فايز قزق: أبحث عن الصندوق الأسود للشخصية

  • 10/23/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

لم يبرق نجم الفنان السوري فايز قزق كما يستحق رغم أنه صاحب البصمة الأكاديمية على الكثير من الوجوه التي لمعت في الدراما السورية والعربية، فهو أستاذ التمثيل الذي خرّج عشرات الدفعات من الممثلين الذين باتوا اليوم نجوما لامعين على الساحة العربية وليس فقط السورية. “العرب” سألت الفنان السوري المخضرم عن سبب تعلقه بالمعهد العالي للفنون المسرحية كل هذه السنوات رغم أن المعهد ومهنة التدريس لا تؤتي أكلها ماديا مقارنة بالأجور التي قد يتقاضاها من عمله في الدراما التلفزيونية، فيجيب “أولا، أنا واحد من مؤسسي المعهد كطالب بداية، وكواحد من أوائل المعيدين فيه ثانيا، ثم من أوائل من تم إيفادهم للدراسة في الخارج، والمعهد منشأة سورية، وببسيط العبارة ودون أي فلسفة أو تنظير، أنا أحب بلدي وأحب دمشق، هذه المدينة التي ولدت وعشت وكبرت فيها.. وكامل أركانها في وجداني، كما أن المعهد يشكّل بالنسبة لي البيت أو الملجأ، إنه أشبه بمحمية تحميني كما حمت الكثير من الأساتذة والطلبة والخريجين وبعضا من الموظفين من الدخول في متاهات الفساد التي عمّت البلاد”. ويضيف “كما أن التراث الذي كونته لنفسي والذي كان معظمه مسرحيا وددت أن ينشط وأن يتابع من قبل أفراد كنت مشرفا على تدريبهم وتدريسهم ليكونوا أفضل مني على خشبة المسرح وفي السينما وأندادا حقيقيين لي، كما حصل مثلا في مسرحية ‘تقاسيم على العنبر’ مع المخرج جواد الأسدي، حيث كنت في الصباح أستاذا لهم وفي المساء زميلا معهم في العرض، أصارع لأكون في مستواهم الجسدي والروحي، كما أن عملي اليوم مع هؤلاء الشباب الصغار الذين يقاربون ابني في العمر، جعل فترة الشباب بالنسبة لي طويلة جدا على مستوى الجسد والصوت والصراع، وجعلني أتعرف على عالمهم الذي ربما يكون نزقا”. هو وشوقي الماجري شاءت الصدف أن يكون فايز قزق واحدا من أبطال مسلسل “دقيقة صمت” العمل الأخير للمخرج التونسي الراحل حديثا شوقي الماجري، عن تلك التجربة وعن علاقته بالراحل، يقول “علاقتي بالمرحوم شوقي الماجري قديمة، حيث سبق وأن عملت معه في أربعة أعمال درامية، وهي: شهرزاد وعمر الخيام وأبناء الرشيد وأخيرا دقيقة صمت، في الحقيقة كانت في معظمها أعمالا لطيفة رغم التعب والصعوبات التي رافقتها، وهي أعمال أعتز بها ليس فقط على مستوى الشخصيات التي قدمتها، بل أيضا على مستوى العلاقة مع المخرج الذي يعتبر رجلا أكاديميا بامتياز درس السينما في بولوندا، وكان همه تقديم صورة سينمائية في الأعمال التلفزيونية، فيهتم بالكوادر والصيغ اللونية وزوايا التصوير، رغم بوحه الدائم باستحالة استخدام اللغة السينمائية في الدراما التلفزيونية، ومعه حق في ذلك، فالسينما تحتاج إلى جمهور، بينما التلفزيون يفتّت الجمهور ويجبره على الجلوس في المنزل، وأهم ما كان يميزه كمخرج اهتمامه برأي الممثل، وخاصة حين يسأله كيف تحب أن تتحرك أمام الكاميرا، هي علاقة أكاديمية صرفة”. وأثار مسلسل “دقيقة صمت” الذي كتبه السيناريست السوري سامر رضوان ضجة كبيرة وقوبل باعتراضات أثناء عرضه، وهنا تسأل “العرب” قزق هل أخافته التجربة قبل خوضها؟ فيجيب “جلست طويلا مع الراحل شوقي الماجري وتحدثت مع الممثلين الذين تجمعني بهم مشاهد لأفهم العمل، ولا أعرف لماذا أخاف من هكذا دور، فعندما نتكلم عن معضلة اجتماعية، أو بعبارة أدق عن مرض اجتماعي له علاقة بفئة ما من المجتمع سواء كان قطاعا مدنيا أو عسكريا أو أمنيا أو حتى دينيا، وأقول لشعبي إننا بهذا المنطق لا يمكن أن نصل لمستقبل زاهر نستطيع من خلاله مناطحة وعراك الأمم الأخرى المتطورة، أعتقد أنني من خلال طرح مثل هذه المسائل على طاولة النقاش، أكون قد أضفت له الشيء الكثير، وهذا هو دوري كفنان”. ويسترسل “الحقيقة أن هذا المرض لا يمكن تجاهله في المجتمع، كما لا يمكن لأحد معالجته أو معرفته سواء كان طبيبا أو مهندسا، ولكن يوجد من هم متخصّصون في علوم الاجتماع وعلوم النفس قادرون على معالجته، كما يأتي إلى جوارهم الفنانون وأقصد هنا المسرحيون والسينمائيون وطبعا الأدباء، وعادة ما يسعى فنانو المسرح الحقيقيون إلى ما يمكن تسميته التجديد (الانسلاخ والتوسّف) ليس فقط على مستوى الجلد والخلايا، بل أيضا على مستوى الأفكار، وبالتالي عندما تتاح لي مثل تلك الفرصة في التلفزيون لا أرفضها، فالتلفزيون شئنا أم أبينا منتشر انتشارا واسعا ويقتحم البيوت ويجلد البشر ويصادر أفكارهم، وهو المطلوب في مثل هذه الحالات الإشكالية”. قناة اليوتيوب يدرس فايز قزق شخصياته دراسة تفصيلية، لأن التمثيل بالنسبة إليه ليس فقط فنا وإنما هو علم له قواعد ودون هذه القواعد يبدو الفنان خاويا لا يحمل أي فلسفة، وهو بالإضافة إلى ذلك لا يؤمن بما ينضاف إلى الممثل من مكياج وملابس ومسائل تقنية خاصة بالإخراج بشقيه السينمائي والتلفزيوني إلاّ كعوامل إضافية لا كعوامل تحريضية، كما أن مسألة النجومية لا تعنيه كثيرا، وهنا تسأله “العرب” هل لدراسته الأكاديمية عامل في كل ذلك؟ ويجيب “يفترض أن تكون السنوات الأربع من الدراسة الأكاديمية عاملا إضافيا لتقوية البحث في مسألة اشتقاق مخلوق من إعداد، فالشخصية التي تقدم سواء في المسرح أو التلفزيون أو حتى في الإذاعة على مستوى الصوت، يفترض أن تكون هناك أُسس لدراستها، وهذه الأمور مألوفة في السينما والمسرح من خلال بروفات الطاولة، حين نقرأ النص ونبحث في الشخصيات وما يمكن أن تفعله بناء على وضعها الاجتماعي والديني الأخلاقي، تاريخها وتجربتها في الجامعة والمدرسة والعمل والحياة الاجتماعية بشكل عام والأسئلة المحرجة في حياتها وصندوقها الأسود الذي يحمل الأسرار العميقة، وبطبيعة الحال ليست كل الشخصات تحمل صندوقا واحدا، بينما في الدراما التلفزيونية حيث لا توجد بروفات طاولة، على الممثل أن يجتهد ليعرف خبايا الشخصية لتظهر وكأنها تشبهه وتتقاطع معه دون أن تتطابق معه تماما، والسر في ذلك أن مطابقة الشخصية للممثل شيء مُربك، فمن الصعوبة للممثل أن يسيطر على نفسه وأن يقلّد نفسه، فنرى اليوم أن الممثلين أو من يسمون بالنجوم وكأنهم يعملون في مسلسل واحد مجزّأ على مدى عشرين عاما”. فازت مؤخرا قناة فايز قزق على اليوتيوب بجائزة، عن فكرة إنشاء القناة ومدى علاقته بالميديا وإيمانه بها كوسيلة هامة للترويج لأي فنان، يقول فايز قزق “إن الفكرة جاءت عبر صديق سوري يعيش في لندن حين أقترح عليّ إنشاء القناة والإشراف عليها، سألت واستفسرت عن الموضوع ووازنت ما بين الأشياء التي قد تكون مفيدة أو ضارة بالنسبة لي، واعتبرت تلك القناة شكلا من أشكال الاستفتاء الشعبي، فأعرف من خلالها مدى محبة الناس أو كراهيتهم، ولكن في الحقيقة فاجأني الرقم، فبعد أقل من سنة على إنشاء القناة، تمكّنت من الحصول على ما يقارب الـ150 ألف متابع، وهذا يدل على أنني لست شخصا مجهولا بالكامل، كما أنني لست معروفا بالشكل الأمثل أيضا”.

مشاركة :