالم، ولا يمكن التحكم بالمعارف والثقافات والعادات والتقاليد العامة للبشرية التي تمطرها السماء المفتوحة على الناس في كل قارات الأرض. هذا هو الحل وما سوى ذلك..؟

مشاركة :